الرئسيةسياسة

حين يصبح الدفاع عن المال العام جريمة، الغلوسي في مرمى نيران الفساد

بقلم: بثينة المكودي

في الوقت الذي يفترض فيه أن تحتفي الدول والمؤسسات بالمواطنين الذين يذودون عن المال العام ويدافعون عن قيم الشفافية والنزاهة، يجد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، نفسه وسط عاصفة من المضايقات والدعاوى القضائية الكيدية، لا لشيء سوى لأنه تجرأ على قول الحقيقة، وفضح من يعبثون بثروات الوطن.

إن الهجمة التي يتعرض لها الغلوسي لا يمكن فصلها عن سياق عام يتسم بتصاعد وتيرة التضييق على الأصوات الحرة والضمائر الحية، التي اختارت الاصطفاف إلى جانب المصلحة العامة، والوقوف في وجه الفساد والإفلات من العقاب. إنها محاولة مفضوحة لترهيب المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وتكميم الأفواه التي لا تبيع مواقفها ولا تساوم على مبادئها.

وتقول الحقوقية نبيلة جلال “ما يحدث اليوم هو نكوص خطير عن روح الدستور المغربي الذي يقرّ بحرية التعبير، ويؤكد على الحق في المعلومة والمشاركة المدنية الفاعلة. كما أنه يتناقض مع التزامات المملكة الدولية في مجال حقوق الإنسان، وعلى رأسها حماية المدافعين عن هذه الحقوق وضمان سلامتهم الجسدية والقانونية.

وتضيف أن استهداف الغلوسي، بهذا المعنى، لا يخصه وحده، بل يطال كل من آمن بأن الوطن لا يُبنى على الصمت والولاء الأعمى، بل على المساءلة والمحاسبة والحق في الاختلاف.

هذا وشددت  على ان هذا الهجوم هو  استهداف لخط نضالي طويل قاوم من أجل كبح نزيف المال العام، وفتح أعين المواطنين على واقع النهب المنظم الذي يستنزف إمكانات التنمية ويعمق الفوارق.

لكن، وكما يُقال، فإن صوت الحق لا يُخرسه الضجيج، وصدى النزاهة لا يُلغيه بطش السلطات. التضييق، مهما اشتدّ، لا يمكنه أن يصمد طويلاً أمام القناعات الصلبة والإرادة الحرة.

تضامن واسع مع محمد الغلوسي

تجدر الاشارة الى أنه لم يتأخر الرد الحقوقي والمدني على الحملة التي تستهدف الأستاذ محمد الغلوسي، حيث عبرت مجموعة من الهيئات الحقوقية والجمعوية، إلى جانب عدد من المحامين والصحافيين والفاعلين المدنيين، عن تضامنها المطلق معه، معتبرة أن استهدافه يمثل ضربة موجعة لقيم المساءلة والمواطنة الفاعلة. وأكدت هذه الهيئات أن الغلوسي لم يكن يومًا خصمًا شخصيًا لأحد، بل كان صوتًا مجتمعيًا صادقًا في وجه الفساد والنهب الممنهج للمال العام.

ورفعت هذه الأصوات دعوات صريحة لوقف التضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان، مشددة على أن معاقبة الأصوات النزيهة لا يمكن أن تبني دولة قانون، بل تُغذي الشعور باللاجدوى والإحباط، وتُجهز على ما تبقى من ثقة المواطن في المؤسسات.

المعركة ضد الفساد معركة المجتمع ككل

إن المعركة التي يخوضها الأستاذ محمد الغلوسي، ليست معركة فردية، بل معركة مجتمع بأكمله من أجل مغرب العدالة والشفافية. وهي معركة لن تُحسم إلا بإرادة جماعية تُعيد الاعتبار لمن يرفض التواطؤ مع الفساد، وتُسائل من جعلوا من المال العام غنيمة لا حقًا مشتركًا.

إن التضامن والدعم للغلوسي في هذه اللحظة الحرجة.، مناسبة لإعادة فتح النقاش حول حماية المدافعين عن المال العام، وللتأكيد أن محاربة الفساد ليست شعارًا مناسباتيا، بل امتحان حقيقي لصدقية الدولة واختبار صارم لمدى احترامها لالتزاماتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى