الرئسيةسياسة

حماة المال يدينون استهداف المبلغين عن الفساد

في خطوة تصعيدية وأمام موجة من التضييق الممنهج على المبلغين عن الفساد، أدانت الجمعية المغربية لحماية المال العام، في بيان رسمي صادر عن فرعها بمراكش الجنوب، بشدة ما وصفته بـ”الشكاية الكيدية” التي رفعها برلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار ضد رئيس الفرع محمد الغلوسي، معتبرةً أن الهدف الحقيقي من هذه الشكاية هو ترهيب المدافعين عن المال العام ووقف جهود كشف ملفات الفساد ونهب أموال الدولة.

وأشار البيان إلى أن الجمعية بصدد إعداد برنامج نضالي شامل سيُعلن عنه قريباً، يهدف إلى فضح خلفيات هذه الشكاية والأطراف الحقيقية الدافعة لها، فضلاً عن كشف ملفات فساد متعددة في جهة مراكش-آسفي.

وشدد البيان على أن هناك استغلالاً ممنهجاً من قبل بعض المنتخبين والمسؤولين لمواقع المسؤولية في مراكش، لأغراض مادية بحتة على حساب التنمية الاجتماعية والكرامة والعدالة التي ينتظرها سكان الجهة.

التحقيق في برنامج “مراكش الحاضرة المتجددة” ضرورة عاجلة

طالبت الجمعية الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش بفتح تحقيق قضائي معمق حول برنامج “مراكش الحاضرة المتجددة”، الذي تقدر ميزانيته بالمليارات، مع إحالة الملف على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، ودعت إلى الاستماع لجميع الأطراف المعنية ومراجعة مطابقة الأشغال المنجزة على الأرض مع دفاتر التحملات، خاصة في ظل الشكاوى المتكررة عن تعثر تنفيذ بعض مكونات المشروع، كما طالبت بضمان احترام مبادئ الشفافية والمساواة والنزاهة في صفقات البرنامج، مستندة في ذلك إلى تقارير رسمية للمجلس الأعلى للحسابات، التي تؤكد وجود تجاوزات مالية وإدارية في مشاريع مماثلة.

التحقيقات القضائية ومساطر محاسبة متسرعة

أكدت الجمعية على ضرورة تحريك المتابعات القضائية ضد جميع المتورطين في جرائم الفساد ونهب المال العام، مع الإشارة إلى ضرورة التعجيل بمحاكمة المتهمين في قضيتي “كوب 22” وأملاك الدولة، اللتين لا تزالان قيد الانتظار أمام غرفة الجنايات الابتدائية بمراكش المكلفة بجرائم الأموال.

وطالبت الجمعية بقرارات وإجراءات حازمة من القضاء لكسر حلقة الإفلات من العقاب، وهو أمر يتطلب حسبها إرادة سياسية وقضائية قوية.

الفساد بين الإدارة والمجلس الجماعي: “تبديد أملاك الدولة” نموذج لتواطؤ منظّم

واعتبرت الجمعية أن قضية تبديد أملاك الدولة المعروضة أمام محكمة الاستئناف بمراكش تمثل نموذجاً واضحاً للتواطؤ بين الإدارة، المرفق العمومي، والمجلس الجماعي، مؤكدة أن القضية تكشف عن شبكة فساد منظمة تستغل مواقع المسؤولية لتحقيق مكاسب شخصية على حساب مصالح الساكنة، كما طالبت الجمعية بفتح مساطر الاشتباه في غسل الأموال ضد المتهمين في هذه القضية، مستندة إلى تقارير وتحقيقات أولية تؤكد وجود تحويلات مالية مشبوهة.

غياب التقارير الرسمية وتأخر مساءلة الفاسدين

تساءلت الجمعية في بيانها عن أسباب احتجاز تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية المتعلقة بمجلس جهة مراكش آسفي، مشيرة إلى أنه منذ عام 2012 لم يصدر أي تقرير رسمي عن تدبير المجلس، ما يثير تساؤلات حول شفافية الإدارة العمومية، وأضافت الجمعية أن الرأي العام يتابع بقلق كيف تحول بعض المسؤولين في الجهة من وضعيات اقتصادية بسيطة إلى أثرياء جدد خلال فترة قصيرة، دون محاسبة، وهو ما يشكل “تكريساً للتمييز وتقويضاً لسيادة القانون والعدالة”.

ملفات فساد أخرى

هذا و طالبت الجمعية بتوسيع نطاق الأبحاث القضائية بخصوص شبهات الفساد في جامعة ابن زهر بأكادير، التي تواجه اتهامات بعدم شفافية في تسيير الموارد، بالإضافة إلى الدعوة لتسريع المحاكمات في ملف جماعة العيون المرسى، حيث لا يزال الملف مفتوحاً منذ سنوات ويضم منتخبين ومسؤولين دون حسم قضائي.

إحصائيات رسمية تؤكد حجم الفساد المستشري

وفق آخر تقارير رسمية صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، تصل خسائر المال العام في جهة مراكش آسفي إلى أرقام تفوق 1.5 مليار درهم في المشاريع المتعثرة بين 2018 و2023، مع تسجيل تجاوزات في صفقات عمومية بنسبة 25% من مجموع الصفقات، وتؤكد المعطيات أن 60% من ملفات التحقيق المتصلة بالفساد في الجهة لم يتم إحالتها على القضاء بسبب عوامل مرتبطة بعدم توفر إرادة سياسية كافية أو تأخر عمل الأجهزة الرقابية.

تصريحات من قلب الحدث

قال محمد الغلوسي، رئيس فرع الجمعية بمراكش، في تصريح صحفي: “هذه الشكاية الكيدية ليست إلا محاولة لإسكات صوتنا وكسر عزيمتنا، لكنها لن توقف مسيرتنا في الدفاع عن المال العام، و سنواصل الضغط والفضح حتى تتحقق العدالة، ولا بد من إرساء آليات فعالة للشفافية والمحاسبة الحقيقية”.

في المقابل، رفض برلماني حزب التجمع الوطني للأحرار الاتهامات الموجهة إليه، ووصف الشكاية بأنها “إجراء قانوني يمارس في إطار المحاسبة”، دون الدخول في تفاصيل إضافية.

ختاماً، تبرز هذه المطالب والمواقف حساسية ملف مكافحة الفساد في المغرب، حيث يتقاطع البعد الاجتماعي والاقتصادي مع السياسة، ما يجعل من حماية المال العام وتعزيز الشفافية ضرورة لا تقبل التأجيل، خصوصاً في ظل التحديات التنموية التي تواجه الجهة والمملكة عامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى