الرئسيةدابا tvرأي/ كرونيكميديا وإعلام

حين يتحدث “الإعلامي” جهلا وفواتا.. المرأة يا هذا إنسانة وليست جسدا+ فيديو

بقلم: بثينة المكودي

في زمن تكسر فيه القيود واحدة تلو الأخرى، لا يزال البعض يصر على ارتداء نظارات مشروخة لا ترى من المرأة سوى جسدها، ولا تدرك من كيانها سوى ما يخدم نظرة اختزالية بالية.

خرج صامد غيلان، وهو وجه إعلامي مغربي، بتصريح مؤسف اعتبر فيه أن المرأة التي تشتغل في المقهى ليست إلا وسيلة لجذب الزبائن من الذكور، وكأن وجودها هناك خلق لتلبية غايات تجارية لا علاقة لها بكرامتها أو حقها في العمل.

هذا التصريح، الذي يحمل في طياته نظرة ذكورية تقليصية، لا يمس فقط عاملات المقاهي، بل يهين كل النساء اللواتي اخترن أو فرضت عليهن الظروف أن يعملن في الفضاء العام، في المطاعم، وفي المتاجر، وفي الحقول، وفي الورشات،وكأننا لم نتقدم قيد أنملة عن العصور التي كان ينظر فيها للمرأة كمتاع أو إغراء، لا كإنسان له الحق الكامل في الكدّ والكرامة.

المرأة ليست جسدًا.

هذه ليست عبارة إنشائية، بل مبدأ حقوقي وإنساني جوهري، يجب أن يغرس في الوعي الجمعي قبل أن نُفكر في بناء مجتمع متوازن وعادل.

المرأة عقل، ووجدان، وضمير، وساعد، وطموح، اشتغالها في المقهى أو في المصنع أو خلف المكتب لا يجعلها “وسيلة”، بل يجعلها فاعلة اجتماعيا واقتصاديا، وتستحق الشكر والدعم لا التنقيص والتشهير.

وإذا كان هناك مشكل، فهو ليس في من تشتغل بشرف لتكسب قوتها، بل في من يرى في المرأة مجرد صورة جنسية، ويسقط عليها رغباته وتصوراته المشوهة، ثم يلومها على وجوده المريض.

إن اختزال المرأة في جسدها ليس فقط جريمة رمزية، بل أيضا فعل يغذي التمييز، والعنف، واللامساواة.
فكل كلمة تقال في حق امرأة العاملة بهذه الطريقة ليست مجرد رأي، بل سهم يُغذي التحيز، ويُسهم في مزيد من الإقصاء والوصم المجتمعي.
متى يعلم المتحدثون في المنابر الإعلامية أو منصات التواصل، أن الكلمة موقف، وأن من يسهم في إعادة إنتاج نظرة دونية للمرأة، هو شريك في كل أشكال التمييز التي تُمارس عليها.

تجدر الاشارة الى أن احترام المرأة يبدأ من احترام حقها في أن تكون كما تشاء:” نادلة، طبيبة، سائقة، قائدة، عاملة نظافة، صحافية، بائعة، أو فنانة؛ليس لأحد أن يحدد لها شكل حياتها، ولا أن يصنفها وفق مقاساته الأخلاقية الضيقة.

صوت النساء لا يحتاج إذن ليُرفع، هو اليوم أعلى من أي وقت مضى، يدين، يطالب، ويُغيّر.
أما أولئك الذين ما زالوا يرون في المرأة “جسدًا لجذب الزبائن”، فربما عليهم أن يُعيدوا النظر في رؤوسهم قبل أعينهم.

وبهذا المنطق الأعوج، سنضطر إلى القول إن الأستاذة تجذب التلاميذ، والمذيعة تثير المستمعين، والإعلامية تغري المشاهدين، وكأن وجود المرأة في كل موقع هو مجرد وسيلة إغواء لا أكثر. إنه منطق مختل لا يرى في المرأة عقلًا ولا كفاءة، بل يُصِرّ على حصرها في زاوية الجسد، رغم أن المجتمع بأكمله يقف على أكتاف نساء يشتغلن في صمت، ويصنعن الحياة بكرامة.

كفى من هذا” التخربيق”، وكفى من تعليق عيوب النظرة الذكورية على حضور المرأة!!

العطب الحقيقي ليس في وجود النساء في الفضاء العام، بل في العيون التي لا تعرف أن ترى إلا الجسد، وفي العقول التي لم تنضج بعد لترى الإنسان.

وفي هذا السياق، نوجه نداء صريحا إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) من أجل التدخل الفوري، لا فقط لمتابعة مثل هذه التصريحات التمييزية، بل لاعتماد مقاربة صارمة تجاه كل خطاب إعلامي يحقر من النساء أو يُسهم في نشر ثقافة الاختزال والإهانة.

وفي الاخير جدير بالذكر إن مسؤولية المؤسسات الرقابية لا تقتصر على الشكل والمضمون، بل تشمل أيضا محاربة كل تمظهرات العنف الرمزي الذي تُمارس فيه الكلمات فعل الإقصاء، والتشييء، والتجريد من الكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى