
كشفت الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى، خلال ندوة صحفية عقدتها الجمعة بالرباط، عن أرقام صادمة تُظهر واقعاً قاتماً للمقاولات الصغرى التي تمثل 95% من الشركات المغربية وتوفر أكثر من 70% من فرص الشغل في البلاد، في مشهد أشبه بمذبحة اقتصادية صامتة،
تواجه هذه الفئة الحيوية التي تساهم بأكثر من 40% من الناتج الداخلي الخام، أزمة خانقة لم يشهدها الاقتصاد الوطني من قبل، حيث ارتفعت حالات الإفلاس بشكل صاروخي من 10,500 حالة في 2021، إلى 14 ألف في 2023، ثم قفزت إلى 33 ألف حالة في 2024، وسط توقعات ببلوغ 40 ألف إفلاس بنهاية العام الجاري، رقم يضع الاقتصاد المغربي على حافة انهيار قد يكون له انعكاسات اجتماعية واقتصادية كارثية.
التمويل.. حائط صد يتحطم عليه 90% من المقاولات الصغيرة
بحسب الدراسة الميدانية التي شملت 670 مقاولة في مختلف جهات المغرب، يعاني 90% منها من صعوبات بالغة في الوصول إلى التمويل، بسبب شروط وضمانات تعجيزية تفرضها مؤسسات الإقراض، في بلد يُفترض أن يشجع الاقتصاد الموازي على التمدد، تصبح هذه الشروط كالسد المنيع أمام المقاولات التي تكافح من أجل البقاء.
أما النظام الضريبي، فليس ببعيد عن المشكلة، حيث أقر 74% من المشاركين بأن النظام الجبائي المغربي غير محفز إطلاقاً، مع تعقيدات إدارية ومساطر بيروقراطية تُثقل كاهل المقاولات الصغرى، التي لا تحظى بأي إعفاءات أو مراعاة خاصة تناسب حجم معاملاتها المحدود، إضافة إلى ذلك، اعتبرت 76% من المقاولات أن الأعباء الاجتماعية، مثل التصريح بالأجراء وصندوق الضمان الاجتماعي، تفوق قدراتها المالية، مما يزيد من وضعها الاقتصادي سوءاً.
تأخر الأداء و«المنافسة الشرسة».. عاملان يزيدان الطين بلّة
لتأتي الضربة القاضية من تأخر آجال الأداء الذي أشار إليه 70% من المقاولات، ما يقتل السيولة المالية ويُعرقل سلسلة الإنتاج ويزيد من احتمالات الإفلاس، وعلى الجانب الآخر، يعاني أكثر من 80% من هذه المقاولات من منافسة غير شريفة من القطاع غير المهيكل، الذي ينمو بلا رقابة ولا ضوابط، مستغلاً الفجوات القانونية والاقتصادية، مما يترك المقاولات الرسمية في مهب الريح.
الإقصاء من الدعم والتكوين وضعف الإدماج في الطلب العمومي
كشفت الدراسة أن 97% من المقاولات لم تحصل قط على دعم للمشاركة في معارض دولية، و52% لم يستفدوا من برامج للتكوين أو تقوية القدرات، كما أن 70% لم تُدمج قط في صفقات عمومية، ما يعكس ضعف استراتيجية الدولة في تمكين هذه الفئة من اقتحام الأسواق وتعزيز حضورها.
نداء عاجل لتوحيد المرجعيات وتبسيط المساطر
من خلال اليوم الدراسي الذي نظمته الهيئة في مجلس النواب يوم 18 يونيو 2025، خرجت توصيات تدعو إلى ضرورة توحيد المرجعية الحكومية المسؤولة عن المقاولات الصغرى، مع استعجال إصدار النصوص التنظيمية ذات الصلة، إضافة إلى تسريع تبسيط ورقمنة المساطر الإدارية لتقليص البيروقراطية التي تخنق المقاولات.
التوصيات لم تكتفِ بذلك، بل طالبت بإنشاء مراكز جهوية للتكوين والمواكبة، وتحفيز البنوك على تخصيص نسب محددة من التمويل للمقاولات الصغرى بشروط ميسرة، وكذلك تخصيص 30% من الصفقات العمومية لهذه الفئة، كما شددت على مراجعة اتفاقيات التبادل الحر لدعم المنتج الوطني وتمكين المقاولات من تعزيز موقعها في السوق الدولية.
تأسيس شبكة وطنية للدفاع عن المقاولات الصغرى
أعلنت الهيئة رسمياً عن تأسيس «الشبكة المغربية للمنظمات والهيئات المهنية للمقاولات الصغرى» في محاولة لتوحيد صوت المقاولات الصغيرة، و تكوين إطار وطني للتنسيق والترافع داخل المؤسسات الرسمية، خطوة تأتي متأخرة لكنها ضرورية لتعزيز التمثيلية والمساهمة في صياغة السياسات العمومية المستقبلية.
في الختام.. هل ستبقى المقاولات الصغيرة الحلقة الأضعف؟
في النهاية، واقع المقاولات الصغرى بالمغرب هو مرآة حقيقية للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، أزمة التمويل، ضريبة تعجيزية، نظام جبائي معقد، سوق غير نزيه، وتأخر الأداء… كلها عوامل تضع هذا القطاع في مهب الريح.
هل ستظل الدولة مكتوفة الأيدي أمام هذا الواقع؟ وهل ستسمح بفقدان هذا الركن الاقتصادي الحيوي، أم ستتخذ إجراءات جذرية قبل فوات الأوان؟