
“ممنوع من السفر”.. تحية فلسطينية لروح الشيخ إمام
الأيام الفلسطنية،يوسف الشايب / بالتزامن مع الذكرى الثلاثين لرحيل الفنان المصري الشيخ إمام، احتضنت “عليّة” مركز خليل السكاكيني الثقافي بمدينة رام الله، مؤخراً، أمسية بعنوان “ممنوع من السفر” كتحية فلسطينية إلى روحه حملت شعار “ما حدش يقدر يسجن صوت الشيخ إمام”.
وأحيت الأمسية فرقة عشاق الشيخ إمام، مفتتحة إياها بأغنية “الجدع جدع والجبان جبان”، مؤكدين “بالنار والسلاح نعلن الكفاح”، أتبعوها بأغنية “حي على الكفاح”، وكلماتها كما جلّ أغنيات الأمسية من كلمات رفيق دربه الشاعر أحمد فؤاد نجم.
كان الجمهور بعدها على موعد مع عديد من الأغنيات ذائعة الصيت الغزلية منها أو اللاذعة أو الوطنية للشيخ إمام، من قبيل: “بوتيكات”، و”البحر بيضحك ليه”، و”أنا أتوب عن حبك أنا”، و”توت حاوي توت”، و”مصر يمّا يا بهية”، و”جيفارا مات”، وشرّفت يا نيكسون بابا”، وغيرها.
أما أغنية “واه يا عبد الودود”، وهي بالدارجة الصعيدية، فظهرت لأول مرة ما بعد هزيمة حرب يونيو 1967، أو “النكسة”، شديدة الحرج للوطن والمواطن على السواء، وتمثلت في رسالة موجهة من أب صعيدي لابنه على الجبهة قال له من بين ما قاله: “عقولَّك وانت خابر كل القضية عاد، ولسا دمّ خيَّك مشرباش التراب، حِسّك عينك تزحزح يدّك عن الزناد، خليك يا عبدو راصد لساعة الحساب، آن الأوان يا ولدي ما عاد الا المعاد، تنفضّ الشركة واصل وينزاحوا الكلاب، إن كنت وادّ أبوك تجيبلي ثار أخوك، والأهل يبلّغوك جميعاً السلام”.
وفي الإطار نفسه، كان الجمهور الذي غصّت به “العليّة” من أجيال وجغرافيات متعددة، على موعد مع أغنية “بقرة حاحا” التي لها جذور في الفولكلور المصري، لكن الشاعر أحمد فؤاد نجم والمغني الشيخ إمام قدما نسخة مختلفة تماماً منها، بحيث حمّلاها دلالات سياسية عميقة، خاصة في فترة ما بعد هزيمة “النكسة”، في رمزية مجازية لمصر التي تُستنزف خيراتها وتُهمل حقوق أبنائها، فكانت الأغنية بمثابة رثاء للحال الذي وصلت إليه البلاد بعد الهزيمة.
“اتجمعوا العشاق في سجن القلعة”
وأغنية “اتجمعوا العشاق في سجن القلعة”، على عكس الدارج، من كلمات زين العابدين فؤاد، وكتبها في العام 1972، وكان حينذاك في سجن “القلعة”، هو والشاعر أحمد فؤاد نجم، فيما كان الشيخ إمام خارج السجن، وكانت من أولى القصائد التي كتبها صاحبها، بهدف أن تُغنّى، لكنه لم يستطع تهريبها من سجن القلعة، فانتظر حتى دخل سجن الاستئناف في “باب الخلق”، وتم تهريبها وسربت إلى الشيخ إمام ليغنيها، وقام الشاعر محمود الشاذلى بتحفيظها للشيخ إمام، وبعدها بفترة قصيرة كتب الشاعر أحمد فؤاد نجم قصيدة “شيد قصورك”، فبات الشيخ إمام يقدم الأغنيتين في وصلة واحدة لأن مقام الأغنيتين واحد، وهو ما فعلته فرقة عشاق الشيخ إمام في رام الله.
“ممنوع من السفر”، التي اختارتها الفرقة عنواناً للأمسية
وما قبل النهاية بمحطتين، كانت أغنية “ممنوع من السفر”، التي اختارتها الفرقة عنواناً للأمسية، التي لم تكن مجرد أغنية، بل كانت صرخة احتجاج وتعبيراً عن الواقع المرير الذي عاشه كاتبها ومغنيها، والعديد من المثقفين والفنانين في مصر خلال فترات القمع السياسي، حتى بات هناك من يعتبرها من بين أيقونات الأغنية السياسية المصرية.
وتفاعل الجمهور بشكل أكبر مع رائعة الشيخ إمام “يا فلسطينية”، التي أُلفت ولُحّنت أغنية في العام 1968، حيث كانت لا تزال تسود حالة من الإحباط واليأس بعد فقدان ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وأراضٍ عربية في كل من مصر، وسورية، ولبنان، واللافت أن الأغنية كُتبت ولُحّنت داخل سجن الاستئناف، حيث كان أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام معتقلين بسبب مواقفهما السياسية، خرجت هذه الأغنية للتغني في المقاومة الفلسطينية.
تضم مغنين وموسيقيّين من البلدة ذاتها ومن بلدات مجاورة في شمال غربي رام الله
أمسية “ممنوع من السفر” لفرقة “عشاق الشيخ إمام“، التي تأسست في قرية كفر الديك قضاء سلفيت، وباتت تضم الآن مغنين وموسيقيّين من البلدة ذاتها ومن بلدات مجاورة في شمال غربي رام الله، اختتمت بأغنية “فاليري جيسكار ديستان”، وتحمل اسم رئيس الجمهورية الفرنسية ما بين الأعوام 1974 و1981، واشتهر بإصلاحاته الاجتماعية، وانتهاج سياسات أكثر انفتاحاً، شملت: تقنين الإجهاض، وتسهيل إجراءات الطلاق، وتوفير وسائل منع الحمل، وخفض سن الاقتراع من 21 إلى 18 عاماً، وغيرها، إلا أن الأغنية وإن حملت اسمه فإنها توجه نقداّ لاذعاً لسياسة الانفتاح المصرية التي أعلن عنها الرئيس المصري الراحل السادات، وما رافقها، من وجهة نظر الشيخ إمام ورفيقه الدائم، من فساد، وقمع، وظلم اجتماعي، وهزائم عسكرية، وغيرها.