الرئسيةدابا tvذاكرةشواهد على التاريخمجتمع

هدم عمارة المانوزي بالدار البيضاء: حين تتحول الجرافات لأدوات لمحو الذاكرة+أوديو+فيديو

بقلم: بثينة المكودي

في مشهد صادم هزّ الرأي العام المغربي، جرى خلال الأيام الأخيرة شروع في هدم عمارة تحمل في كل زاوية منها ذاكرة وطن  بشهدائه ومقاوميه،  منزل بالمدينة القديمة للدار البيضاء يعرف باسم “عمارة الحاج علي المانوزي”والد الحسين المانوزي المجهول المصير، وذلك وسط احتجاجات متصاعدة من ورثة العائلة وسكان الحي وفعاليات مدنية وحقوقية، اعتبرت العملية انتهاك صارخ للقانون، واعتداء ممنهج على الذاكرة الجماعية للمغاربة.

عملية الهدم التي تم تنفيذها تحت غطاء أمني مكثف، بالرغم  من وجود مساطر قضائية ما زالت جارية، لم تكن مجرد إزالة لبناية سكنية، بل شكلت بحسب العائلة والمتابعين “اعتداء رمزيا”على ما تمثله العمارة من حمولة تاريخية وذاكرة نضالية، بالنظر إلى ارتباطها بعائلة المناضل علي المانوزي، أحد أبرز رموز المقاومة المغربية والحسين المانوزي الشهيد المجهول المصير.

نجيب المانوزي:الذاكرة يمكن محوها متى تعارضت مع مصالح معيّنة أو إرادات متغوّلة

في هذا السياق عبر نجيب المانوزي، أحد ورثة العائلة،المقيم بالخارج عن غضبه ورفضه لما وصفه بـ”الهجوم على الحق والكرامة والعدالة”.

وقال في تدوينة له تداولها نشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي:

“كفى من الصمت المتواطئ كفى من الإهانات التي تُلحق بهذا الشعب الكريم، ما جرى ليس فقط إسقاط جدران تحت أنياب الجرافات، بل هو إعلان صريح بأن القانون يمكن تجاهله، والعدالة يُمكن الدوس عليها، والذاكرة يمكن محوها متى تعارضت مع مصالح معيّنة أو إرادات متغوّلة.”

وأشار نجيب المانوزي إلى أن العائلة لم تتوصل بأي حكم قضائي نهائي يقضي بالإفراغ أو الهدم، وأن ما وقع هو “محاولة ترهيب واستعراض للسلطة، في غياب تام لأي احترام للمساطر القانونية الجاري بها العمل”.

هذا وأكد أن العمارة لا تُشكّل أي خطر على الساكنة، وتم إخضاعها لخبرة تقنية مستقلة أثبتت صلاحيتها للسكن.

ومن جهتها، اعتبرت جمعيات وهيئات حقوقية أن ما حدث يعد “عملاً عنيفا”تم في وضح النهار، وفي تحدّ سافر لأحكام القضاء ومبادئ العدالة، وفي ظل صمت رسمي وصفته تلك الهيئات بـ”المتواطئ”.

عبدالكريم المانوزي: قرار الهدم جاء شفويا و دون وثيقة

وأكد  عبد الكريم المانوزي  أحد أفراد العائلة في تصريح له لجريدة “دابابريس”(انظر الرابط اسفله) إن قرار الهدم جاء شفويا و دون وثيقة، وبالرغم من توجيه مراسلات قانونية إلى الجهات المعنية تنبّه إلى بطلان تنفيذ أي إجراء قبل صدور الحكم النهائي.

وفي هذا الصدد عبّرت فعاليات مدنية عن استنكارها لما وصفته بـ”الانحدار المؤسسي الخطير”، محذرة من تبعات التساهل مع انتهاك مبدأ فصل السلط وتجاوز المساطر القانونية.

وأضافت أن ما جرى لا يتعلق فقط بجدران مهدومة، بل بإشارة خطيرة مفادها أن القانون يمكن القفز عليه عندما يتعلق الأمر بمصالح جهات نافذة.

وطالبت الأصوات المحتجة بفتح تحقيق نزيه، ومحاسبة كل من تورط في هذا الخرق القانوني، مع تقديم اعتذار رسمي وجبر ضرر مادي ومعنوي يليق بحجم الإساءة المرتكبة، خاصة وأن حجج سكان العمارة وورثتها لا يزالون يعيشون صدمة ما جرى، فيما يواصلون معركتهم القانونية من أجل الإنصاف.

“لن ننسى، ولن نصمت.”

جدير بالذكر أن ما وقع في قلب المدينة القديمة بالدار البيضاء ليس حدثًا معزولًا، بل مؤشر على أزمة ثقة آخذت في التعمق بين المواطن ومؤسساته، حين يتحول القانون إلى مجرد رأي يمكن القفز والدوس عليه، وتصبح الذاكرة الوطنية عرضة للطمس والإلغاء باسم “الإصلاح العمراني”.

ولعل الرسالة الأبلغ التي خرجت من هذه الحادثة، هي أن الشعب المغربي، الذي انتزع حقوقه عبر نضالات طويلة ومريرة، لن يقبل العودة إلى الوراء، ولن يسكت على محاولات محو تاريخه أو المس بكرامته، فالهدم لم يطل فقط بناء من الطوب والإسمنت، بل حاول أن يطال إرثًا من المقاومة والحق والعدالة.

لكن كما قال الغاضبون: “لن ننسى، ولن نصمت.”

“هاديك أرسامي… ما تمسوهاش”

ليست مجرد جدران من إسمنت وحجر.، إنها أرسام محفورة في ذاكرة وطن، وشواهد صامتة على زمن المقاومة والنضال.

هاديك أرسامي، خالية من الزيف، “عامرة “بالقصص التي لم تُكتب، بالخطوات التي مشت نحو الاستقلال، بالأسماء التي صعدت للسماء وهي ترفض الخضوع.

“هاديك” العمارة التي شهدت همسات المناضلين، وصدى صوت الراديو الخافت ينقل أخبار المعركة، وخوف الأمهات على الأبناء الذين خرجوا ولم يعودوا.

هاديك أرسامي، فيها دمعة شهيد، وصلاة أم، وحلم شعب آمن بأن الوطن يُبنى بالصبر والعدالة.

فلا تلمسوها. رجاء إنها ليست ملكا لعائلة فقط، بل ملك لذاكرة جماعية، لذاكرة شعب، لذاكرة بلد قاوم ليعيش بكرامة.

أنتم لا تهدمون جدرانًا… أنتم تحاولون طمس شرفٍ سُفك من أجله الدم، وبُني عليه الحُلم، الحلم بوطن يحترم ويقدر مواطنييه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى