الرئسيةسياسة

قبل 2026.. الترحال السياسي معزوفةً تتردد قبل كل “استحقاق” على أوتار المصلحة والانتهازية

تستعيد ظاهرة الترحال السياسي مجدداً حيويتها في المشهد الوطني ،مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والجماعية لسنة 2026، كظاهرة تُعرّي هشاشة البنية الحزبية المغربية وتكشف الوجه الحقيقي لصراع الكراسي والمصالح الضيقة، على حساب البرامج والمبادئ.

فبينما تتسابق الأحزاب نحو “حكومة المونديال” التي يُفترض أن تستلم دفة الحكم بعد 2026، تصير لعبة التموقعات والمناورات الانتقالية عنوانها الرئيس، في سياق يكاد يكون نسخة مكررة من سابقاتها، لكن بألوان أكثر وضوحاً وأبعاداً سياسية أعمق.

الترحال السياسي: مرض مزمن في جسد الحزبية المغربية

الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل تشكل نسخة مغربية من مشكلة عالمية تواجهها الأنظمة الحزبية حول العالم، و يقول عبد النبي صبري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، إن “الترحال السياسي ظاهرة معروفة دولياً، بل إن الهند صادقت على قانون خاص منذ ثمانينيات القرن الماضي لمحاربتها، نظراً لما تخلّفه من آثار سلبية داخل المجتمع والسياسة” .

لكن الخطير في المشهد المغربي هو أن هذه الظاهرة تتكرر بشدة و تتفاقم مع كل استحقاق انتخابي، مدعومة بتركيبة حزبية هشة تتسم بـ”شخصانية” القيادة وغياب البناء التنظيمي المؤسسي، حيث تُختصر العلاقات في لعبة المصالح الفئوية الضيقة، عوض الالتزام بالمبادئ أو برامج سياسية واضحة.

من الولاء للغنيمة إلى غياب الردع

تاريخياً، شهدت سنوات 2002، 2007، و2011، موجات ترحال غير مسبوقة، خاصة مع غياب أي قانون يردع هذا السلوك،وقد ساهم تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008 في تكريس هذا النمط من الترحال، حيث شهد المشهد السياسي انتقالات جماعية غير مسبوقة نحو “الوافد الجديد” حينها، في مشهد لا يحتاج إلى كثير شرح.

لكن دستور 2011 أتى ببعض الإصلاحات،، خاصة الفصل 61 الذي يُجرّد البرلماني من صفته إذا غيّر الحزب الذي ترشح باسمه، إلا أن هذا الإجراء بقي حبيس قبة البرلمان، لا يشمل المجالس الترابية، حيث يضرب الترحال أطنابه دون قيد أو رادع.

ويؤكد صبري أن المحكمة الدستورية فعلت هذا الفصل فعلياً، وجردت برلمانيين من مقاعدهم، لكن الإشكال لا زال قائماً على مستوى الجماعات، حيث تغير رؤساء جماعات انتماءاتهم دون مساءلة، ويلتحق بهم مستشارون بالجملة، كما لو أن الانتماء الحزبي عقد زواج عرفي يمكن فسخه عند أول عرض مغرٍ.

من الكتلة إلى الكتلة.. والتاريخ يعيد نفسه

من يتابع الحركية السياسية خلال الشهور الأخيرة، يلحظ أن الترحال انطلق بهدوء محسوب، على شكل استقالات فردية أو تحركات جماعية “لإعادة التموقع”، دون أن يُخفى الهدف: البحث عن “موقع انتخابي أكثر أمانًا”.
حسب د. صبري فإن الأمر لا يتعلق بانقلاب فكري أو اقتناع بمشروع جديد، بل بعملية حسابية دقيقة تحكمها قواعد “من الأقوى؟ ومن يضمن المرور إلى 2026؟”.

ما نشهده ليس فقط انحدارًا في الممارسة السياسية، بل إعادة إنتاج لنفس القواعد القديمة التي حولت الأحزاب إلى محطات عبور انتخابي، لا مؤسسات تؤطر المواطن وتبلور اختياراته.

“حكومة المونديال”.. السباق نحو المجهول

يصف د. صبري المرحلة الحالية بأنها “تسابق نحو حكومة المونديال“، لكنه يُحذر من وهم السيطرة، مؤكدًا أن الوضع السياسي والاجتماعي هش، والمواطن فقد الثقة في المكون السياسي ككل، و في ظل الحديث عن استعداد المغرب لاحتضان كأس العالم 2030، أصبح الرهان السياسي على تشكيل “حكومة المونديال” هدفاً مركزياً للأحزاب، وهنا، يصبح الوصول إلى المرتبة الأولى في الانتخابات غاية تبرر جميع الوسائل، بما فيها استيراد الأعيان من خارج الحزب أو استقطاب الغاضبين من أحزابهم الأصلية.

ومع هذا السباق المحموم، ورغم تبني المغرب لنظام اللائحة، إلا أن الناخبين ما زالوا يصوتون على الأشخاص (مول الشكارة) أو ( ومل الوجه المعروف) ،لا البرامج، لتتلاشى البرامج الانتخابية، ويختفي النقاش العمومي، ليحل محله تسويق الوجوه والتهافت على “صناديق النفوذ”.

ضيق الأفق داخل الأحزاب.. هروب آخر من الداخل

رغم الطابع الانتهازي الذي يطبع أغلب حالات الترحال، إلا أن بعضها يُفسر أيضًا بانسداد الأفق داخل بعض الأحزاب التي أصبحت أشبه بـ”مزارع خاصة”، تُدار من قبل دوائر ضيقة تمنع أي تجديد أو انفتاح.

وهكذا، يجد البعض أنفسهم أمام خيارين: إما مغادرة سفينة تتجه نحو الغرق، أو التمرد بحثًا عن فضاء أرحب، ولو على حساب المبادئ.

موسم الهجرة إلى المصالح

في نهاية المطاف، الترحال السياسي في المغرب ليس فقط مؤشراً على خلل بنيوي في الحقل الحزبي، بل هو مرآة تعكس ما وصل إليه المشهد من تبخيس للسياسة وتحويلها إلى نشاط انتهازي لا يختلف كثيراً عن المضاربة في البورصة: حيث ترتفع أسهم الحزب، يرتحل السياسي.

ومع اقتراب 2026، يبدو أن اللعبة بدأت قبل الأوان، وأننا أمام موسم جديد للهجرة… لكن ليست هجرة إلى الديمقراطية أو الكفاءة، بل هجرة إلى “حيث توجد الغنيمة”، أما المواطن، فمكانه كالمعتاد في المدرجات، يراقب فصول المسرحية ذاتها، بعناوين مختلفة، ونهاية واحدة: خيبة أخرى مؤجلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى