المغرب والمونديال… ما بين الحكومة والسخرية من اتصال
25/02/2025
0
بقلم الصحافي والكاتب حميد اجماهري
عطى احتضان المغرب كأس العالم في 2030 مادّة سياسية وإشهارية للأحزاب السياسية المغربية التي تقود الحكومة، وسنحت لها الفرصة بذلك لتشعل وقودها في السباق الانتخابي السابق لأوانه. وسارعت قيادات الأحزاب التي تقود الحكومة المغربية إلى ارتداء اللباس الرياضي، وتقمّصت شخصية المدرّب الوطني وليد الركراكي، لكي تَعِد المغاربةَ بحكومة المونديال المقبل.
وبدأ الحديث عن الحكومة المقبلة التي ستدبّر البلاد منذ الآن، باعتبار أن التشريعيات التي ستحدّد رئيسها والأغلبية المكونة لها هي الانتخابات القادمة في العام. 2026 ويبدو أن الحكومة غير منشغلة بتقديم الحصيلة التي يحاكم على أساسها أداء الأجهزة التنفيذية، كما هو مُسطّر في الأعراف الديمقراطية والانتخابية عالمياً.
فلا أحد من أحزاب الحكومة يبدو منشغلاً بهذا الموضوع، كما لو أنهم “مقتنعون” بأن الأمر يتحدّد بعيداً من ثقافة النتيجة التي يشدّد عليها العاهل المغربي في خطاباته كثيراً، وأن مُعامِلات أخرى تحدّد الفائز من المنهزم.
الأحزاب الثلاثة، التجمّع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة … والاستقلال، التي تتحكّم في الفضاء السياسي من أعلى قمّته الدستورية التنفيذية، الممثّلة في الحكومة، إلى أصغر جماعة ترابية في المملكة، مروراً بمجلس الجهات والأقاليم، تعلن صراحةً أنها تنوي أيضاً أن تستأثر لنفسها بالزمن السياسي، وتحجز لها الحكومة في أفق مونديال 2023.
هل من حقّ الأحزاب الحالية أن تدّعي شرعيتها في قيادة مغرب مونديال 2030، هي التي لم تساهم في العمل من أجل الفوز بتنظيمه إلى جانب إسبانيا والبرتغال؟
فالتجمع الوطني للأحرار، الذي يرأس أمينه العام الحكومة الحالية، يعتبر (في غير ما خرجة من خرجات قياداته المأذونة) أن رئاسته الحكومة التي ستتأسّس على قاعدة نتائج تشريعيات 6202 هي تحصيل حاصل، وامتداد سياسي “طبيعي” للنجاح الحالي. لهذا يتأهب قادته لهذه المهمة السياسية الرياضية في ضوء النجاح في تنظيمها.
ولعلّ ما يحدوه في ذلك نوع من التشبّه بحكومة الإسلاميين التي دامت عشر سنوات بلا انقطاع من 2011 إلى 1202. شريكه الأول في الحكومة، أي الأصالة والمعاصرة، تعهّد بالفوز بإقصائيات حكومة المونديال، في استدراك “تاريخي”، لم ينتصر فيه، عندما كان قد وعد ناخبيه بإسقاط حكومة الإسلاميين في انتخابات 2016، أي قبل ولايتها الثانية بقيادة سعد الدين العثماني.
في حين يعتبر حزب الاستقلال، ثالث أحزاب الحكومة وأقدم الأحزاب المغربية قاطبة، أنه يستعدّ لقيادة حكومة المونديال. وقد صار يتمرّس على أسلوب الوصول إلى القاعدة الناخبة من خلال أسلوب انتقاد الحكومة التي يشارك فيها.
وعلاوة على خطاب نقدي للغاية، بدأ أمينه العام، الخارج منتصراً من استحقاقات داخلية شديدة الحساسية، يمارسه في كلّ نهاية أسبوع، لاحظ العديد من المتابعين نوعاً من البرود في إعلان الانتماء الكليِّ إلى الجهاز التنفيذي الحالي، في نوع من التمايز عن قيادة الحكومة في شخص رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار.
ويرى جزء من المتابعين أنه إذا كانت التصريحات هاته تشبه “طلب عروض ديمقراطية”، فلأن جزءاً من الطبقة السياسية في الحكومة يعتبر أن الانتخابات صارت سوقاً مفتوحة. ولا تخلو هذه التبشيرية السياسية من مفارقة ساخرة أساسها الواقع نفسه، فالذين يعقِّبون بالسخرية يطالبون الحكومة بـ”النجاح في البطولة المحلية سياسياً واجتماعياً قبل خوض غمار التأهيل المونديالي”، وهي إشارة إلى الوضع الاجتماعي الصعب في البلاد وارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وإخفاق جزئي في تنزيل مشروع الدولة الاجتماعية والحضور القوي للنزعة الباطرونالية (نسبة إلى أرباب العمل: الباطرونا)… إلخ.
كما أن الأكثر تدقيقاً يرون أن الحكومة التي تغوَّلت في المكان، بحيث استولت على “التراب السياسي” كلّه في البلاد، تريد أن تحتلّ المستقبل، في محاولة للتَّغوُّل على الزمن المقبل وتخزينه من الآن.
تحدّث محمد السادس بغضب عن الازدواجية الانتهازية للطبقة السياسية التي تنسب لها النجاحات، وتختبئ وراء الملك في كل إخفاق
ومن جهة ثانية، لم يفت بعض المعلّقين أن يردَّوا هذا التشابه في شعار التعبئة السياسية إلى أن “الأحزاب المُشكِّلة الحكومةَ، التي يغلب عليها التسويق السياسي والهاجس التواصلي، أخذت نصائحها من المستشار التواصلي نفسه الذي قدّم لها الوصفة نفسها”.
في حين رأى بعض آخر أن الحكومة دخلت في سباق انتخابي في غير زمانه. وهي المرة الأولى التي يكون للانتخابات السابقة لأوانها معنى غير المعنيى المتعارف عليه. فهي سابقة لأوانها، لأن الأمر يتعلّق بموعد ما زال يفصله عن الناس في العالم وفي المغرب خمس سنوات ويزيد، وهو ما دفع بالآخرين للحديث عن “انتخابات سارقة لأوانها”، وليست سابقة لأوانها فقط. يقول بعض المازحين أن هذه الهجمات والارتدادات تجرى عملياً في “الوقت بدل الضائع، الذي يُلعب للمرّة الأولى قبل المباراة وليس في نهايتها”.
والحكومات، لا تساهم بالشكل الذي يراد لها في الواقع في الإنجازات الكروية، خصوصاً، والرياضية عموماً، والمونديال نفسه، الذي دخل المغرب في السباق للحصول عليه منذ أيام الراحل الحسن الثاني شاهد على ذلك، وتكفي نقرة واحدة، من دون مساعدة من الذكاء الاصطناعي، للمعرفة التاريخية بهذا الملف، إذ إن ملف ترشيح 0302 هو الملف السادس للمغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم بعد محاولات غير ناجحة في 4991، و8991 في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ثمّ في 2006 و2010 و2026 في العهد الحالي مع الملك محمد السادس، وكلّ الترشيحات السابقة خسرها المغرب لصالح الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة/كندا/المكسيك.
ولهذا يطرح المتتبعون سؤالاً يمزج السخرية بالجدّية مفاده: “هل من حقّ الأحزاب الحالية أن تدّعي شرعيتها في قيادة مغرب مونديال 0302، هي التي لم تساهم في العمل من أجل الفوز بتنظيمه إلى جانب إسبانيا والبرتغال؟…
ويجيب بعضهم بغير قليل من التقريع أنه سبق للملك أن تحدّث بغضب واضح عن هذه الازدواجية الانتهازية للطبقة السياسية التي تنسب لها النجاحات، وتختبئ وراء الملك في كل إخفاق، عندما أعطى في الذكرى الـ18 لجلوسه على العرش لسنة 7102، وصفاً دقيقاً لما نعيشه حالياً: “عندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون إلى الواجهة للاستفادة سياسياً وإعلامياً من المكاسب المحققة. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، فيجرى الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كلّ الأمور إليه”.