الرئسيةرأي/ كرونيك

المغرب والمونديال…‮ ‬ما بين الحكومة والسخرية من اتصال‬‬‬‬

حميد اجماهري
بقلم الصحافي والكاتب حميد اجماهري

عطى احتضان ‬المغرب كأس العالم في 2030‮‬ مادّة سياسية وإشهارية للأحزاب السياسية المغربية التي‮ ‬تقود الحكومة،‮ ‬وسنحت لها‮ ‬الفرصة بذلك لتشعل وقودها في‮ ‬السباق الانتخابي‮ ‬السابق لأوانه‮. ‬‬‬وسارعت قيادات الأحزاب التي‮ ‬تقود الحكومة المغربية‮ ‬إلى ارتداء اللباس الرياضي،‮ ‬وتقمّصت شخصية المدرّب الوطني‮ ‬وليد الركراكي،‮ ‬لكي‮ ‬تَعِد المغاربةَ‮ ‬بحكومة المونديال المقبل.‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وبدأ الحديث عن الحكومة المقبلة التي‮ ‬ستدبّر البلاد منذ الآن،‮ ‬باعتبار أن‮ ‬التشريعيات التي‮ ‬ستحدّد رئيسها والأغلبية المكونة لها ‬هي‮ ‬الانتخابات القادمة في العام‮. ‬2026‮ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬ويبدو أن الحكومة‮ ‬غير منشغلة بتقديم الحصيلة ‬التي‮ ‬يحاكم على‮ ‬أساسها أداء‮ ‬الأجهزة التنفيذية،‮ ‬كما هو مُسطّر في‮ ‬الأعراف الديمقراطية والانتخابية عالمياً.

‬‬‬‬‬‬‬‬‬فلا أحد‮ ‬من أحزاب الحكومة‮ ‬يبدو‮ ‬منشغلاً بهذا الموضوع،‮ ‬كما لو أنهم‮ “‬مقتنعون” ‬بأن الأمر‮ ‬يتحدّد بعيداً من ثقافة النتيجة التي‮ ‬يشدّد عليها العاهل المغربي‮ ‬في‮ ‬خطاباته كثيراً،‮ ‬وأن مُعامِلات أخرى تحدّد الفائز من المنهزم.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‬الأحزاب الثلاثة،‮ ‬التجمّع الوطني‮ ‬للأحرار ‬والأصالة والمعاصرة … والاستقلال، التي‮ ‬تتحكّم في‮ ‬الفضاء السياسي من أعلى قمّته الدستورية التنفيذية،‮ ‬الممثّلة في‮ ‬الحكومة،‮ ‬إلى أصغر جماعة ترابية في‮ ‬المملكة، مروراً بمجلس الجهات والأقاليم،‮ ‬تعلن صراحةً أنها تنوي‮ ‬أيضاً أن تستأثر لنفسها‮ ‬بالزمن السياسي،‮ ‬وتحجز لها الحكومة في‮ ‬أفق مونديال ‮‬2023‮‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬.

هل من حقّ الأحزاب الحالية أن تدّعي‮ ‬شرعيتها في‮ ‬قيادة مغرب‮ ‬مونديال 2030، هي‮ ‬التي‮ ‬لم تساهم في‮ ‬العمل من أجل الفوز بتنظيمه إلى جانب إسبانيا والبرتغال؟

‬فالتجمع الوطني‮ ‬للأحرار،‮ ‬الذي‮ ‬يرأس أمينه العام الحكومة الحالية‮، ‬يعتبر (‬في‮ ‬غير ما خرجة من خرجات قياداته المأذونة) أن رئاسته الحكومة‮ ‬التي‮ ‬ستتأسّس على قاعدة نتائج تشريعيات‮ 6202 ‬هي تحصيل حاصل، وامتداد سياسي‮ “‬طبيعي” ‬للنجاح الحالي‮. ‬لهذا‮ ‬يتأهب قادته‮ ‬لهذه المهمة السياسية الرياضية في ضوء النجاح في‮ ‬تنظيمها‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ولعلّ ما‮ ‬يحدوه في‮ ‬ذلك نوع من التشبّه بحكومة الإسلاميين التي‮ ‬دامت عشر سنوات‮ ‬بلا انقطاع‮ ‬من‮ ‬2011‮ ‬إلى‮ 1202.‬‬‬ ‮‬شريكه الأول في‮ ‬الحكومة،‮ ‬أي‮ ‬الأصالة والمعاصرة،‮ ‬تعهّد بالفوز بإقصائيات حكومة المونديال، في‮ ‬استدراك‮ “‬تاريخي”، ‬لم‮ ‬ينتصر فيه،‮ ‬عندما كان قد وعد ناخبيه‮ ‬بإسقاط حكومة الإسلاميين في‮ ‬انتخابات ‮‬2016،‮ ‬أي‮ ‬قبل ولايتها الثانية بقيادة سعد الدين العثماني‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‮ ‬

في‮ ‬حين‮ ‬يعتبر حزب الاستقلال،‮ ‬ثالث أحزاب الحكومة‮ ‬وأقدم الأحزاب المغربية‮ ‬قاطبة،‮ ‬أنه‮ ‬يستعدّ لقيادة حكومة‮ ‬المونديال. ‬وقد صار‮ ‬يتمرّس على أسلوب الوصول إلى القاعدة الناخبة من خلال‮ أسلوب انتقاد الحكومة التي‮ ‬يشارك فيها‮. ‬

وعلاوة على خطاب نقدي‮ ‬للغاية، بدأ أمينه العام،‮ ‬الخارج منتصراً من استحقاقات داخلية شديدة الحساسية،‮ ‬يمارسه في كلّ نهاية أسبوع،‮ ‬لاحظ العديد من المتابعين نوعاً من البرود في‮ ‬إعلان الانتماء الكليِّ‮ ‬إلى الجهاز التنفيذي‮ ‬الحالي،‮ ‬في‮ ‬نوع من التمايز عن قيادة الحكومة في‮ ‬شخص رئيس حزب التجمع الوطني ‬للأحرار.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ويرى‮ ‬جزء من المتابعين أنه إذا كانت التصريحات‮ ‬هاته تشبه‮ “‬طلب عروض ديمقراطية‮”، ‬فلأن جزءاً من الطبقة السياسية في‮ ‬الحكومة‮ ‬يعتبر أن الانتخابات صارت سوقاً مفتوحة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‮ ‬ولا تخلو هذه التبشيرية السياسية من مفارقة ساخرة أساسها‮ ‬الواقع نفسه، فالذين‮ ‬يعقِّبون بالسخرية‮ ‬يطالبون الحكومة‮ بـ”النجاح في‮ ‬البطولة المحلية سياسياً واجتماعياً قبل خوض‮ ‬غمار التأهيل المونديالي”، ‬وهي‮ ‬إشارة إلى الوضع الاجتماعي‮ ‬الصعب‮ ‬في البلاد وارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات‮ ‬غير مسبوقة،‮ ‬وإخفاق جزئي‮ ‬في‮ ‬تنزيل مشروع الدولة الاجتماعية والحضور القوي‮ ‬للنزعة الباطرونالية ‮(‬نسبة إلى أرباب العمل‮: الباطرونا‮)… إلخ‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

كما أن الأكثر تدقيقاً‮ ‬يرون أن الحكومة التي‮ ‬تغوَّلت في‮ ‬المكان،‮ ‬بحيث استولت على “‬التراب السياسي” كلّه ‬في‮ ‬البلاد،‮ ‬تريد أن تحتلّ المستقبل،‮ ‬في‮ ‬محاولة للتَّغوُّل على ‬الزمن المقبل وتخزينه من الآن.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

تحدّث محمد السادس بغضب عن الازدواجية الانتهازية للطبقة السياسية التي‮ ‬تنسب لها النجاحات، وتختبئ وراء الملك في‮ ‬كل إخفاق

ومن جهة ثانية،‮ ‬لم‮ ‬يفت بعض المعلّقين‮ ‬أن‮ ‬يردَّوا ‬هذا التشابه في‮ ‬شعار التعبئة السياسية‮ إلى أن “‬الأحزاب المُشكِّلة الحكومةَ،‮ التي‮ ‬يغلب عليها التسويق السياسي‮ ‬والهاجس التواصلي،‮ ‬أخذت نصائحها من‮ المستشار التواصلي ‬نفسه ‬الذي‮ ‬قدّم لها الوصفة ‬نفسها”.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

في‮ ‬حين رأى ‬بعض آخر أن الحكومة دخلت في‮ ‬سباق انتخابي‮ ‬في‮ ‬غير زمانه‮. ‬وهي‮ ‬المرة الأولى التي‮ ‬يكون للانتخابات السابقة لأوانها معنى‮ ‬غير المعنيى ‬المتعارف عليه‮. ‬فهي‮ ‬سابقة لأوانها،‮ ‬لأن الأمر‮ ‬يتعلّق بموعد ما زال‮ ‬يفصله عن الناس في‮ ‬العالم وفي‮ ‬المغرب خمس سنوات ويزيد‮، ‬وهو ما دفع بالآخرين للحديث عن‮ “‬انتخابات سارقة لأوانها‮”‬،‮ ‬وليست سابقة لأوانها فقط. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬يقول بعض المازحين ‬أن هذه الهجمات والارتدادات تجرى‮ ‬عملياً في‮ “‬الوقت بدل الضائع‮‬،‮ ‬الذي‮ ‬يُلعب للمرّة الأولى ‬قبل المباراة وليس في‮ ‬نهايتها”. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‬والحكومات، ‬لا تساهم بالشكل الذي‮ ‬يراد لها في‮ ‬الواقع في‮ ‬الإنجازات الكروية، خصوصاً، والرياضية عموماً‮، والمونديال نفسه،‮ ‬الذي‮ ‬دخل المغرب في‮ ‬السباق للحصول عليه منذ أيام الراحل الحسن الثاني‮ ‬شاهد على ذلك،‮ ‬وتكفي‮ ‬نقرة واحدة،‮ ‬من دون مساعدة من الذكاء الاصطناعي،‮ ‬للمعرفة التاريخية بهذا الملف‮، إذ إن ملف ترشيح‮ ‬0302 ‬هو الملف السادس للمغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم بعد محاولات‮ ‬غير ناجحة في 4991،‮ و‬8991‮ ‬في‮ ‬عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ‬ثمّ في ‮ ‬2006 و2010‬ و2026‮‬ في‮ ‬العهد الحالي‮ ‬مع الملك محمد السادس‮، ‬وكلّ الترشيحات السابقة‮ ‬خسرها المغرب لصالح الولايات المتحدة و‬فرنسا و‬ألمانيا و‬جنوب أفريقيا والولايات المتحدة/كندا/المكسيك‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ولهذا‮ ‬يطرح المتتبعون سؤالا‮ً ‬يمزج السخرية بالجدّية مفاده‮: “هل من حقّ الأحزاب الحالية أن تدّعي‮ ‬شرعيتها في‮ ‬قيادة مغرب‮ ‬مونديال‮ ‬0302،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬لم تساهم في‮ ‬العمل من أجل الفوز بتنظيمه إلى جانب إسبانيا والبرتغال؟‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬…

ويجيب بعضهم بغير قليل من التقريع‮ أنه سبق للملك أن تحدّث بغضب واضح عن هذه الازدواجية الانتهازية للطبقة السياسية التي‮ ‬تنسب لها النجاحات، وتختبئ وراء الملك في‮ ‬كل إخفاق‮‬،‮ ‬عندما أعطى في‮ ‬الذكرى‮ ‬الـ18‮ ‬لجلوسه على‮ ‬العرش‮ ‬لسنة 7102‬،‮ ‬وصفاً دقيقاً لما نعيشه‮ ‬حالياً‮: “‬عندما تكون النتائج إيجابية،‮ ‬تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون ‬إلى الواجهة‮ ‬للاستفادة سياسياً وإعلامياً‮ ‬من المكاسب المحققة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ أما عندما لا تسير الأمور كما‮ ‬ينبغي،‮ ف‬يجرى الاختباء وراء القصر الملكي،‮ ‬وإرجاع كلّ الأمور إليه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى