
يجد المواطن المغربي نفسه في كل زيارة للصيدلية أمام سؤال بسيط لكنه موجع: “هل أشتري الدواء أم أنتظر مصيري؟”.. خلف هذا السؤال تختبئ سياسة دوائية غامضة، محكومة بمرسوم وزاري لا أحد يعرف من صاغه فعلياً، ولا من يستفيد من تبعاته، في حين تظل أصابع الاتهام تتقاذف بين الصيادلة والمصنعين والمستوردين ووزارة الصحة, في بلد يُفترض أنه يسير بخطى حثيثة نحو تعميم التغطية الصحية،
محمد لحبابي، رئيس كونفدرالية نقابة صيادلة المغرب، اختار هذه المرة ألا يصمت، موجهاً مدفعيته الثقيلة صوب ما وصفه بـ”المغالطات المتعمدة”، خاصة تلك التي تروج بأن الصيادلة يجنون أرباحاً تصل إلى 300%.
الهامش الربحي الحقيقي للصيادلة لا يتجاوز 8%
لحبابي، في تصريحه لوسائل الإعلام، كشف أن الهامش الربحي الحقيقي للصيادلة لا يتجاوز 8%، وفق معطيات رسمية صادرة عن المديرية العامة للضرائب، مضيفاً أن الدولة، عبر مرسوم مشترك بين عدة وزارات، هي من تحدد سقف الربح، بل وتفرض على الصيادلة ربحاً جزافياً في حالات معينة، كما هو الشأن مع الأدوية التي يتجاوز سعرها 3000 درهم، حيث لا يتعدى هامش الربح 400 درهم.
في المقابل، يرفض لحبابي تحميل الصيادلة مسؤولية ارتفاع أسعار الأدوية، مطالباً بتوجيه السؤال إلى “من بيدهم القرار الحقيقي”: المصنعون، المستوردون، ووزارة الصحة.
فالوزارة، وفق رأيه، لم تتفاعل مع مطالب الصيادلة الرامية إلى ترويج الأدوية الجنيسة وتفعيل حق الصيدلي في استبدال الأدوية بما يراعي القدرة الشرائية للمواطن، وهي مطالب بقيت “حبيسة الرفوف”، رغم الاجتماعات واللجان المشتركة، في مشهد يعكس بوضوح غياب إرادة حقيقية للإصلاح.
أسعار الأدوية بين المغرب ودول أخرى باتت فضيحة
فالفجوة في أسعار الأدوية بين المغرب ودول أخرى لم تعد مجرد حديث في المقاهي أو نداءات على وسائل التواصل الاجتماعي، بل باتت واقعاً موثقاً بالأرقام، حسب لحبابي، الذي تساءل بمرارة: “كيف يُعقل أن يصل فرق السعر إلى 300 أو حتى 400% مقارنة بدول مماثلة؟”، معتبراً ذلك شكلاً من أشكال الظلم الاجتماعي المقنن الذي يثقل كاهل المواطن وصناديق التأمين الاجتماعي على حد سواء.
ولا تتوقف الإشكالية عند هذا الحد، بل تتعداها إلى ما هو أخطر: تهديد الأمن الدوائي الوطني.. ففي ظل ارتفاع الأسعار وتراجع هوامش الربح، تلجأ بعض الشركات إلى سحب الأدوية من السوق أو وقف إنتاجها، مما يؤدي إلى انقطاعها، وبالتالي تفاقم الوضع الصحي للمرضى وارتفاع الكلفة العلاجية، في مفارقة ساخرة لسياسة تُسوّق على أنها “ترشيد للنفقات”.
157 دواء فقط تستنزف 57% من نفقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
فيما قدم لحبابي أرقام تؤكد عمق الأزمة: 157 دواء فقط تستنزف 57% من نفقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في مجال الأدوية، ومع ذلك، ركّزت دراسة وزارة الصحة على أدوية لا تمثل سوى 5.5% من هذه النفقات، متجاهلةً بذلك أصل النزيف المالي، ومفضلة المسكنات على الجراحة الحقيقية.
ورغم كل هذا، لم تُبدِ الحكومة الجرأة السياسية الكافية لتخفيض أسعار الأدوية المرتفعة، مُفضّلة مواصلة سياسة “الترقيع”، بدل مواجهة لوبيات الصناعة الدوائية، التي يبدو أنها أكبر من أن تُسأل، وأقوى من أن تُحاسب.
هكذا، يُترك الصيدلي في مرمى النيران، بين مطرقة المواطن الغاضب وسندان القرارات الوزارية غير المفهومة، فيما تزداد فاتورة العلاج وتزداد معها أوجاع الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فأي تغطية صحية شاملة تلك التي لا تضع الدواء في متناول الجميع؟ وأي سياسة دوائية تلك التي ترفع أسعار الحياة وتخفض هامش الأمل؟