اقتصادالرئسية

المغرب في صدارة أسواق “رينو”: إنجاز رقمي أم مكياج تجاري؟

تحرير: جيهان مشكور

في الوقت الذي تتهاوى فيه القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المغاربة، وتُسجَّل فيه نسب مقلقة لارتفاع أسعار المحروقات وقطع الغيار، تخرج مجموعة “رينو” لتعلن أن السوق المغربية أضحت ثامن أكبر سوق عالمي لمنتجاتها خلال النصف الأول من عام 2025، مسجلة مبيعات بلغت 43,836 مركبة، أي ما يعادل 39.1% من الحصة السوقية بالمغرب.

هذا الإنجاز، وإن بدا لوهلة مدعاة للفخر، يفتح الباب واسعًا للتساؤل: لمن تُصنع هذه الأرقام؟ ومن المستفيد الحقيقي من هذه الدينامية التجارية؟

سيارة لكل فقير.. على الورق

رغم التراجع الطفيف مقارنة بسنة 2024، إلا أن “رينو” تحتفل بسيطرتها على حوالي أربعة من كل عشرة سيارات تُباع في المغرب.. لكن هذه السيطرة السوقية لا تعني بالضرورة انفتاحًا ديمقراطيًا على وسائل النقل، بقدر ما تعكس اختلالًا بنيويًا في توجهات الاستهلاك، حيث يشتري “القلّة” أكثر من مرة، بينما تعجز “الغالبيّة” عن اقتناء الدراجة النارية.

المغرب.. سوق أم مختبر؟

بالنسبة لـ”رينو”، لم يعد المغرب مجرد سوق لتصريف السيارات المستوردة أو المصنعة محليًا، بل تحوّل إلى منصة استراتيجية بامتياز. ليس فقط من حيث التسويق، بل في شقه الصناعي أيضًا، خصوصًا مع احتضان البلاد لعدد من مصانع التجميع والتصنيع، أبرزها مصنع طنجة الذي يصدّر أكثر مما يُباع داخليًا، وهنا يطرح سؤال: هل نحن أمام مشروع تصنيع وطني يعزز السيادة الصناعية؟ أم مجرد تجميع تحت راية فرنسية تستفيد من الامتيازات الجمركية، وأجور العمال “التنافسية”؟

نمو عالمي… والمغرب في المقدمة

من الناحية الرقمية، سجّلت المجموعة الأم نموًا عالميًا بنسبة 1.3% مقارنة بالنصف الأول من سنة 2024، ببلوغ مبيعاتها 1.17 مليون مركبة، لكن المفارقة اللافتة هي أن الأسواق خارج أوروبا – مثل المغرب والبرازيل وكوريا الجنوبية – كانت المحرك الرئيسي لهذا النمو، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 16.3%.

أما المغرب تحديدًا، فقد شهد نموًا استثنائيًا بلغ 48% في مبيعات “رينو”، وهو ما يعزى حسب المجموعة إلى إطلاق الطراز الجديد Kardian، الذي يبدو أنه أغرى شريحة واسعة من المغاربة الباحثين عن “التجديد”، ولو على حساب “الجيوب”.

أرباح شركات السيارات في بلد يشكو من أزمة النقل العمومي

ما يثير السخرية المريرة في هذا السياق، هو أن هذه الأرقام الوردية تأتي في بلد ما زال يعاني من اختناق مزمن في البنية التحتية للنقل العمومي، وتفاوتات صارخة في الخدمات الموجهة للمواطنين في القرى والهوامش، حيث تتحول السيارة أحيانًا إلى حلم بعيد المنال، لا إلى وسيلة نقل عادية.

ففي بلد يفتقد فيه التلميذ في جبال الأطلس إلى وسيلة نقل للمدرسة، ويضطر فيه المواطن إلى التكدّس في حافلات مهترئة داخل المدن، كيف نفهم أن نفس البلد يتصدر قائمة أسواق سيارات “رينو”؟

في النهاية.. رينو تحتفل، والمواطن ينتظر

بينما تحتفل “رينو” بتموقع المغرب ضمن لائحة “العشرة الأهم”، يبقى المواطن المغربي خارج هذا الاحتفال.. إلا إذا اعتبرناه مجرد رقم في قائمة زبائن شركة فرنسية تبحث عن أرباح أعلى في دول بضرائب أقل.

فهل تتحول هذه الدينامية إلى مكسب حقيقي للبلاد، يعزز الصناعة ويوفر مناصب شغل لائقة؟ أم ستظل مجرد ورقة أخرى في لعبة الأرقام التي تُجمّل الواقع دون أن تغيّره؟

الجواب ربما لا يوجد في مصانع “رينو”، بل في الطرقات الوعرة، وفي طوابير الانتظار بمحطات النقل العمومي… حيث لا مكان للكاردين ولا للرومستر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى