“الرقمنة تصل للأرصفة”..الدار البيضاء تدشن أول تجربة لتسول إلكتروني!!
24/07/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
في مشهد يبدو وكأنه مستلهم من رواية ديستوبية ساخرة، أعلنت مصادر متطابقة وغير متطابقة وهذا جزء من السخرية ، عن انطلاق أول تجربة من نوعها في المغرب: رقمنة التسول.
نعم، لم تعد الحاجة إلى مد اليد تتطلب عملة معدنية أو ورقة نقدية، بل فقط بطاقة بنكية وجهاز TPE صغير محمول لدى “المحترف”.
الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية، التي لا زالت تغرق في مشاكل السكن والنقل والنظافة، قررت أن تبدأ الإصلاح من الأرصفة، من حيث يتمدد اقتصاد الظل ويستقر المتسولون… لتزويدهم بأجهزة الدفع الإلكتروني!
تسول بلمسة رقمية
أفادت مصادر مطلعة أن العملية ستستهدف أكثر من 50 ألف متسول في مرحلتها الأولى، و تأتي في إطار ما أُطلق عليه “مشروع تحديث ورقمنة قطاع التسول”، وهو ما يبدو للوهلة الأولى وكأنه عنوان ورشة في المنتدى الاقتصادي العالمي، لكن الحقيقة أكثر غرابة من الخيال.
وحسب ذات المصادر، فإن الهدف المعلن هو “تحسين الخدمات للمواطنين”، أي تسهيل عملية منح الصدقات دون عناء البحث عن قطع نقدية، وكأننا أمام خدمة إلكترونية جديدة لتوفير الوقت والجهد في التصدق.
من جهتها دخلت النقابة على الخط: ” التسول قطاع حيوي يساهم في محاربة البطالة”
في تصريح يثير الدهشة أكثر من أي شيء آخر، قال إبراهيم آيت بوزملال، رئيس النقابة الوطنية للتسول (SYNAM): «إنها مبادرة تُنقذ قطاعاً منسياً من السياسات العمومية. نحن نوفر مناصب شغل، ونساهم في محاربة البطالة والجريمة… بل هناك من ليسوا فقراء ويشتغلون في هذا الميدان، وهذا دليل على جاذبيته الاقتصادية!».
وبينما تُغلق المصانع أبوابها، ويتذمر خريجو الجامعات من البطالة، فإن قطاع التسول يزدهر، لا فقط بالأعداد، بل أيضًا بتقنيات الدفع الحديثة، يبدو أن المغرب بصدد خلق أول “نظام اقتصادي مهيكل” للفقر!
متسولون غاضبون: “سئمنا من الأعذار، الآن الدفع إلزامي!”
في زاوية أخرى من العاصمة الاقتصادية، عبّر أحد المتسولين – يُدعى رشيد أبو تيڭلاي، بغضب ساخر عن ارتياحه للتغيير: «أخيرا! تعبنا من أعذار الناس الذين يدّعون أن لديهم فقط أوراقا مالية. والذين يعطوننا نقودًا لا تسمن ولا تغني من جوع… هؤلاء هم القردة الحقيقيون! الآن، سنرد لهم الصاع صاعين، والآلة ستفضح البخلاء!».
تصريح لا يخلو من الطرافة، لكنه يفضح عمق الإحساس بالغبن لدى من يمتهنون التسول في بلد لا زال يفتقد إلى نظام حماية اجتماعية فعّال، ويعاني فيه أكثر من 3.2 مليون شخص من الفقر متعدد الأبعاد حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2024.
بين الحداثة والعبث
هذه التجربة “الطيليحية”، إن صح التعبير، تُطرح أكثر من سؤال حول أولويات التنمية في المغرب.
كيف لدولة تتحدث عن النموذج التنموي الجديد أن تبدأ بتحديث أجهزة المتسولين قبل تحديث المدارس والمراكز الصحية؟ كيف يتم توزيع أجهزة الدفع على الأرصفة، بينما آلاف القرى لا تزال تنتظر شبكات الماء والكهرباء والأنترنت؟
ورغم أن الفكرة قد تبدو جذابة من ناحية الإدماج الرقمي، إلا أن تحويل التسول إلى “قطاع منظم” عبر الرقمنة يشرعن الهشاشة بدل معالجتها، هو اعتراف رسمي بأن الفقر لم يعد استثناء، بل قاعدة يجب تيسير شروطها التقنية!
تعميم قبل التقييم؟
اللافت في الأمر أن الجهات المعنية لم تطرح أي دراسة تقييمية لتداعيات هذا المشروع على النسيج الاجتماعي والكرامة الإنسانية، بل أعلنت نية تعميم التجربة على باقي المدن المغربية قبل نهاية 2026، في غياب أي رؤية استراتيجية واضحة.
ولعل هذا “التحول الرقمي” للتسول يعكس بوضوح التحول في العقليات السياسية: من معالجة جذور الفقر إلى إدارته… بشكل إلكتروني!
يبدو أن البلاد تتجه نحو “التحول الرقمي للفقر” بدل القضاء عليه، و بينما تروج الحكومة لمشاريع كبرى بـ500 مليار سنتيم لبناء ملاعب، يجري تزويد الأرصفة بجهاز TPE، كأن الدولة تقول للفقراء: “ابقوا حيث أنتم… لكن ادفعوا ببطاقة!”