
في المغرب أول ما تصادفه، هو أن الإحصاءات الرّسمية حول عدد محترفي التّسول، تكاد تكون منعدمة، فيما هي ظاهرة تفقع العيون بحضور يكاد يكون في كل مكان وزاوية من زوايا لكن شّوارع المملكة، حيث نجد أنفسنا مع كمها الهائل، في صورة معبّرة قد تغنينا عن الأرقام الباردة.
يوجد بحث وطني كانت أنجزته وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن عام 2007، حيث تصدر فيه الفقر متعدّد الأبعاد قائمة الأسباب، التي ترمي ترمي رميا الأفراد إلى فضاء التسوّل، اي حسب البحث،بنسبة تزيد عن 50 في المئة، خاصة مع ازدياد حجم الفئة الأكثر فقراً، وفق تطوّرات لاحقة، بعد أن انضاف أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلى هذه الفئة، منهم ما يفوق مليون شخص دخلوا دائرة الفقر المدقع، وفق ما أشار إليه تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول التسوّل العام الماضي 2023.
لغت البطالة نسبا مخيفة، والتي تعتبر أحد الأسباب الرئيسة لارتفاع نسب الفقر، حسب الإحصاء العام للسّكان هذا العام، نسبة قياسية هي 20 في المئة من الفئة النشيطة.
إذ، كشف المندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى، أن نسبة البطالة على الصعيد الوطني بلغت 21,3% حسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، متجاوزة بذلك معدل 13.6% الذي أبانت عنه آخر تحديثات المندوبية السامية للتخطيط التي تتم بصفة دورية.
هذا مع العلم انه و بناء على التعريف الذي تعتمده تقنية الاحصاء، فإن المشاركين في عملية الإحصاء ممن لا يشتغلون بأي “عمل قار” قبل أو بعد عملية إحصاء السكان والسكنى سيتم احتسابهم أيضا ضمن فئة النشيطين المشتغلين، وتطول اللائحة لتشمل الأشخاص الذين يساعدون أسرهم في أعمالهم دون الحصول بالضرورة على مقابل مادي لذلك، كالأطفال الذين يعينون آباءهم في مشاريعهم الخاصة (البقالة مثلا)، بما يعني أنه حقيقة أعداد البطالة تفوق النسب التي يقدمها الاحصاء العام للسكنى.
توجد الإعاقة في المرتبة الثانية كسبب للتسول، بنسبة 12 في المئة، يليها الوضعية الصحية (البدنية والعقلية)، ثم الإكراه على التسول بنسب أقل، كما يشكّل الإدمان، لدى الشباب واليافعين دافعاً مهماً، مرفوقاً بمحاولات الهجرة السّرية التي تدفع آلاف اليافعين إلى التسول في المدن الساحلية، في انتظار فرصة للهجرة قد تستغرق سنوات، وقد لا تأتي.
فضلا عن مسؤولية الدولة في الدفع ببعض الفئات إلى التسوّل، إذ هي الدولة التي تخلت عن واجباتها الاجتماعية،فنحن امام محدودية الآليات المؤسساتية للحماية الاجتماعية، وامام رقم بئيس لدور العجزة عدا عدم صلاحية الكثير من هذه الدور وسوء وضعيتها، مع ازدياد نسب الشيخوخة في الهرم السكاني، وفي نسب التسوّل، والضعف البيّن في عدد دور استقبال التي تقدم الإقامة المجانية للفاقدين منازلهم، وللنساء المعنّفات أو الأمهات العازبات.
لنسجل هنا، أن عدد المراكز الاجتماعية الموجّهة لاستقبال الأشخاص في وضعية تسول أو تشرد، لا يتجاوز 15 مركزاً، في كل المملكة المغربية، والتي وفق قوانينها المؤسسة تتمثل مهمتها الأساسية في إيواء الأشخاص في وضعية تشرد أو تسول، خلال حملات تقوم بها الشرطة والسلطات لأحد الأسباب، أي أنها لا تقوم بإعادة إدماجهم وتأهيلهم للعودة إلى المجتمع بشكل مختلف. كما أن المستفيدين في الغالب أشخاص يعانون من اضطرابات عقلية، حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وجود مسلكيات عامة أفقية وعمودية تشجع على التسول والتصدق، في هذا الإطار، كان قال اسماعيل العلوي، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن هذا الوطن الذي أعلن عن استقلاله قبل نحو 70 سنة، مازال يعاني من عدم قدرته على تحقيق ما كان يؤمل ويرغب فيه اقتصاديا، أي تطوير اليات إنتاج وتعزيزها، وذلك بإثمار كل الطاقات التي تزخر بها البلاد، وكل الإمكانات الكامنة في شعبه، ويعزى يضيف اسماعيل العلوي ذلك، إلى تشبث المتعاقبين على غرفة الاقتصاد بحلول “خجولة” وطرق تدبير غير ناجعة، وغير قادرة بالتالي على إبداع خطط تعفينا من الاكتفاء في ميدان محاربة الفقر والحاجة عن طريق التصدق.
وأضاف اسماعيل العلولي في مداخلته في مناظرة دولية بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل محمد بنسعيد ايت ايدر، والمنظمة من طرف مركز بنسعيد للدراسات، أن ذلك يجري بتوظيف أموالا لا يستهان بها وبلا أمل في استرجاعها، مما يثقل كاهل خزينة الدولة بشكل كبير وغير مجدي، بل إنه من الممكن أن يؤدي بالبلاد إلى تطبيق المثل الشعبي الذي يقول ” ولف عادة واترك عادة عليها تعادا”، وفي هذا الاطار ذكر اسماعيل العلوي، أنه وفي تجارب العديد من الشعوب، التي سلكت هذا الأسلوب، ومارست هذا المنهج، عندما أرادت أن تقضي على البؤس والفاقة دخلت في مرحلة الفتنة والاضطراب.
وتابع المتحدث نفسه، أنه ما يمكن تسجيله على هذا النهج العام أنه لا يؤدي سوى إلى الركود واستمرار التخلف واتساع الهوة فيما بين الطبقات الاجتماعية، وأيضا فيما بين فضاءات أقاليم الوطن، في وقت نحن في أمس الحاجة إلى مزيد من رص صفوف أفراد الشعب، أمام تطور العالم وتجادباته المتناقضة، مضيفا أن الأرقام التي تصدر عن الهيئات الرسمية بما فيها الحكومة، تؤكد هي نفسها صعوبة المرحلة التي نمر بها، والتي تؤدي بكل غيور على وطنه وشعبه، من أمثال محمد بنسعيد إلى غضب يتحول مع مر الزمن إلى غصة وحرقة ترافقه حتى الوفاة.
واعتبر اسماعيل العلوي، إنه وعلى عكس من يحلوا لهم نعت ما نمر به بالصحوة الاقتصادية، أننا و عكس هؤلاء نرى أن الأوضاع الاجتماعية التي تمر بها البلاد، مازالت متردية ماديا ومعنويا بالنسبة لأغلبية المواطنات والمواطنيين، بل تزداد تدهورا يوما بعد يوم، فيما أن ما يوصف بالدعم الاجتماعي المشار إليه أعلاه يهم استنادا لتصريحات موثوق بها، أسر تقدر بخمسة مليون، وإذا اعتبرنا يضيف اساعيل العلوي أن كل أسرة تضم 5 أو 6 أفراد نكون أمام 25 مليون مغربي معنيين بهذا “الدعم الاجتماعي”، الذي لا ييسمن ولا يغني من جوع، ويؤثر سلبا على الميزانية العامة، لأنه يذهب هباء منثورا.
إن إفادات اسماعيل العلوي، أن منطق التصدق ليست حلا ولن تحل مشكل الفقر ومعه ازياد أعداد من يحترفون التسول، تؤدي بنا في معرض مناقشتنا للأسباب الرئيسية لاتساع التسول، أن هذه المسلكيات في تدبير الاقتصاد والتي لا تذهب مباشرة لرفع نسبة النمو، والرفع من تطوير موارد الجولة وتقوية اقتصاده عبر الرفع من الإنتاجية، وادخال أكبر ما يمكن لدائرته.
على الرغم من أن القانون المغربي يجرم التسوّل، الا أنه لا يجري العمل به في الغالب، حتى مع الحاجة إليه لحماية الأطفال وذوي الإعاقة من الاستغلال في التسوّل.فالفصل 326 من القانون الجنائي يؤكد على أنه “يُعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر من كانت لديه وسائل التعيُّش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة، ولكنه تَعوَّد ممارسة التسول في أي مكان كان”.
اعتبر “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي” تعليق منه على هذا الفصل من القانون بأنه يطرح إشكالية “لكونه يتحدث عن عناصر يصعب تقييمها بشكل موضوعي”، مثل “التعريف الذي يمكن اعتماده لمعنى العيش وضمان الحاجيات”، و”قدرة أو عدم قدرة شخص على العمل”، و”هل إيجاد العمل يتوقف فقط على إرادة الشّخص أو على قابلية التّشغيل لديه”، و”هل يمكن أن نحمّله (جنائياً) مسؤولية نقص فرص الشّغل”.
قدر المجلس في تعليقه على هذا الفصل، أن تنفيذ هذا القانون “من شأنه أن يؤدي إلى الوصم والتمييز ضد جميع المتسولين كجناة مفترَضين يمكن توقيفهم، في انتظار إجراء بحث قضائي يحدّد ما إن كانت لديهم وسائل للعيش أم لا”.
تمت خلاصة محبطة في الحقية، أي أنه وعلى الرغم من الانطباع العام لدى المجتمع بأن جزء مهم من المتسوّلين يجنون أموالا كثيرة، بل منهم من يملكون بيوتا وسيارات، كما كشفت بعض الحالات المثبتة، وتم تداولها إعلاميا على نطاق واسع، غير أنه لا يمكن تعميم أنها حالة عامة لدى الجميع، لذا يستمر الأشخاص أنفسهم، في منح المتسوّلين دراهمهم، معتمدين على “النية في الصّدقة” بغض النّظر عن مدى استحقاقها، إذ يعتقد كثيراً ما يقدّمونها غايته زيادة عدد حسناتهم الأُخروية، لا لمساعدة الآخرين في وضعيتهم الدنيوية.