
بعد 40 عاما بسجون فرنسا..جورج عبدالله يؤكد من بيروت تمسكه بـ”المقاومة”
أكد الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج إبراهيم عبدالله الذي أدين بالتواطؤ في اغتيال دبلوماسيَين أمريكي وإسرائيلي في ثمانينات القرن الماضي، تمسكه بالمقاومة من أجل فلسطين، في أول تصريح فور وصوله إلى مطار بيروت آتيا من فرنسا.
محاطا بعدد من أفراد عائلته والناشطين في الحملة التي طالبت بإطلاق سراحه، قال عبدالله الذي وضع وشاحا بألوان الكوفية الفلسطينية لصحافيين في قاعة الشرف في المطار “المقاومة (من أجل فلسطين) يجب أن تستمر وتتصاعد، وتكون بمستوى الهياكل العظمية لأطفال” غزة.
وانتقد كيف أن “ملايين العرب يتفرجون” بينما “أطفال فلسطين يموتون جوعا”، مضيفا “هذا معيب للتاريخ وبحق الجماهير العربية أكثر من الأنظمة التي نعرفها”.
واعتبر عبدالله، بينما وقف الى جانبه النائبان عن حزب الله ابراهيم الموسوي وحركة أمل قبلان قبلان، “انتصرت مواجهة العدو والاستمرار في مواجهة العدو الى الأبد حتى دحره”، معتبرا ان “اسرائيل تعيش آخر فصول وجودها”.
هبطت الطائرة التابعة لخطوط شركة “اير فرانس” التي أقلت عبدالله عند الثانية والنصف بعد الظهر (11,30 ت غ) في مطار رفيق الحريري الدولي، بعد اقلاعها صباحا من مطار رواسي.
ولم يصدر أي تعليق من السلطات اللبنانية بعد.
وتجمع العشرات أمام قاعة الوصول في المطار، رفع بعضهم العلم الفلسطيني وآخرون رايات الحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي، قبل أن يبعدهم الجيش اللبناني، انطلاقا من منع المظاهر الحزبية في المطار.
وقالت المدرّسة سهام أنطون (56 عاما) التي كانت في عداد أول الوافدين إلى المطار “تحول جورج عبدالله إلى رمز وملهم لنا جميعا.. رغم كل الظلم والأسر الذي عانى منه”.
على بعد أمتار، استذكر الناشط عبد طباع (75 عاما) سنوات النضال المشتركة مع عبدالله. وقال بفخر “جورج عبدالله أثبت للعالم كله وللفرنسيين أنه لا يركع”.
في وقت سابق اليوم،غادر الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج ابراهيم عبدالله المدان بالتواطؤ في اغتيال دبلوماسيين أمريكي وإسرائيلي في ثمانينات القرن الماضي، الجمعة سجنا في فرنسا قبع فيه حوالي 41 عاما، وفق ما أفاد مصدر مطلع.
عند الساعة 03,40 (الساعة 01,30 ت غ) انطلق موكب من ست مركبات من بينها حافلتان صغيرتان من سجن لانميزان في مقاطعة أوت-بيرينه بجنوب غرب فرنسا.
وأكد مصدر مطلع على الملف أن المدرّس السابق البالغ 74 عاما خرج من السجن.
وسينقل جورج إبراهيم عبدالله مباشرة إلى مطار تارب وفق ما أفاد مصدر في القوى الأمنية، حيث سيستقل طائرة إلى مطار رواسي في باريس ليصعد إلى رحلة متوجهة إلى بيروت صباح الجمعة.
وقال محاميه جان-لوي شالانسيه بعد انطلاق الموكب: “هذا مصدر فرح وصدمة عاطفية وانتصار سياسي في آن بعد كل هذه الفترة”. وشدد: “كان ينبغي أن يخرج منذ فترة طويلة جدا”.
حُكم على عبد الله سنة 1987 بالسجن مدى الحياة
وأصدرت محكمة الاستئناف في باريس الأسبوع الماضي قرارها بالإفراج عن الناشط اللبناني “في 25 تموز/ يوليو” شرط أن يغادر فرنسا وألا يعود إليها.
حُكم على عبد الله سنة 1987 بالسجن مدى الحياة بتهمة الضلوع في اغتيال دبلوماسي أمريكي وآخر إسرائيلي عام 1982. وبات جورج مؤهلا للإفراج المشروط منذ 25 عاما، لكن 12 طلبا لإطلاق سراحه رُفضت كلها.
الإثنين، أعلنت النيابة العامة في باريس التقدّم بطعن في قرار محكمة الاستئناف أمام محكمة التمييز، لكن هذا الطعن الذي يستغرق بتّه أسابيع عدة، لن يعلق تنفيذ الحكم ولن يمنع بالتالي عبدالله من العودة إلى لبنان.
وقال شالانسيه الذي التقاه مرة أخيرة في السجن الخميس: “بدا سعيدا جدا بالإفراج الوشيك عنه مع أنه يدرك أنه يعود إلى منطقة شرق أوسط عصيبة جدا للبنانيين والفلسطينيين”.
“حقيبة صغيرة”
في الأيام الأخيرة، عمد عبدالله إلى إفراغ زنزانته المزينة بعلم أحمر يحمل صورة تشي غيفارا وفيها الكثير من الصحف والكتب التي سلمها إلى لجنة الدعم الخاصة به التي تظاهر نحو 200 من أفرادها بعد ظهر الخميس أمام السجن.
وأعطى غالبية ملابسه إلى سجناء معه وهو يحمل معه “حقيبة صغيرة” على ما أفاد محاميه.
وتأمل عائلته أن يتم استقباله في صالون الشرف في مطار بيروت الدولي. وقد طلبت إذنا من السلطات التي كانت تطالب فرنسا منذ سنوات بالإفراج عنه.
ومن المقّرر أن يتوجّه الناشط لاحقا “إلى مسقط رأسه في القبيات في شمال لبنان حيث سينظّم له استقبال شعبي ورسمي يتخلّله كلمة له أو لأحد أفراد عائلته”، وفق شقيقه.
والتقته وكالة فرانس برس في يوم قرار الإفراج عنه في 17 تموز/ يوليو في زنزانته برفقة النائبة عن اليسار الراديكالي أندريه تورينيا.
خلال اللقاء، قال عبدالله وقد غزا الشيب لحيته الكثة إن “أربعة عقود هي فترة طويلة لكن لا تشعر بها متى كانت هناك دينامية للنضال”.
“رمز من الماضي”
واعتبر قضاة محكمة الاستئناف أن مدة احتجازه “غير متناسبة” مع الجرائم المرتكبة ومع سنّ القائد السابق لـ”الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية”.
وجاء في الحكم أن عبدالله بات “رمزا من الماضي للنضال الفلسطيني”، مشيرا إلى أن المجموعة الصغيرة التي كان يتزعمها عبدالله وتضم مسيحيين لبنانيين علمانيين وماركسيين وناشطين مؤيدين للفلسطينيين، باتت منحلّة “ولم ترتكب أي أعمال عنف منذ 1984”.
أسف القضاة لعدم إبداء عبدالله أي “ندم أو تعاطف مع الضحيتين اللتين يعتبرهما عدوين”، لكنهم اعتبروا أن الناشط الذي يريد تمضية “آخر أيامه” في قريته في شمال لبنان حيث قد ينخرط في السياسة المحلية، لم يعد يشكّل أي خطر على النظام العام.
أصيب جورج عبدالله أثناء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في عام 1978، وانضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الحركة اليسارية التي كان يتزعمها جورج حبش.
اعتُبر عبدالله لفترة طويلة مسؤولا عن موجة اعتداءات شهدتها باريس
بعدها، أسس مع أفراد من عائلته الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وهي تنظيم ماركسي مناهض للإمبريالية تبنى خمسة هجمات في أوروبا بين العامين 1981 و1982 في إطار نشاطه المؤيد للقضية الفلسطينية. وأوقعت أربعة من هذه الهجمات قتلى في فرنسا.
اعتُبر عبدالله لفترة طويلة مسؤولا عن موجة اعتداءات شهدتها باريس بين العامين 1985 و1986 وأوقعت 13 قتيلا ناشرة الخوف في العاصمة الفرنسية.
حُكم عليه في عام 1986 في ليون بالسجن أربع سنوات بتهمة التآمر الإجرامي وحيازة أسلحة ومتفجرات، وحوكم في العام التالي أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس بتهمة التواطؤ في اغتيال الدبلوماسيين الأمريكي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمينتوف عام 1982، ومحاولة اغتيال ثالث عام 1984.
وبعد شهرين من الحكم على عبدالله بالسجن مدى الحياة، تم التعرف على المسؤولين الحقيقيين عن هذه الاعتداءات وهم على ارتباط بإيران.
ولم يُقرّ عبدالله بضلوعه في عمليتي الاغتيال اللتين صنفهما في خانة أعمال “المقاومة” ضد “القمع الإسرائيلي والأمريكي” في سياق الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978.
وباستثناء عدد ضئيل من المؤيدين الذين واصلوا التظاهر كل سنة أمام سجن عبدالله وبضعة برلمانيين يساريين، بات المعتقل منسيا على مر السنين بعدما كان في الثمانينات العدو الأول لفرنسا وأحد أشهر سجنائها.