الرئسيةثقافة وفنون

فيلم “أنوال” جاهر تماما…فهل سيبصر النور أم يُجهض قبل الولادة؟

تحرير: جيهان مشكور

مضت تسعة أشهر على إعلان الانتهاء الرسمي من جميع مراحل إنتاج الفيلم المغربي “أنوال”، دون أن يشقّ طريقه إلى القاعات السينمائية، أو يُعلن عن موعد إطلاقه في أي منصة أو مهرجان.

إستكمل الفيلم تصويره في نونبر من سنة 2022، واستُكملت جميع مراحله الفنية والتقنية، و ما يزال ينتظر مصيرًا غامضًا ما يُثير الكثير من علامات الاستفهام حول آليات التوزيع، وسياسات دعم السينما الوطنية، خصوصًا حين يتعلّق الأمر بأعمال تستحضر رموز المقاومة المغربية وتاريخها المنسي.

فيلم تاريخي ينتظر لحظة الولادة

يحمل الفيلم المغربي “أنوال” توقيع المخرج محمد بوزاݣو، وسيناريو للكاتب محمد النضراني، يتشكل طاقمه الفني من أسماء بارزة في السينما المغربية، على رأسهم ربيع القاطي، إلى جانب الراحل محمد الشوبي ، و إسماعيل أبو القناطر، و راوية، و يونس لهري، و سعيد ظريف.

لا يقتصر هذا العمل على تجسيد مرحلة حاسمة من تاريخ المقاومة المغربية ضد الاستعمار، بل يتجاوز البعد التاريخي ليحمل رسالة وطنية عميقة وشحنة رمزية ووجدانية قوية.

وفي هذا الصدد، عبّر المخرج محمد بوزاݣو عن رؤيته قائلاً: “الفيلم أنوال هو حلم شخصي حملته لأكثر من خمس سنوات، يسلط الضوء على فصل مهم من تاريخنا الوطني.. وقد واجهنا تحديات كثيرة خلال التصوير والإنتاج، لكن أكبر تحدٍ كان انتظار الدعم والتمكين لتوصيل العمل إلى الجمهور… نحن جاهزون منذ تسعة أشهر، لكن للأسف لم نجد التهيئة المناسبة للعرض. آمل أن يُعاد النظر في طريقة توزيع الأفلام الوطنية، فالتاريخ يحتاج أن يُروى ليبقى حيًا.”

أنوال… حين يصبح التاريخ رهين الإدراج

الاسم وحده يستحضر ذاكرة معركة “أنوال” الشهيرة التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1921 ضد الاستعمار الإسباني، وهي واحدة من أكثر الصفحات إشراقًا في التاريخ المغربي الحديث.. وبالرغم من غياب تفاصيل كثيرة عن مضمون الفيلم، إلا أن استدعاء هذا الاسم يشي بطموح فني كبير لتأريخ مرحلة تفتقر إلى التناول السينمائي.

السيناريست: محمد نضراني

وفي هذا السياق، صرّح كاتب السيناريو محمد النضراني: “يمثل سيناريو أنوال محاولة جريئة لسردٍ تاريخي بأسلوب سينمائي مشوق، لكن هذا النوع من الأفلام يحتاج إلى دعم قوي من المؤسسات.. فالتأخير يضرّ بالفيلم وبالرسالة التي يحملها، وأتمنى أن لا يكون الأمر مرتبطًا بعقبات إدارية أو سياسية.”.

طاقم فني وازن… وصمت غير مبرر

يُعدّ ظهور الفنان الراحل محمد الشوبي في أحد أدواره الأخيرة ضمن هذا العمل، لحظة مؤثرة، كان من الممكن أن تشكل حدثًا فنيًا وطنياً يُكرم فيه تاريخه الطويل في السينما، أما الممثل ربيع القاطي، الذي عُرف بأدائه لأدوار وطنية في أفلام تاريخية، فقد عبّر بدوره عن أسفه لتأخر عرض الفيلم قائلاً: “كانت تجربة العمل في فيلم أنوال من أهم محطات مسيرتي الفنية.. فشخصية الفيلم عميقة وتحمل الكثير من القيم الوطنية التي نفتخر بها.. ننتظر بفارغ الصبر أن يصل الفيلم إلى الجمهور ليحصل على فرصته الحقيقية في التقييم والتقدير.”

القطاع السينمائي… أزمة عرض أم أزمة إرادة؟

يرى بعض النقاد أن غياب الفيلم عن الساحة الفنية، رغم استكماله منذ أشهر، يعكس أزمة أعمق في بنية السياسة الثقافية والسينمائية بالمغرب، خصوصًا في ما يخص توزيع الأفلام الجادة والتاريخية، فرغم وجود طاقات خلاقة، ومخرجين ملتزمين، إلا أن الأعمال التي تغوص في الذاكرة الوطنية كثيرًا ما تُصنّف ضمن خانة “المحرج”، أو “غير المُربح”، فتُقصى من الدعم، وتُجمد داخل الإدارات.

وفي تعليق على هذا الوضع، اعتبر أحد النقاد السينمائيين أن: “تأخر عرض فيلم أنوال يفتح باب النقاش حول منظومة دعم الإنتاج السينمائي بالمغرب، مسترسلا هناك فئات كبيرة من المبدعين يعانون من نقص فرص العرض والترويج، وهذا يؤثر سلبًا على التنوع الثقافي وتطور السينما الوطنية.”

جمهور ينتظر… ورسالة ضائعة

لا يزال الجمهور المغربي المتعطش لسينما تتناول تاريخه الحقيقي ومقاومته البطولية، ينتظر هذا العمل بشغف.. لكنه أيضًا يُصاب بالإحباط كلما وُئدت مبادرة فنية من هذا النوع في صمت إداري قاتل.

فإلى متى سيظل الفن الوطني رهين البيروقراطية والانتقائية؟ وهل ما زالت للسينما المغربية الجرأة على الحفر في الذاكرة الوطنية، أم أن الأمر بات عبئًا ثقيلًا يُفضل تجاوزه بصمت؟

فتأخر عرض فيلم “أنوال”، رغم جاهزيته التقنية والفنية، ليس مجرّد تأجيل تقني، بل هو مؤشر على خلل أعمق في منظومة إنتاج وتوزيع الأعمال السينمائية الوطنية، خاصة تلك التي تجرؤ على ملامسة التاريخ.

فهل سنرى “أنوال” قريبًا؟ أم أن هذا العمل سيلحق بركب الأفلام “المؤجلة إلى أجل غير مسمى”؟ وحده الزمن، وربما بعض الضغط الإعلامي، كفيل بإخراجه من الظل إلى النور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى