الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

“أرواحنا في الليل” تأمل عميق في الوحدة والشيخوخة

بقلم: المخرج المبدع ادريس اشويكة

“عندما قرأتُ كتاب كنت هاروف، أذهلتني بساطته وعمقه. إنها قصة عن أناس عاديين يمرون بتجارب استثنائية في حياتهم اليومية. وأردتُ الحفاظ على هذا الجمال البسيط على الشاشة”.

ريتيش باترا


مقتبس عن رواية كنت هاروف التي لاقت نجاحا كبيرا، التي تحمل الاسم نفسه، والذي عرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية السينمائي لسنة 2017، يجمع فيلم “أرواحنا في الليل” للمخرج الأمريكي الهندي ريتيش باترا، نجمي السينما الدولية روبرت ريدفورد وجين فوندا، في أدوار مؤثرة تستكشف الوحدة والصمود والسعي للتواصل في سن الشيخوخة.

تدور أحداث القصة في بلدة صغيرة بولاية كولورادو، حيث تدعو آدي مور، الأرملة الوحيدة، جارها القديم لويس ووترز، وهو أيضًا أرمل، لقضاء الليلة معها ليتمكنا من التحدث والتعرف على بعضهما البعض، بعد أن تجاهلا بعضهما البعض لعقود طويلة. هذا الاتفاق غير المعتاد، النابع من حاجة عميقة للرفقة، يُثير حفيظة مجتمعهما المشبع بالتقاليد القديمة، بينما يسمح للشخصيتين بإعادة اكتشاف بعضهما البعض.

للممثلان اللذان يلعبان الأدوار الرئيسية في الفيلم مسارات متشابهة في السينما كما في الحياة الواقعية، مما يضفي مصداقية وقوة كبيرتين على لقائهما في الفيلم، مما يجعل تعقيدهما واضحًا وطبيعيًا. يقول المخرج: “كان العمل مع جين وروبرت حلمًا. لقد أضفيا لمسةً مميزةً على شخصيتيهما بمجرد حضورهما. وجوههما تُعبّر عن الكثير تماما كما يفعل النص نفسه”.

تأمل في الوحدة والشيخوخة

يعالج هذا الفيلم موضوع الوحدة والشيخوخة بأسلوب بسيط وواضح وطبيعي تمامًا. إنه عبارة عن تأمل عميق في الوحدة والشيخوخة.

ويعزز الأداء المقنع للممثلين البارزين اللذين يؤديان الأدوار الرئيسية أصالة هذا العمل وتميزه.

يبدو الفيلم وكأنه كتب خصيصًا لهذين الممثلين. في الواقع، يقول المخرج نفسه: “عندما قرأت كتاب كنت هاروف، أذهلتني بساطته وعمقه. إنها قصة عن أناس عاديين يمرون بتجارب استثنائية في حياتهم اليومية.

وأردتُ الحفاظ على هذا الجمال البسيط على الشاشة”. فسرعان ما يصبح اللقاء بين هذين الجارين، اللذين لطالما تجاهل كل منهما الآخر، مؤثرًا للغاية. ربما يكون روبرت ريدفورد وجين فوندا، بأدائهما الدقيق، هما من يُؤثران فينا أكثر من القصة نفسها، لكن دقة الإخراج تُبرز هذا الانطباع الواقعي.

هاتان الشخصيتان، في أواخر حياتهما، اللتان تلتقيان بكيفية طبيعية قصد مواجهة الوحدة، ستقنعان بعضهما البعض في النهاية بفائدة اكتشاف بعضهما البعض للتعرف على بعضهما أكثر في الحياة الواقعية.

ومن هنا، تصبح القصة التي تتكشف أمام أعيننا دراما بقدر ما هي رومانسية. ليس هناك من شيء استثنائي في هذه القصة، لكن دقة نبرات التعبير تجعلها أكثر جمالًا وتناغمًا، بعيدًا عن الميلودراما.

يقول المخرج: “لم أكن أريد ميلودراما. القصة حزينة، صحيح، لكنها مليئة بالأمل أيضًا. يجب أن يكون الحزن خفيفًا، كغشاوة الصباح، لا كعاصفة”.

إنه بالتأكيد فيلم عن حميمية الأرواح المتقدمة في السن. لكن بحساسية ملحوظة، يبني باترا عملًا تأمليًا يتجنب الميلودراما السطحية لصالح سرد دقيق ومؤثر. وتصبح هذه الصداقة الليلية، التي تتحدى التقاليد، شكلًا من أشكال العلاج الذي يسمح لهذه الأرواح المتقدمة في السن بتحرير نفسها من عبء الكتمان.

ثقل الماضي، الذاكرة والعزلة

يتناول الفيلم برقة وحدة كبار السن، الذين غالبًا ما يُهمّشون في مجتمع يُقدّر الشباب والتواصل المُفرط. آدي ولويس، رغم وجودهما مُحاطين بالآخرين، يعيشان وحيدين حتى يجرؤا على اختراق الحواجز الاجتماعية.

تكشف حواراتهما، المُشوبة غالبًا بالسخرية والحزن، عن جروح الماضي وآمالٍ مُكبوتة. صمتهما بليغٌ كحديثهما، مُظهرين براعةً نادرةً في التمثيل. ويُعزز أداء الممثلين صدق القصة، حيث يتجنب أداؤهم الطبيعي والدقيق أيَّ عاطفية مُفرطة. تُجسّد فوندا شخصية آدي الهشة والعازمة في آنٍ واحد، بينما يُجسّد ريدفورد شخصية لويس المُتحفّظ ولكنه عميق الإنسانية.


ولتعزيز هذه الحالة من التواصل الإنساني المُتأخر، اختار باترا أسلوبًا إخراجيًا مُبسّطًا، حيث الصمت والنظرات أبلغ من الحوار. كما تُعزز اللقطات الواسعة لمناظر كولورادو الطبيعية المهجورة عزلة الشخصيات، بينما تُضفي المشاهد الليلية، المُصورة بإضاءة خافتة، لمسةً من الألفة الملموسة. ينجح الفيلم في تصوير علاقة ناضجة، حيث يُفسح الشغف المجال للتواطؤ والقبول.

وهكذا، في خضم سينما غالبًا ما تكون صاخبة ومُبهرة بشكلٍ مُخادع، يُقدم باترا وقفةً تأملية، تكريمًا لأولئك الذين، حتى مع تقدمهم في السن، يواصلون البحث عن نور الحياة.

فيلموغرافيا ريتيش باترا (الأفلام الطويلة)
« The Lunchbox » (2013) ; « A l’heure des souvenirs » (2017) ; « Nos ames la nuit » (2017) ; « Le photographe » (2019).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى