الرئسيةبيئةمنوعات

الحرّ الشديد يؤثر على الصحة العقلية للإنسان

أثبت العلم الحديث أن تغيرات المناخ وتقلبات الطقس تعتبران من أخطر التهديدات لصحة البشر في القرن الحادي والعشرين، كما تبين أن ظروف الطقس المتطرف مثل الحرارة الشديدة والأعاصير الاستوائية والأمطار الغزيرة والفيضانات وحرائق الغابات والجفاف يمكن أن تؤثر على الصحة العقلية للإنسان، وأن الأشخاص الذين يعيشون في أحياء فقيرة أو مناطق ريفية بدائية هم على الأرجح الأكثر تضرراً من الصدمات المناخية، لا سيما أن الكثيرين منهم لا يحصلون على كفايتهم من المياه النظيفة والغذاء والرعاية الصحية.

ويقول الباحث سيبريان موستيرت أخصائي علم النفس وخبير اقتصاديات الصحة بجامعات دبلن وترينتي في أيرلندا وأغاخان في باكستان وكينيا: إن كثيراً من الدراسات التي تناولت العلاقة بين التغيرات المناخية وتدهور الصحة العقلية أجريت خارج قارة أفريقيا، مؤكداً على ضرورة إجراء أبحاث لتعزيز الفهم لهذه المشكلة من واقع المجتمعات الأفريقية التي تشهد صدمات وتغيرات مناخية ضخمة.

تأثير صدمات تغير المناخ على أعراض الاكتئاب والأفكار الانتحارية

وقد أجرى الباحث موستيرت دراسة حديثة مع زملاء من معهد أبحاث المخ والعقل التابع لجماعة أغاخان الباكستانية، تناولت تأثير صدمات تغير المناخ على أعراض الاكتئاب والأفكار الانتحارية. وتركزت الدراسة على منطقة كيليفي الساحلية، وهي من أفقر المناطق السكنية في كينيا، وقد شهدت هذه المنطقة خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2022 موجات من الجفاف والطقس الحار وتراجع معدلات الأمطار، كما شهدت عام 2024 فيضانات تسببت في معاناة بالغة لسكان المنطقة.

وأوضح موستيرت في مقال نشره الموقع الإلكتروني The Conversation، المتخصص في الأبحاث العلمية، أن الدراسة الجديدة تركزت على فئتين وهما النساء في المناطق العشوائية التي تفتقر إلى المياه النظيفة وشبكات الصرف الصحي، والنساء في مناطق ريفية توجد بها مياه نظيفة واحتياجات الحياة الأساسية، وكان الهدف من هذا الاختيار هو دراسة تأثير التغيرات المناخية على الصحة العقلية في سياقات اجتماعية واقتصادية مختلفة، وقد تم التركيز على المرأة في الدراسة بسبب تعذر إشراك عينات من الرجال في التجربة على ضوء طبيعة الحياة في المنطقة التي ينشغل فيها الرجل بالعمل وتلبية متطلبات الحياة على مدار اليوم.

تراجع الأمطار وارتفاع الحرارة وحدوث موجات الجفاف

وشملت التجربة 14801 متطوعة تمثل كل واحدة منهم أسرة منفصلة، وكان يطلب منهن في إطار الدراسة ملء استبيانات للرد على أسئلة تتعلق بتأثير التغيرات المناخية مثل تراجع الأمطار وارتفاع الحرارة وحدوث موجات الجفاف على المشكلات النفسية لديهن مثل أعراض الاكتئاب والأفكار الانتحارية، وما إذا كانت هذه الأعراض تختلف من منطقة لأخرى، وأيضاً ما إذا كانت التغيرات المناخية وما يرتبط بها من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية على سبيل المثال يفرض ضغوطاً نفسية تؤثر على الصحة العقلية للمرأة.

ويقول الباحث موستيرت: إن هذه الاستبيانات التي تتكون من 15 سؤالاً كانت تجرى بالتوازي مع مراجعة لتقارير الأرصاد الجوية خلال نفس الفترات الزمنية بحيث يتسنى للباحثين مقارنة الحالات النفسية للمتطوعات في التجربة في ضوء الأحوال المناخية التي سادت في نفس تلك الفترات.

موجات الحرارة تؤدي إلى زيادة بنسبة 9ر14% في الأفكار الانتحارية

ووجد الباحثون أن موجات الحرارة تؤدي إلى زيادة بنسبة 9ر14% في الأفكار الانتحارية، وأن الجفاف يؤدي لزيادة هذه الأفكار بنسبة 7ر36 بالمئة، ما يشير إلى أن الضغوط الناجمة عن طبيعة الجفاف التي تبعث على التوتر تثير شعوراً بفقدان الأمل لدى الفرد.

وكشفت الدراسة أيضاً أن انخفاض معدلات الأمطار تزيد الأفكار الانتحارية بنسبة 7ر28% لأنه يشكل عبئاً نفسياً بسبب تأثيره على فرص العيش في المستقبل. وأظهرت الدراسة أن الآثار التراكمية لتغير المناخ عندما تقترن بارتفاع أسعار الغذاء تؤدي إلى زيادة بنسبة 3ر48% في الأفكار الانتحارية، لا سيما بين النساء الريفيات في المناطق العشوائية.

وتوصلت الدراسة أيضاً إلى وجود صلات قوية بين ما أطلق عليه اسم الصدمات المناخية والصحة العقلية لدى المشاركات في التجربة، لا سيما في المناطق المهمشة، حيث رصد الباحثون زيادة في أعراض الاكتئاب بنسبة 8ر10% لدى النساء من سكان المناطق العشوائية مقارنة بنظيراتهن من سكان المناطق الريفية المستقرة، وتبين أن الأزمات النفسية قد تتطور في بعض الأحيان لدرجة الوصول إلى الأفكار الانتحارية في تلك المجتمعات السكنية الفقيرة.

ويشير الباحث موستيرت إلى التداخل بين التوترات التي تنشأ لدى المرأة لأسباب اقتصادية وبيئية، ويقول: إن الصحة النفسية لهؤلاء النساء كثيراً ما تتعرض لصدمات نفسية بسبب الصعوبات الاقتصادية أو الضغوط الاجتماعية وغيرها من الأسباب، ما يؤدي إلى تأثيرات كبيرة على استقرار الأسرة بشكل عام، حيث إنه عندما تتعرض النساء للضغوط النفسية والقلق والتوتر، فإن ذلك يؤثر بدوره على وحدة الأسرة وكذلك على صحة أفرادها وقدرتهم على كسب الرزق.

ضرورة أن تعترف الحكومات بتأثير تغير المناخ على الصحة الجسمانية والنفسية

ويرى موستيرت ضرورة أن تعترف الحكومات بتأثير تغير المناخ على الصحة الجسمانية والنفسية على حد سواء، علماً أن معالجة المشكلات النفسية والانفعالية تنطوي على أهمية بالغة لبناء مجتمعات صلبة يمكنها تحمل الصدمات المناخية في المستقبل، مشيراً إلى ضرورة دمج سبل تقديم الدعم للصحة النفسية في إستراتيجيات معالجة تغير المناخ، ما يمكن أن يساعد في تحسين جودة الحياة للمجتمعات الضعيفة في كينيا وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى