
دخلت قضية جديدة فضاء القضاء المغربي، بعدما كشفت تحقيقات حديثة عن تورط مجموعة من رجال الأعمال في مضاربات مثيرة بالعملة الرقمية “بيتكوين”، عبر شبكة وساطة منظمة تولت إدارة حساباتهم على منصات التداول مقابل عمولات مجزية.
بدأت القضية،على اثر مخالفة إدارية بسيطة، سرعان ما تحولت إلى ملف ثقيل يهدد أصحابها بعقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية ضخمة.
تفاصيل الأرقام الصادمة
أظهرت التحقيقات الأولية أن الشبكة اقتنت نحو 55 وحدة من “بيتكوين” لحساب أربعة رجال أعمال مغاربة، بسعر يقارب 95 ألف دولار للوحدة، أي بما مجموعه حوالي 5 ملايين دولار، ما يعادل أكثر من 4.7 مليار سنتيم، هذه الأرقام وحدها كافية لدق ناقوس الخطر، ليس فقط من زاوية حجم الأموال المتداولة خارج المساطر القانونية، بل أيضا بالنظر إلى السياق القانوني الصارم الذي يمنع بشكل قاطع أي تعامل بالعملات المشفرة داخل المغرب.
القانون المغربي.. حظر واضح وعقوبات صارمة
اختار المغرب منذ سنوات، موقع الحذر المطلق تجاه العملات الرقمية، إذ أصدر مكتب الصرف ووزارة الاقتصاد والمالية والهيئة المغربية لسوق الرساميل بلاغات متكررة حذرت من المخاطر الجسيمة المرتبطة بالبيتكوين، بدءا من تقلب قيمته بشكل يومي وصولا إلى شبهة استعماله في غسل الأموال وتمويل أنشطة غير مشروعة.
ولم يتوقف الأمر عند حدود التحذير، بل جرى حظر التعامل بهذه العملات بشكل رسمي، حيث نصت اللوائح القانونية على أن كل مخالفة يمكن أن تعرض أصحابها لعقوبات تصل إلى ثلاث سنوات سجنا وغرامات مالية قد تبلغ 5 ملايين درهم.
متابعة ورصد مشدد
وضعت القضية الراهنة رجال الأعمال المعنيين أمام مساءلة قانونية مزدوجة: أولا أمام مكتب الصرف بسبب تحويل مبالغ ضخمة بالعملة الصعبة إلى الخارج دون ترخيص، وثانيا أمام السلطات القضائية بسبب التعامل بعملة محظورة،
وفي هذا السياق، أنشأ مكتب الصرف خلية خاصة للتتبع تعمل بالتنسيق مع بنك المغرب وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، لرصد أي تحويلات أو تعاملات مشبوهة مرتبطة بالعملات الرقمية، وتشير مصادر مطلعة إلى أن التحريات اتسعت لتشمل حسابات بنكية بالخارج يشتبه في استخدامها لاقتناء هذه الوحدات، مع توقعات بتوجيه استدعاءات رسمية للمعنيين لمواجهة التهم الموجهة إليهم.
وسطاء في قلب العاصفة
المثير في الملف أن رجال الأعمال لم يخاطروا بالظهور المباشر في المشهد، بل فضلوا الاحتماء خلف وسطاء محترفين يتكفلون بإنشاء وإدارة حسابات التداول مقابل نصيب من الأرباح.. يكشف هذا الأسلوب عن محاولة واضحة للالتفاف على القانون، لكنه في الوقت ذاته يورط الوسطاء ويجعلهم جزءا من شبكة يُنظر إليها كمنظومة غير قانونية.
بين الإغراء المالي والهاجس القانوني
القضية تعكس تناقضات الموقف من العملات الرقمية: فبينما يعتبرها المستثمرون “فرصة ذهبية” لتحقيق أرباح سريعة بفعل تقلباتها الحادة، ينظر إليها المشرع المغربي كتهديد مباشر للاستقرار المالي والاقتصادي، وهنا يظل السؤال معلقا: هل سيكتفي المغرب بمنع التعامل بالبيتكوين بشكل مطلق، أم أن هذه القضية قد تفتح الباب لمراجعة شاملة تأخذ بعين الاعتبار التوجهات العالمية نحو تنظيم سوق العملات المشفرة بدل تركها في المنطقة الرمادية؟
بكل الأحوال، فإن رجال الأعمال الأربعة وجدوا أنفسهم الآن في مواجهة مباشرة مع القانون، بعد أن حولوا “الأرباح الافتراضية” إلى كابوس حقيقي قد يكلفهم سنوات خلف القضبان وغرامات بملايين الدراهم.