الرئسيةمجتمع

الجالية المغربية قلقة..تعثر تبادل المعلومات البنكية بين المغرب والاتحاد الأوروبي

تعثرت المفاوضات بين المغرب والاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية “التبادل التلقائي للمعلومات البنكية لأغراض ضريبية” ، بعد أن قرر مجلس النواب المغربي تأجيل المصادقة على مشروع القانون المتعلق بتفعيلها.

وأثار هذا التعثر نقاشاً واسعاً حول مستقبل العلاقة المالية بين المغرب وجاليته في الخارج، وحول التوازن الصعب بين “الامتثال للمعايير الدولية” و” حماية مصالح الجالية المغربية التي تضخّ أكثر من 117 مليار درهم سنوياً في الاقتصاد الوطني” .

ما هو CRS… المعيار الذي غيّر قواعد اللعبة؟

تعود جذور الاتفاقية إلى “المعيار المشترك للإبلاغ (CRS)، الذي طورته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) بتعاون مع مجموعة العشرين، و يفرض هذا المعيار على الأبناك والمؤسسات المالية في كل بلد مشارك أن تحدد” الإقامة الضريبية” لعملائها، وترسل بيانات حساباتهم إلى السلطات المحلية، التي تتولى بدورها تبادلها سنوياً مع بلدان الإقامة الضريبية.

تم تكييف هذا المعيار في الاتحاد الأوروبي، ضمن التوجيه المعروف بـ”DAC2″، مما جعل التبادل التلقائي للبيانات قاعدة معمولاً بها بين الدول الأعضاء، على أن يمتد إلى بلدان ثالثة مثل المغرب إذا توفرت “شروط قانونية وتقنية” أهمها: حماية المعطيات، المعاملة بالمثل، وضمان السرية.

المغرب بين الالتزامات الدولية والهواجس الداخلية

في هذا السياق، وقّع المغرب في 2019 على “اتفاق السلطة المختصة المتعدد الأطراف (MCAA)” ، وانخرط في “الاتفاقية متعددة الأطراف للمساعدة الإدارية في الميدان الضريبي (MAC)” ، التي دخلت حيّز التنفيذ بالنسبة له في شتنبر 2019.. وكان مقرراً أن يبدأ التبادل سنة 2021، ثم تأجل إلى 2025 وفق التزامات مسجلة لدى الـOECD.

لكن العقبة الحقيقية ظهرت داخلياً حين أُحيل مشروع القانون” 77.19″ على البرلمان لتكييف التشريعات الوطنية مع المعيار الدولي، فمجلس النواب اختار تجميد النقاش تحت ضغط المخاوف من انعكاساته على “مدخرات وأرصدة الجالية المغربية بالخارج” ، الأمر الذي فاقم الفجوة بين التزامات المغرب على المستوى الدولي والتردد السياسي محلياً.

مخاوف الجالية: السرية البنكية في مهب الريح؟

من جهة أخرى، يبدو أن الهاجس الأكبر لدى الجالية المغربية في الخارج هو أن يؤدي تفعيل الاتفاقية إلى” رفع السرية البنكية” عن حساباتها في الأبناك المغربية، وبالتالي تسليم بياناتها الضريبية إلى بلدان الإقامة، ورغم أن الاتفاقية لا تفرض غرامات أو عقوبات بشكل مباشر، إلا أن “السلطات الضريبية في دول الإقامة” قد تستعمل تلك البيانات لفرض ضرائب متأخرة وغرامات على من لم يصرّح سابقاً بممتلكاته.

وتتغذى هذه المخاوف من أهمية التحويلات التي بلغت نحو 117.7 مليار درهم في 2024، والتي تشكل ركيزة أساسية لميزان المدفوعات، ودعامة لآلاف الأسر، ومحركاً للاستثمارات الصغيرة والمتوسطة في المغرب، فأي تراجع في ثقة الجالية قد ينعكس مباشرة على هذه التدفقات الحيوية.

التداعيات الاقتصادية لتأجيل التفعيل

تأجيل دخول الاتفاقية حيّز التطبيق لا يخلو من تكلفة.. بداية بفجوة معلوماتية حيث تظل الإدارة الضريبية المغربية عاجزة عن تتبع الأصول المالية للمقيمين ضريبياً في المغرب إذا كانت مودعة في الخارج.
إضافة الى تعرض البنوك و المؤسسات المالية إلى الضغط بين الامتثال للإلتزامات الدولية وقوانين محلية لم تتكيف بعد، مما قد يعقّد علاقاتها مع الأبناك المراسلة والشركاء الدوليين.
و نتيجة لذلك، تعيش الجالية على وقع الشائعات والقلق، ما قد يضعف الثقة ويؤثر على الادخار والتحويلات.

مكاسب محتملة من التفعيل المنظم

على الجهة الأخرى، فإن تفعيل الاتفاقية وفق جدول زمني مدروس قد يتيح للمغرب:

* مكافحة فعالة للتهرب الضريبي وغسل الأموال، بفضل المعطيات المتبادلة مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى.
* تحسين صورة المغرب في تصنيفات الحوكمة الضريبية والشفافية، بما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب.
* الحفاظ على موقع متوازن، خصوصاً وأن المغرب لا يوجد على اللائحة السوداء الأوروبية للدول غير المتعاونة ضريبياً.

القضية إذن لا تختزل في معادلة تبسيطية بين “حماية الجالية” و”الالتزام بالمعايير الدولية”، الخيار الأمثل يكمن في صياغة مسار انتقالي منظم يوفق بين الانخراط في الشفافية الضريبية العالمية والحفاظ على ثقة ملايين المغاربة المقيمين بالخارج، فالتردد السياسي قد يمنح هدنة قصيرة، لكنه يضاعف كلفة اللايقين على المدى الطويل.

المطلوب اليوم هو” تشريع محكم، تدرج محسوب، وتواصل صريح” … لأن تجاهل الموجة العالمية نحو تبادل المعلومات الضريبية لم يعد خياراً واقعياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى