
بينما يتباهى المسؤولون بارتفاع صادرات المغرب من الخيار إلى 27.7 ألف طن خلال الأشهر العشرة الأولى من الموسم التسويقي الحالي (يوليو 2024 – أبريل 2025)، وبقيمة مالية وصلت إلى 26.3 مليون دولار، يظل السؤال الملح: هل تنعكس هذه الطفرة على موائد المغاربة وأسعار السوق الداخلية، أم أنها مجرد أرقام براقة لإرضاء الأسواق الأوروبية؟
أرقام قياسية بوجهين
صحيح أن الأرقام تكشف عن إنجاز غير مسبوق، حيث يسجل الخيار المغربي معدل نمو سنوي متواصل منذ ست سنوات بنسبة 32٪، بل إن شهر يناير 2025 وحده عرف تصدير 5.9 ألف طن، وهو أعلى رقم شهري في تاريخ هذا المنتج، لكن الوجه الآخر للقصة يكمن في أن المواطن المغربي البسيط يواجه أسعارًا تتأرجح بين الغلاء و الغلاء الفاخش، يوميًا في أسواق الخضر، ما يعني ان وفرة التصدير لا تعني بالضرورة وفرة في الداخل.
إسبانيا أولى.. والمغرب في مؤخرة المستفيدين
تظل إسبانيا الوجهة المفضلة، حيث تستحوذ على 57٪ من الصادرات، تليها المملكة المتحدة و البرتغال، فيما بدأت إيطاليا وهولندا تدخلان على خط الاستفادة من الخضر المغربية.. أما موريتانيا، فرغم تراجع حجم الواردات، تبقى سوقًا قائمة.
غير أن المفارقة أن الأسواق الأوروبية تستفيد من خيار مغربي يُباع بأسعار تنافسية، بينما المواطن المحلي يجد نفسه أمام أسعار متقلبة في ظل أزمة غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية.
نجاح زراعي.. أم استنزاف مائي؟
لا يمكن إنكار أن هذه الأرقام تعكس نجاحًا تسويقيًا للفلاحة المغربية، لكن السؤال الأهم: أي ثمن تدفعه البلاد مقابل هذه الطفرة؟ نحن نتحدث عن محصول يعتمد أساسًا على الري، في وقت تعيش فيه مناطق واسعة من المغرب أزمة عطش خانقة، فكيف نفسر أن المغرب يصدر آلاف الأطنان من الخضر بينما دواوير في سوس ماسة وبني ملال وزاكورة، تعيش على صهاريج متنقلة للحصول على الماء الصالح للشرب؟
الخيار والجزر.. و”البركة الغائبة”
فيما اعتبرت المنصة الدولية EastFruit أن المغرب حقق أيضًا رقمًا قياسيًا في صادرات الجزر للسنة الخامسة على التوالي، ما يعكس نجاح الاستراتيجية الوطنية في دعم الصادرات الفلاحية..، لكن خلف هذا النجاح تكمن مفارقة لافتة: الفلاح الصغير لا يلمس من هذه الأرقام سوى ضغط تكاليف الإنتاج وندرة المياه، بينما الأرباح الأكبر تذهب إلى شركات التصدير الكبرى المرتبطة بلوبيات اقتصادية معروفة.
اقتصاد زراعي بلا عدالة اجتماعية
من منظور اقتصادي، تمثل 26.3 مليون دولار من عائدات الخيار رقمًا مهمًا لكنه ضئيل مقارنة بتحديات الاقتصاد الوطني، خصوصًا أمام فاتورة استيراد القمح التي تجاوزت 2.2 مليار دولار سنة 2024. ومن منظور اجتماعي، لا يساهم هذا النمو الزراعي في حل أزمة البطالة بالوسط القروي، حيث ما زالت نسبة العاطلين بين الشباب تفوق 18٪ حسب المندوبية السامية للتخطيط.
السياسة والواقع المر
يبدو أن “نجاح الخيار” يندرج ضمن الخطاب الرسمي الذي يحرص على الترويج لصورة المغرب كـ”قوة فلاحية صاعدة”، لكنه خطاب يتجاهل الهوة العميقة بين تصدير الوفرة ومعاناة الداخل، فبينما يصفق البعض لتصدر المغرب أسواقًا أوروبية جديدة، يطرح المواطن سؤالًا ساخرًا: لماذا لا يصل الخيار المغربي إلى جيوبنا بنفس السهولة التي يصل بها إلى موائد الإسبان؟