
أوقِفوا الحرب حفاظاً على مناعتنا الأخلاقية
عن “هآرتس” ترجمة “الأيام الفلسطنية”
حسب القانون الإسرائيلي، الذي أنشأ الجيش الإسرائيلي الذي يعمل بقوته، فإن الجيش ملزم بالعمل حسب هذا القانون وحسب المدونة الأخلاقية للجيش الإسرائيلي وحسب القانون الإنساني الدولي.
لم نتنازل في أي يوم عن هذا الالتزام، بل العكس، دائماً تفاخرنا بأننا نطبق قوانين الحرب وننفذها. من المعروف لنا جميعاً الادعاء الذي تكرر لعشرات السنين أن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، حتى لو كان في هذا الادعاء تفاخر وتبجح،
مع ذلك يبدو أننا عملنا خلال السنين والحروب على الحفاظ على الجيش الإسرائيلي جيشاً يعمل في إطار القانون والأخلاق.
صحيح أنه ليس دائماً كان كل شيء على ما يرام. خلال سنين كان هناك مرات لم يتم فيها الحفاظ على “طهارة السلاح”، ولم تعالج جميعها كما يجب.
ولكن قيادة الدولة وقيادة الجيش الإسرائيلي بذلت الجهود لمنع أعمال كهذه وعلاجها عندما حدثت.
سيتذكر كثيرون قصيدة الشاعر نتان ألترمان حول هذا الأمر، في ذروة “حرب الاستقلال”، بعد قيام جندي إسرائيلي بقتل فلسطيني. أمر رئيس الحكومة، دافيد بن غوريون، بنشر القصيدة في أوساط جنود الجيش الإسرائيلي.
جميعنا تربينا، أيضاً في الجيش، على محاكمة “كفر قاسم”، التي تم فيها تقديم ضباط ورجال شرطة من حرس الحدود للمحاكمة وإدانتهم بقتل مدنيين غير متورطين أثناء عملية سيناء
. هناك تعلمنا واجب رفض الأمر غير القانوني بشكل واضح، ذلك الذي أعطي من قبل القادة المخولين. هناك من يتذكرون محاكمات غولاني وجفعاتي والعقيد يهودا مئير، التي تم عقدها في فترة الانتفاضة، واستقالة رئيس “الشاباك” وشخصيات رفيعة أخرى في أعقاب قضية الخط 300.
علمنا الجنود العمل بحسب القانون، وأحياناً تم اتخاذ خطوات عندما حدثت انحرافات، وحتى قدمنا للمحاكمة خارقي القانون.
الآن نحن متهمون بارتكاب جرائم حرب، بالأساس في قطاع غزة. تسمع الاتهامات بصورة متواترة أيضاً من قبل أفضل أصدقائنا في العالم الذين يشاهدون كل يوم صوراً وأفلاماً، من بينها صور وأفلام وثقها الجنود أنفسهم، على الشاشات وفي الشبكات الاجتماعية.
تضاف إلى هذه الأفلام الأقوال الفظيعة التي قالها رئيس الحكومة، ووزراء وأعضاء كنيست من مؤيدي الحكومة، التي يخضع الجيش لأوامرها. سمعوا في بداية الحرب رئيس الحكومة وهو يتحدث عن حرب ضد العماليق، التي كتب عنها في سفر شموئيل: “لا تشفق عليهم، يجب عليك قتلهم، من الرجل وحتى المرأة، من الكبير وحتى الرضيع”. عندما فهم بعد ذلك الضرر الكبير الذي تسبب به أوضح أنه لم يقصد إبادة شعب.
هم يسمعون عضو الكنيست، بسموت يقول: “لا يوجد مكان لأي بادرة حسن نية إنسانية.
يجب محو ذكر العماليق”، هم يقرؤون تصريحات رئيس الحكومة في لجنة الخارجية والأمن: “ندمر المزيد من البيوت، لا يوجد لهم مكان ليعودوا إليه. النتيجة الوحيدة المطلوبة هي رغبة الغزيين في الهجرة”، وهم يسمعون الوزير عميحاي إلياهو وهو يتحدث عن إلقاء قنبلة نووية على غزة، وفي مكان آخر قال: “شمال القطاع أجمل من أي وقت آخر. مدمر وتمت تسويته بالأرض”.
ببساطة متعة للنظر. وهم يسمعون عضو الكنيست، إسحق كرويزر، وهو يقول: “يجب تسوية غزة بالأرض”، وهم يسمعون عضو الكنيست، نسيم فاتوري، وهو يقول: “يجب إحراق غزة، لم يبق هناك أبرياء، يجب تصفية الذين بقوا”، و”الآن جميعنا لنا هدف مشترك وهو محو قطاع غزة عن وجه الأرض”.
جميع هذه الاقتباسات هي من الصحافة، ويقرؤونها في المصدر أو في ترجمة في البلاد وفي الخارج. الآن اذهب واشرح أن قيادة دولة إسرائيل لم تكن تقصد ما قالته هذه الشخصيات، وأن الجيش لا يستمع إلى هذه الأقوال.
الضرر الذي لحق بإسرائيل في الساحة الدولية ضرر غير مسبوق. هذا سقوط حقيقي، حتى لدى أفضل أصدقائنا.
الحرب تستمر والضرر يزداد. أين حكومة إسرائيل؟ ما الذي تفعله للرد على هذه الادعاءات الخطيرة؟ الصراخ والقول إن الجميع لاساميون لا يكفي. صحيح أنه كانت وما زالت هناك لاسامية، وأيضاً كان هناك من لا يريدون أن تبقى دولة إسرائيل قائمة. ولكن المشكلة ليست معهم، بل مع عدد كبير من الدول، المنظمات، الأشخاص (من بينهم الكثير من اليهود)، الذين لا يكرهون إسرائيل وليسوا لاساميين. هم قاموا بتأييدنا من أعماقهم بعد الهجوم الدموي في 7 تشرين الأول، لكنهم صدموا حقاً من الاتهامات والصور والأفلام والتصريحات.
أولاً، يجب على إسرائيل فحص كل الادعاءات إذا كانت حقيقية أم كاذبة. يجب أن يكون الفحص جدياً من قبل النيابة العسكرية، والشرطة العسكرية، وبرقابة جهاز القضاء الرسمي.
وإذا تبين أن أحد هذه الادعاءات كاذب فيجب قول ذلك بصوت عال والمحاربة من أجل الحقيقة في الساحة الدولية والإعلامية. من المحظور ترك هذه الاتهامات دون رد، يجب علينا أن نعرف، نحن الذين نحب إسرائيل، الحقيقة، ويجب أن يسمعها العالم من قبل إسرائيل الرسمية. وإذا تبين أنه تم ارتكاب أفعال يجب ألا يتم فعلها، يجب قول ذلك واتخاذ خطوات ضد مرتكبيها أو من أمروا بارتكابها.
ثانياً، القرار الخاطئ، منع المراسلين الأجانب من الدخول إلى قطاع غزة من أجل تغطية ما يحدث هناك، يمكن أن يولد الانطباع أنه يوجد لإسرائيل ما تخفيه.
يجب السماح للمراسلين المعنيين بذلك بالدخول إلى قطاع غزة وإرسال التقارير من هناك. توجد ملاحظة أخرى:
إلى جانب المسألة القانونية والأخلاقية هناك أيضاً مسألة الفائدة والخسارة. كان يجب أن تدرك الحكومة التغير الكبير في العصر الحديث. في السابق كانوا لا يشاهدون الحروب على الشاشات أثناء حدوثها.
الآن يشاهدونها في كل العالم في الزمن الحقيقي. تحدث الحرب الآن في مكانين في الوقت ذاته: في ساحة المعركة وعلى الشاشات.
تبدو الحرب دائماً فظيعة. الناس يقتلون ويصابون، البيوت تدمر، الأطفال يبحثون عن الوالدَين بين الأنقاض. لقد وجد هنا انعكاس في القوة: القوي ضعيف والضعيف قوي، إذا ظهرت قوياً جداً خلال فترة طويلة، حتى لو كنت “الجانب المحق”،
فأنت ستعتبر شريراً. وإذا كنت ضعيفاً ومتعباً ويتم ضربك كل يوم، حتى لو كنت “الجانب الشرير”، فأنت ستعتبر مسكيناً وستثير شفقة العالم.
و”العالم” ليس فقط الرأي العام الذي لا يجب الاستخفاف به، بل أيضاً زعماء الدول الذين يتأثرون به.
في هذا العصر من المحظور شن حروب طويلة كهذه، حتى لو كانت عادلة، لأن من يشنها يخسر.
انظروا إلى السقوط الفظيع والمتواصل في مكانة إسرائيل الدولية، الذي لم يكن ليحدث لو أننا أوقفنا الحرب بعد الضربة الشديدة التي وجهناها وبحق لـ”حماس”، مثلما فعلنا مع “حزب الله”، دون الحديث عن “النصر المطلق”، الذي هو غير محدد ولم يتم تحقيقه، ولم نستمر بها أمام أنظار كل العالم لوقت طويل.
في الختام، أوقفوا الحرب فوراً وقوموا بإعادة المخطوفين.
انتبهوا للادعاءات الخطيرة وقوموا بعلاجها والرد عليها. هذا لن يكون أمراً سهلاً، بل هو ضروري. ليس فقط من أجل الحفاظ على المناعة الأخلاقية للجيش الإسرائيلي ومن أجل الدفاع عن حياة جنودنا، بل أيضاً من أجل وقف السقوط السياسي غير المسبوق (في الوقت ذاته الإنجاز غير المسبوق لأعدائنا)، الذي تسببت به هذه الحرب الطويلة لنا.