الرئسيةسياسة

“الكيف” المقنن..حين تسرق لقمة الفلاح تحت اسم التقنين

تحرير: جيهان مشكور

يعيش مزارعو “الكيف” في إقليم تاونات اليوم واحدة من أكثر المفارقات قسوة: الأرض تُنبت ذهبا أخضر، والدولة تُفاخر بإنتاج قياسي تجاوز 4 آلاف طن سنة 2024، فيما الفلاحون أنفسهم غارقون في الديون و الفقر وينتظرون مستحقاتهم منذ عام كامل، وكأنهم مجرد عمالة مجانية في سوق مقنن يُفترض أنه جاء لإنقاذهم من براثن التهريب.

“فاش كنا خدامين في نوار مع المهربين، كنا كنشدو فلوسنا قبل منحصدوا الغلة، ودابا فاش ولينا كنخدموا تحت لواء القانون ما خديناش تحقنا”، يقول أحد المزارعين بمرارة، مختزلا مأساة قطاع يُسوَّق له على أنه بديل شرعي ومربح.

شركات تَستلم وتُماطل

نكمن المعضلة في أن عشرات التعاونيات الفلاحية، يزيد عددها عن 24 تعاونية في تاونات وحدها، لم تتوصل إلى اليوم بمستحقاتها المالية، رغم مرور قرابة عام على تسليم محاصيلها.. وإذا علمنا أن كل تعاونية تضم بين 40 و120 فلاحا، فهذا يعني أن ما يزيد عن 2000 مزارع باتوا في مهب المجهول.

أكثر من ذلك، إحدى الشركات المتعاقدة وحدها مع 18 تعاونية ” تضم بعضها أكثر من 100 مزارع ” استلمت المحاصيل في أكتوبر 2024، لكنها لم تُؤدِّ درهما واحدا حتى اليوم.. في خرق واضح لمقتضيات القانون الذي يُلزم الشركات بالأداء في أجل لا يتجاوز 30 يوما.

التبريرات الرسمية والواقع المُر

تُرجع بعض الشركات سبب التأخير إلى ما تسميه “تعقيدات مسطرية” مرتبطة باشتراطات الجودة الدولية وصعوبة الحصول على شهادات المطابقة، ما جعلها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها.. لكن هذه الحجج لا تعني شيئا أمام المزارعين الذين يعيشون على حد الكفاف.
فحسب المندوبية السامية للتخطيط، أكثر من 65% من أسر تاونات تعيش بدخل يقل عن الحد الأدنى للأجور، وهو ما يجعل أي تأخير في الأداء بمثابة حُكم بالإعدام الاجتماعي،ووسيلة لدفعها من جديد إلى أحضان السوق غير القانوني.

من جهتها، تؤكد الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي لا تزال في بياناتها الرسمية أن “المسار يسير نحو الهيكلة والانفتاح على أسواق دولية واعدة”، دون أن تشرح كيف يمكن لمزارع مديون أن يصمد حتى فتح تلك الأسواق.

حصاد القانون… بلا عدالة

النتيجة أن المزارعين وجدوا أنفسهم بين مطرقة القانون وسندان الشركات: لا هم نالوا أرباح التهريب القديمة ولا هم استفادوا من نعمة التقنين الجديد.. فهم اليوم يطالبون بحقهم في ثمن محصول زرعوه بعرقهم، ولم يصل جيوبهم إلى اليوم.

و المضحك المبكي أن الدولة تُسجِّل أرقاما قياسية في الإنتاج، بينما المزارع يسجِّل أرقاما قياسية في الفقر و الهشاشة .

وفي النهاية، يظل السؤال الأكبر معلقا: هل خُلق التقنين فعلا لتحسين وضعية الفلاحين البسطاء، أم أنه مجرد سوق جديد تُستنزف فيه الأرض والعرق، فيما يظل المزارع “خارج التغطية”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى