اقتصادالرئسية

البنوك المغربية بين عجز السيولة وأوهام الاستقرار

تحرير: جيهان مشكور

في الوقت الذي يئن فيه المواطن تحت وطأة الغلاء، تكشف الأرقام أن البنوك المغربية بدورها ليست في وضع مريح تمامًا، وإن كان الاختناق لديها يعالَج بجرعة أوكسجين من بنك المغرب.

فمتوسط عجز السيولة البنكية سجل تراجعًا ملحوظًا بنسبة 7.48% ليستقر عند 130.9 مليار درهم، خلال الفترة الممتدة ما بين 28 غشت و3 شتنبر الجاري، حسب ما أوردته بيانات مركز الأبحاث “بي إم سي إي كابيتال غلوبال ريسيرش”،

بنوك تختنق وبنك مركزي يضخ الحياة

المفارقة المثيرة أن تراجع العجز البنكي لم يأتِ نتيجة تحسن أوضاع الاقتصاد الحقيقي أو طفرة في الاستثمار، بل بفضل ضخ إضافي من بنك المغرب الذي رفع حجم تمويلاته قصيرة الأمد بـ1.77 مليار درهم، لتبلغ 59.05 مليار درهم. الأمر أشبه بمريض يعيش على التنفس الاصطناعي، حيث يتحدد استمرار حياته بمدى سخاء البنك المركزي، ورغم أن الانخفاض يبدو رقمًا إيجابيًا في الظاهر، إلا أن حجم العجز يظل ضخمًا، ويعكس عطش البنوك الدائم للسيولة النقدية.

فكيف لمؤسسات يُفترض أنها العمود الفقري للاقتصاد أن تعجز بشكل مزمن عن تدبير مواردها الداخلية دون الاستنجاد بالبنك المركزي؟

خزينة الدولة.. جيب مثقوب

اما توظيفات الخزينة، فقد شهدت بدورها تراجعًا إلى معدل يومي أقصى عند 13.4 مليار درهم، مقابل 19.95 مليار درهم في الفترة السابقة. صورة تختصر أزمة الدولة التي تعجز عن الحفاظ على تدفق سيولتها بنفس الوتيرة، في وقت تحتاج فيه إلى كل درهم لتغطية عجز الميزانية ومواجهة التزاماتها الاجتماعية والاقتصادية،

مؤشرات مرجعية بلا أثر على المواطن

فيما استقر المتوسط المرجح للفائدة عند 2.25%،و تراجع مؤشر “MONIA” الذي يُفترض أنه يعكس دينامية السوق النقدية –إلى 2.21%. أرقام دقيقة، محسوبة إلى آخر فاصلة عشرية، لكنها لا تُترجم في جيب المواطن الذي يقترض بفوائد تفوق 6%، ويعجز عن سداد أقساط السكن أو تمويل دراسة أبنائه.. فالمؤشرات النقدية المرجعية قد تُطمئن الأسواق، لكنها لا تُخفف كلفة المعيشة.

تدخل أقل.. ورقابة أكبر؟

توقع مركز الأبحاث أن يُقلص بنك المغرب من وتيرة تدخله في السوق النقدية ليحدد قروضه قصيرة الأمد في حدود 56.15 مليار درهم.. خطوة تبدو محسوبة بدقة، لكنها تطرح أسئلة أعمق: هل يعكس هذا التوجه ثقة في قدرة البنوك على تدبير سيولتها بشكل مستقل، أم هو مجرد ضغط جديد قد يُفاقم هشاشة النظام المالي إذا لم تُرافقه إصلاحات بنيوية؟

اقتصاد يُدار بالمهدئات

في النهاية، يظهر المشهد الاقتصادي وكأنه يعيش على “مسكنات” نقدية أكثر من اعتماده على إنتاج الثروة الحقيقية. عجز السيولة يتراجع بالأرقام، لكن عجوزات أخرى، اجتماعية واقتصادية وسياسية، تظل ماثلة أمام المغاربة الذين يتساءلون: متى سيتحول الاقتصاد من وضع “الإنعاش الاصطناعي” إلى التعافي الفعلي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى