الرئسيةرأي/ كرونيك

كيف سجل المغرب هدفا في المرمى الإسرائيلي؟

نزار بولحية كاتب وصحافي تونسي
بقلم نزار بولحية كاتب وصحافي من تونس

إن سُئلوا عن أثمن هدف سجله فريقهم في مشواره في المونديال، فقد يقول بعض المغاربة، إنه ذلك الذي جعلهم يقتربون أكثر من نهائي الكأس العالمية، لكن مهما اختلفت آراؤهم فسيكون من الصعب عليهم أن ينسوا هدفا ثمينا آخر سجله زملاء حكيمي في تلك التظاهرة العالمية، لكن في المرمى الإسرائيلي هذه المرة. ومن المؤكد أن ورطة مراسل «يديعوت أحرونوت»، التي تناقلتها مواقع التواصل وأظهرته وهو يضطر للرد على مشجع مصري سأله أنت من أين؟ أنا مش إسرائيلي أنا من الأكوادور، باتت تلخص القصة الإسرائيلية كلها مع الحدث الكروي العالمي.

لقد فشل الفريق العبري الذي وصل العاصمة القطرية قبل ما يقرب الشهر، رافلا في ثياب الإعلام والصحافة، وعجز عن تحقيق أكبر وأهم هدف استراتيجي جاء لأجله وهو، كسر الحاجز النفسي بين الشعوب العربية، والكيان المحتل.

ومع أن آماله وطموحاته في ذلك الباب لم تكن واسعة في الأصل، إلا أنها سرعان ما اصطدمت بقوة بجدار شعبي صلب، جعل الفريق يعود وهو يجر وراءه أذيال الخيبة، بل دفع عضوا منه، فضّل أن لا يكشف عن هويته، لأن يصرح لموقع «ذي أثليتك» بأنه لم يستوعب ما تعرض له من رفض من قبل الجماهير العربية.

وأن تجربته في مونديال قطر أضعفت آماله في تحسين العلاقات العربية الإسرائيلية. وكان واضحا أن الصد والرفض الذي قوبل به الإسرائيليون، حتى إن حاول بعضهم التحدث بالعربية، أو تقديم هويات مزيفة ومغلوطة كان شاملا وواسعا، لكن أقوى صدمة مونديالية تلقاها هؤلاء جاءت من البلد المغاربي الوحيد الذي وقع معهم اتفاقيات إبراهام، وكان هو نجم المحفل الرياضي الدولي بلا منازع. لقد مثلت لهم انتصارات أسود الأطلس في كأس العالم تحديا، وجعلتهم لا يترددون في اغتنامها لتدارك إخفاقهم وفشلهم في المونديال.

فشل الفريق العبري الذي وصل العاصمة القطرية، في تحقيق أكبر وأهم هدف استراتيجي جاء لأجله وهو كسر الحاجز النفسي بين الشعوب العربية، والكيان المحتل

لكنهم حاولوا وكعادتهم اللعب على حبلين، وأظهروا وجهين مختلفين، إذ في الوقت الذي حاول فيه البعض منهم أن يظهر دعمه ومؤازرته، وحتى فخره بما حققه المغاربة في المونديال القطري مثل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي غرد على حسابه على تويتر قائلا: «أبارك لملك المغرب محمد السادس وللشعب المغربي الإنجاز التاريخي في بطولة كأس العالم.. ألف مبروك»، أو وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج الذي غرد بدوره قائلا، «اعتقدنا لوهلة أننا وصلنا إلى الذروة، لكن المنتخب المغربي أثبت اليوم ألا حدود للممكن.

منتخب لا يمكن كسره»، فإن آخرين عبّروا وبوضوح عن قلقهم من بعض المظاهر التي رافقت الصعود المدوي لأسود الأطلس إلى مربع كبار اللعبة الأكثر شهرة وشعبية في العالم. لقد طافت صورة الفريق المغربي، الذي فاز على إسبانيا، ثم تمكن بعدها من إزاحة البرتغال ليمر للمرة الأولى إلى الدور نصف النهائي من بطولة كأس العالم وهو يحتفل في المناسبتين بفوزه التاريخي برفع الأعلام المغربية والفلسطينية، كل المواقع والقنوات الإخبارية العالمية، لتحدث رجة قوية هزت الإسرائيليين، وجعلتهم يراجعون الانطباع الذي بدأ يترسخ لديهم من أن طريقهم إلى الشعوب العربية باتت سالكة وممهدة.

ولم يفوت مؤرخ إسرائيلي هو إيال زيسر الفرصة ليكتب في صحيفة «إسرائيل اليوم» أنه «وفي استعراض للازدواجية، فقد اختار لاعبو منتخب المغرب أن يحتفلوا بفوزهم بصورة جماعية مع علم فلسطين» قبل أن يضيف أن «رفع علم فلسطين لا يكلف شيئا، وبالتأكيد لا ينطوي على خطر» وأن «إسرائيل خرجت منتصرة من صراعها على وجودها وأمنها». غير أن السؤال هنا هو ما الذي كان يتوقعه الإسرائيليون من المغاربة بالذات؟ هل إنهم كانوا يعتقدون فعلا أن إعادة العلاقات الدبلوماسية معهم قبل عامين من الآن، قد قتلت مشاعرهم وأحاسيسهم وجعلتهم يولون ظهورهم لمعاناة الفلسطينيين؟ أم أنهم كانوا يظنون أن هؤلاء سيتصرفون بشكل مختلف عن الجزائريين أو التونسيين مثلا، ولن يبادروا وهم في قمة فرحهم بالإنجاز الرياضي الباهر الذي حققوه بتوجيه التفاتة رمزية إلى شعب شقيق لا يزال يعاني من أكبر مظلمة في التاريخ؟

لا شك في أن أكثر التقديرات الإسرائيلية تفاؤلا لم تذهب في ذلك الاتجاه. ففضلا عن أن التجارب أثبتت في الحالتين المصرية والأردنية بالخصوص، استحالة واستعصاء حدوث أي تطابق فعلي بين العلاقات العربية الرسمية مع الكيان المحتل، وموقف الشعوب العربية منه، فإنهم كانوا يعرفون جيدا أن المسؤولين المغاربة يتمسكون بدورهم بأن لا تكون علاقاتهم مع الإسرائيليين مرادفا لتخليهم عن الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة. وآخر تعبير عن ذلك حصل قبل أيام قليلة من المونديال، أي في الذكرى الرابعة والثلاثين لإصدار الراحل ياسر عرفات وثيقة الاستقلال، حين أرسل العاهل المغربي برقية إلى رئيس السلطة الفلسطينية جدد فيها، حسبما نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء «دعم المملكة الثابت لجهود تحقيق تطلعات حقوق الشعب الفلسطيني العادلة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية».

ومع أن كثيرين قد يرون ذلك أمرا بديهيا ومفروغا منه، وقد يقولون إن كل القادة العرب يفعلون الشيء نفسه، ويكررون في كل مناسبة دعمهم للقضية الفلسطينية، من دون أن يترجموا ذلك على الأرض، إلا أنه لن يكون واقعيا بالمرة أن ينتظر الآن بالذات من أحد منهم أن يتخطى القول إلى الفعل. ولعل النتيجة التي توصل إليها إيال زيسر في مقاله في صحيفة «إسرائيل اليوم» قد تكون جديرة فعلا بالتأمل. فقد قال الجامعي الإسرائيلي في سياق قراءته لمعاني رفع الفريق المغربي لعلم فلسطين في المونديال «ليس في كل هذا ما يفاجئ أحدا.

لكن ما يفاجئ أن هناك اسرائيليين غير قليلين تصعب عليهم قراءة الواقع الشرق أوسطي، ولعلهم في واقع الأمر يفهمونه جيدا، ولكن في بحث يائس عن الاهتمام أو النشر، فهم يفضلون اكتشاف أمريكا، أي اكتشاف أن الشارع العربي غير مستعد لأن يمنحنا الدفء والمحبة»، قبل أن يخلص إلى أنه «من الأفضل أن تكتفي إسرائيل والإسرائيليون بالنصر الذي حققوه ـ باستعداد العالم العربي لأن يقبلنا- وأن لا يطلب ما لا يمكن تحقيقه، وربما حتى لا حاجة له في الواقع الشرق الأوسطي لعصرنا». وما يعنيه ذلك ليس فقط أن الإسرائيليين فشلوا في استثمار أكبر حدث رياضي عالمي لعزل فلسطين التي وصفها البعض بأنها الدولة 33 في مونديال قطر عن محيطها العربي، بل إنهم فقدوا كل أمل في أن يحققوا أي اختراق، قد يجعل الشعوب العربية تغير موقفها التقليدي منهم.

يبقى هل سيكون للهدف الرمزي الذي سجله المغاربة في المرمى الإسرائيلي، أي تبعات، أو تداعيات على العلاقات العربية العربية؟ سيكون من غير المؤكد أن يقطع المغاربة غدا علاقاتهم الدبلوماسية مع الإسرائيليين، لكن ألن يزيل استحضارهم للقضية العربية الأولى في المونديال، ولو قليلا من الحواجز التي وضعت بينهم وبين أكبر جاراتهم باسم فلسطين؟ هذا ما لا يتمنى الإسرائيليون حدوثه على الإطلاق.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى