تقاعد بسبعين عاماً..عبودية مقنّعة في ثوب إصلاح مالي
17/09/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
لم يكد يمضي وقت طويل على إعلان تقرير البنك الدولي الذي أوصى المغرب برفع سن التقاعد إلى 70 عاماً، حتى انفجر الجدل من جديد حول مستقبل العمل والكرامة الاجتماعية.. اعتبرت التوصية، التي صيغت ببرود اقتصادي، ان شيخوخة الساكنة “قنبلة موقوتة” تهدد صناديق التقاعد والمالية العمومية، مستندة إلى أرقام مخيفة: حيث ستقفز نسبة إعالة المسنين من 11% سنة 2020 إلى أكثر من 26% بحلول 2050، أي أن عمر رُبع المواطنين تقريباً سيكون فوق 60 عاماً.
لكن السؤال الذي لم يطرحه البنك الدولي هو: هل يحتمل جسد المغربي الاستمرار في العمل إلى هذا العمر؟ وهل يؤدي هؤلاء أخطأ رؤى اقتصادية لم تستفد من فورة ديمغرافية كانت قاعدتها الرئيسية سابة؟
أرقام صادمة عن واقع الشيخوخة والصحة
في هذا السياق، رسمت المندوبية السامية للتخطيط صورة قاتمة في آخر تقاريرها: فمتوسط العمر الصحي للمغاربة لا يتجاوز 63 سنة، أي أن سنوات ما بعد هذا العمر تُقضى غالباً في مواجهة أمراض مزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم والقلب و المفاصل..
فكيف يُطلب من أجراء ينهكون منذ الخامسة والخمسين أن يستمروا في العطاء إلى السبعين؟ إنها مفارقة صادمة بين منطق الحسابات الباردة وبين واقع جسد يئن من وطأة الشغل المضني والظروف الاجتماعية القاسية.
النقابات ترفض وتعتبرها حرباً على الشغيلة
لم تتأخر النقابات المغربية في رفع صوتها.. حيث وصف الاتحاد المغربي للشغل التوصية بأنها “إجهاز مباشر على الحقوق المكتسبة”، مؤكداً أن الدولة تسعى إلى ترحيل أزمة الصناديق إلى جيوب الأجراء، فيما شدد عبد القادر الزاير، الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، على أن “رفع سن التقاعد لا يمكن أن يكون حلاً في بلد يتجاوز فيه معدل البطالة 13%، وتصل فيه بطالة الشباب الحامل للشهادات إلى أكثر من 20%”.
البعد الاجتماعي والسياسي للأزمة
الأمر هنا لا يتعلق فقط بصناديق التقاعد، بل باستقرار اجتماعي قد يُهدد إذا تم تحويل المغرب إلى “ورشة مفتوحة للعمال المسنين”، كيف يمكن لشباب ينتظرون فرصة عمل منذ سنوات أن يجدوا مكاناً في سوق مشبعة بعجائز يجرّون أقدامهم في الإدارات والمعامل؟ وكيف يمكن لدولة ترفع شعار “الحماية الاجتماعية الشاملة” أن تدفع بمواطنيها إلى العمل حتى آخر رمق؟ إنها مفارقة صارخة بين شباب ينتظر دوره في طابور البطالة وشيوخ يجرّون أقدامهم في سوق شاحبة.
بين الأرقام الباردة والكرامة الإنسانية
ما يغفله التقرير الدولي أن تقاعد المغاربة ليس رفاهية بل حق مرتبط بالكرامة الإنسانية، فإذا كانت الدولة عاجزة عن إنقاذ صناديق التقاعد من أزماتها البنيوية، فالأجدر بها البحث في الاختلالات التي كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات حول سوء التدبير والاختلاسات، لا في أعمار الناس وأجسادهم.
إنها ليست مجرد سياسة مالية، بل وجه جديد للعبودية في زمن يُفترض أنه زمن الحقوق.، يبدو أن رفع سن التقاعد إلى 70 عاماً ليس إصلاحاً بل “تصديراً للأزمة” نحو المواطن البسيط، الذي يُطالب بأن يموت واقفاً على آلة المصنع أو وراء مكتب الإدارة.. إنها وصفة لتأجيج السخط الاجتماعي أكثر مما هي خطة لإنقاذ المالية العمومية، فالمغربي لا يحتاج إلى توصيات البنك الدولي بقدر ما يحتاج إلى دولة قادرة على ضمان حياة كريمة بعد عقود من العطاء.