الرئسيةثقافة وفنون

السينما المغربية تحقق 127.6 مليون درهم في 2024

تحرير: جيهان مشكور

أعلنت وزارة الثقافة، أن السينما المغربية حققت في 2024 إيرادات بلغت 127.6 مليون درهم (≈12.6 مليون دولار) مع أكثر من 2.18 مليون مشاهد، وهو أعلى مستوى تسجله القاعات خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، لا نعكس الأرقام مجرد تحسّن مؤقت، بل تبدو كقفزة نوعية بعد سنوات من التراجع والإغلاق الذي طاول عدداً كبيراً من القاعات على مدار العقدين السابقين.

عودة الجمهور: منازل للعرض أم شغف متجدد؟

تُظهر مقارنة السنوات الأخيرة أن 2024 تفصّلت بمعدل حضوري وإيرادات أعلى بكثير من السنوات القريبة؛ ففي 2023 كانت الإيرادات 89 مليون درهم مع 1.72 مليون مشاهد، و2022 سجلت 77 مليون درهم و1.4 مليون مشاهد، بينما بقيت 2021 سنة الجائحة بعيدة الأثر بإيرادات 33 مليون درهم وحضور 633 ألف فقط. هذا الانتعاش يشير إلى استعادة جزء مهم من ثقة الجمهور، وهو نتاج تلاقي عوامل: عودة النشاط الثقافي بعد الجائحة، جاذبية عروض محلية وربما أجنبية، وجهود إعادة تأهيل القاعات.

سياسات الدعم والبنية التحتية: خطة الحكومة تحت المجهر

تتباهى الحكومة بخطة لإنشاء قاعات جديدة وتجديد المغلقة، وبسن قانون جديد لتنظيم الصناعة السينمائية مع تركيز واضح على دعم الإنتاج الوطني وزيادة تواجده في القاعات. هذه الإجراءات، إذا ترافق تنفيذها مع آليات فعّالة للتمويل والتوزيع، قادرة على تحويل الارتفاع الحالي إلى مسار نمو مستدام. أما الخطر فموجود حين يقتصر الأمر على مقاربة قصيرة الأمد أو إجراءات بيروقراطية تُبطئ الانطلاقة.

الاستثمار الأجنبي: ثقة برقم قياسي ومخاطر الارتباط الخارجي

سجلت تدفقات استثمارية أجنبية قياسية بلغت 1.5 مليار درهم، ما يعكس ثقة خارجية بالبنية التحتية المغربية كموقع تصوير وفرص إنتاج. هذه الاستثمارات فتحت مجالات لفرص عمل وتعزيز السياحة السينمائية، خاصة في ورزازات التي استمرت في لعب دورها كعاصمة للتصوير في شمال إفريقيا. لكن الاعتماد الكبير على الاستثمارات الأجنبية يحمل في طياته تحديات: ضرورة الحفاظ على الحصة المحلية من الإنتاج، وضمان نقل معرفة حقيقية للقطاع الوطني، وإدارة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لبرامج التصوير الكبرى.

ورزازات نموذجا: بين السياحة والإنتاج

تركيز المشاريع في مناطق مثل ورزازات يؤكد قدرة المغرب على تقديم مواقع تصوير متنوعة وبنى لوجيستية مناسبة، ما يعزز الربط بين قطاع السينما والقطاع السياحي، فتعزيز هذه العلاقة يتطلب استراتيجيات تسويق سياحي-سينمائي وتكامل سياسات تدريب محلي وتسهيلات لوجستية وقانونية لجذب إنتاجات عالمية دون إهمال أولويات الإنتاج الوطني.

التحديات المقبلة: التوزيع، الجمهور الجديد والتنافس الرقمي

ورغم التفاؤل، يبقى الطريق محفوفاً بتحديات ملحوظة: قدرة القطاع على تحسين شبكات التوزيع الوطنية لتضمن وصول الإنتاج المحلي للجمهور، التعامل مع المنافسة المتنامية من منصات البث التي تغيّر سلوك المشاهدة، وضمان تجدد الجمهور عبر محتويات مبتكرة واستراتيجية تسويق فعّالة. كذلك، يستلزم الحفاظ على مكاسب 2024 برامج تدريب وسلاسل إمداد محلية (فنيين، تقنيين، خدمات ما بعد الإنتاج) تقلل الاعتماد على الموارد المستوردة.

خارطة طريق مقترحة للاستدامة

لتحويل نتائج 2024 إلى نهج دائم، يحتاج القطاع إلى مزج ما بين: استقرار تشريعي يدعم حقوق المنتجين والموزعين، حوافز مالية وتشجيع للاستثمار المحلي، آليات توزيع مرنة تتجاوز العاصمة وتخدم المدن المتوسطة والصغرى، وبرامج تكوين مهنية تسد فجوة اليد العاملة المؤهلة. كذلك، ينبغي تشجيع شراكات بين القطاعين العام والخاص والمهرجانات كمحركات لاكتشاف المواهب والترويج للإنتاج الوطني.

من إنعاش موسمي إلى استراتيجية وطنية

تضع أرقام 2024 السينما المغربية أمام فرصة تاريخية: تحويل انتعاش ملحوظ إلى بنية مؤسسية اقتصادية وثقافية قادرة على خلق قيمة مستمرة، فالنجاح لن يقاس فقط بالملايين المسجلة هذه السنة، بل بمدى قدرة الفاعلين على ترصيد المكاسب، و تنويع مصادر التمويل، وإرساء نظام بيئي سينمائي عربي-إفريقي قادر على المنافسة والإسهام في التنمية المحلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى