الرئسيةسياسة

اليماني: خلفيات حركة “جيل زد” وتقاطعاتها مع التاريخ الاجتماعي

في حوار خاص مع “دابا بريس”، فتح الفاعل النقابي والمنخرط في الحركات الاجتماعية، الحسين اليماني، النقاش حول ما بات يُعرف بـ”حركة الجيل زد“، وهي موجة احتجاجية خرجت في عدد من المدن المغربية للمطالبة بالحق في الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، فيما اختارت السلطات العمومية الرد بالمقاربة الأمنية، عبر المنع و توقيفات في صفوف المشتركين ..

حراك جديد… واستمرارية لمقاومة قديمة

اعتبر اليماني أن ما يحدث اليوم في الشارع المغربي ليس حدثاً معزولاً، بل امتداد طبيعي للحركية الاجتماعية التي عرفها المغرب عبر تاريخه، مشيراً إلى أن “البنية السياسية في البلاد قائمة على الضغط المستمر ومحاولة التحكم في الثروة من طرف لوبيات اقتصادية على حساب القوت اليومي للمغاربة”.

وأوضح أن المغرب عاش على مر العقود انفجارات اجتماعية متكررة كلما بلغ الضغط حدّه، مستحضراً انتفاضات 1981 و1990 وحراك الريف وجرادة وزاكورة، وصولاً إلى موجة الهجرة الجماعية خلال صيف 2024، والتي اعتبرها بدورها شكلاً من أشكال الاحتجاج الاجتماعي غير المعلن.

من الضغط إلى الانفجار الاجتماعي

وأكد اليماني أن المغرب يعيش اليوم “لحظة انتقال من مرحلة الضغط المتواصل إلى مرحلة الانفجار الاجتماعي”، مبرزاً أن المطالب المرفوعة لا تخص فقط فئة الشباب، بل تعبّر عن عمق الأزمة الاجتماعية التي تمس عموم المواطنين.

وقال في هذا السياق: “نحن نتحدث عن مطالب تتعلق بالصحة والتعليم ومحاربة الفساد والشغل والبطالة، وهي كلها قضايا تمس كل بيت مغربي، لكن الشباب يظلون الأكثر تضرراً بحكم انسداد الآفاق أمامهم رغم الأموال الطائلة التي صُرفت على هذه القطاعات”، مضيفاً أن الفساد هو الحلقة التي تقطع الصلة بين حجم الإنفاق العمومي وحقيقة أثره على الواقع المعيشي للمواطنين.

مفارقات التنمية وغياب العدالة في توزيع الثروة

انتقد اليماني المفارقة بين سرعة إنجاز المشاريع الكبرى في المغرب، مثل الملاعب والبنيات التحتية الضخمة، وبين البطء المزمن في إصلاح التعليم والصحة، معتبراً أن “المغاربة أصبحوا يرون أن أصواتهم لا تصل، وأن الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش أغلقت كل قنوات التواصل الحقيقي، مفضّلة الاكتفاء بالترويج لإنجازاتها في الإعلام العمومي والرقمي الذي أصبح موجهاً لخدمة صورتها فقط”.

مقارنة بين حركة 20 فبراير وحراك الجيل زاد

وعن أوجه التشابه والاختلاف بين حركة “الجيل زاد” وحركة 20 فبراير، أوضح اليماني أن سقف المطالب اليوم أقل من مطالب 2011 التي رفعت شعارات إصلاح دستوري وسياسي شامل، لكن في المقابل، فإن أزمة الثقة تفاقمت بسبب فشل الحكومات المتعاقبة في تنزيل تلك الإصلاحات.. وأشار إلى أن “الحكومات السابقة، خصوصاً حكومة بنكيران، كانت سبباً في تمرير قرارات قاسية تتعلق بتحرير الأسعار وخوصصة التعليم والصحة، وهو ما مهد الطريق أمام حكومة أخنوش لاستغلال هذه القوانين وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء”.

أزمة المسؤولية والمحاسبة في ظل غموض الصلاحيات

ودعا اليماني إلى إعادة قراءة الدستور المغربي من زاوية توزيع الاختصاصات بين مجلس الحكومة ومجلس الوزراء، مؤكداً أن “التداخل الحالي في الصلاحيات يجعل من الصعب ربط المسؤولية بالمحاسبة”، مضيفاً: “لا يمكن محاسبة من لا يُعرف بدقة ما إذا كان مسؤولاً فعلاً عن القرار”.

عنف متبادل واحتجاجات بلا قيادات

وفي ما يتعلق بالعنف الذي رافق بعض الاحتجاجات، شدد اليماني على رفضه التام لأي شكل من أشكال العنف، لكنه في المقابل أشار إلى أن بعض تدخلات القوات العمومية كانت “استفزازية”، وأدت إلى تفجر مواقف متشنجة.

وأضاف أن “المقلق في هذه الأحداث هو احتمال أن يُعتقل عدد من الشباب الأبرياء أو القاصرين ظلماً”، مشيراً إلى ضرورة التحري بدقة في قضايا الاعتقال.. كما تساءل عن استمرار اعتقال نشطاء حراك الريف رغم تشابه المطالب الاجتماعية بين الحركتين.

من القيادات إلى الحركات اللامركزية

رأى اليماني أن “الجيل الجديد من المحتجين اختار أسلوباً مختلفاً في التعبير عن مطالبه”، إذ لم تعد هناك قيادات أو تنظيمات تتحدث باسم المحتجين، وهو ما وصفه بـ”شكل جديد من أشكال التعبير الديمقراطي”، معتبراً أن الشباب اختاروا أن يكونوا صوتاً جماعياً موحداً لمطالب يعرفها الجميع،

وأوضح أن “هذا التحول في طبيعة الحركات الاحتجاجية جاء نتيجة تضييق السلطات على الحريات العامة وإضعاف الوسائط السياسية والاجتماعية التي كان يمكن أن تؤطر الحوار”.

أزمة الإرادة السياسية

وختم اليماني حواره بالتأكيد على أن مشكل المغرب لا يكمن في قلة الموارد، بل في غياب الإرادة السياسية، مستشهداً بسرعة إنجاز مشاريع ضخمة كالملاعب والسكك الحديدية مقابل تعثر إصلاح التعليم والصحة منذ عقود..

كما انتقد التعديل الحكومي الأخير الذي أتى – بحسب تعبيره – بوزراء “لا علاقة لهم بالقطاعات التي يشرفون عليها، سواء من حيث الكفاءة أو القدرة على التواصل”، معتبراً أن “الحكومة الحالية وُلدت فاقدة للشرعية الشعبية لأنها تجسد تضارب المصالح واستغلال السلطة لأغراض اقتصادية ضيقة”، مؤكدا على أن النقاش حول “حركة الجيل زاد” يتجاوز مجرد الاحتجاجات الميدانية، ليعكس عمق أزمة الثقة في المؤسسات، ويدق ناقوس الخطر حول مستقبل علاقة الشباب بالدولة في ظل تراجع الأمل واتساع الفجوة الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى