
الوضع المغربي بعد حراك جيل “زاي” يستحق نقاشاً أكثر جدية
°بقلم مصطفى مفتاح
منذ 27 شتنبر 2025، بادرت عدد من المواطنات وبادر عدد من المواطنين من الشباب، سموا أنفسهم جيل “زاي” المغرب بالفرنسية Gen Z 212 بحراك وطني جعلوا على رأس مطالبه: أولوية الصحة والتعليم والكرامة.
جيل “زي” طرح مطالب تهم كل المواطنات والمواطنين
بداهة، لم تطرح هذه المواطنات وهؤلاء المواطنون الشباب مطالب فئوية، تخصهم كمجموعة أو كشباب، بل مطالب تهم كل المواطنات والمواطنين،
بداهة أيضا، لم يحصر الداعون لحراك “جيل زاي المغربي” التحرك على فئة دون أخرى ولم ينشؤوا شرطة للتحقق من الأعمار، بل إن اختيار المطالب والصيغ، دعوة صريحة ذكية ومفهومة، لكي ينخرط معهم كل الذين واللواتي يهمهم ويهمهن وضع الصحة والتعليم في بلادنا ويتطلعون للكرامة في وطنهم.
بداهة، أيضا من الطبيعي أن يحتاط هؤلاء الشباب من محاولات الركوب “الانتهازي” على تحركهم، ومحاولات اختراق صفوفهم ومحاولات تخوينهم وتخويفهم وكل الأساليب التي يحسن استعمالها الوضع القائم الرافض لأي مساءلة أو اعتراض، وهي محاولات تطال كل من يعتبر نفسه معنيا ومنخرطا في النضال من أجل المطالب الوطنية التي يرفعونها.
هذا الحراك في جوهره سياسي يسائل الاختيارات السياسية للدولة المغربية
بداهة أيضا، فهذا الحراك في جوهره سياسي يسائل الاختيارات السياسية للدولة المغربية واختيارات مؤسساتها وكذلك سلوك باقي المؤسسات الحزبية والنقابية والإعلامية والمدنية. ولكنها مساءلة عملية تمتحن كل المغاربة، عن موقفهم وموقعهم في هذه الجولة الجديدة من نضال المغاربة من أجل حقوقهم الأساسية وفي العيش الكريم في وطن كريم.
ولقد تفاعل العديد مع هذه المساءلة من مثقفين ومقترحي إنشاء أحزاب ومحللين وحتى الحكومة وأحزابها والإعلام الرسمي الذي اكتشف أنه يمكن أن يشفى من لغة الخشب.
في هذا الإطار، أصدرت أحزاب اليسار وجمعيات ونقابات منفردة ومجتمعة، بلاغات التضامن ومساندة الحركة ومطالبها، واستنكار القمع الذي استهدف التظاهرات في المدن المغربية، كما بادر مجموعة من المواطنات والمواطنين، بتاريخ 8 أكتوبر 2025، بصياغة ونشر رسالة في الموضوع موجهة إلى ملك البلاد، تحت عنوان “حان وقت التحرك في العمق”، وبادر جزء تكلم باسم جبل “زاي” بتعميم وثيقة في الموضوع، وتطوع للنقاش كل من موقعه وحسب رأيه، عدد من المواطنات والمواطنين، يدلون بمقترحاتهم حول شكل الحوار المطلوب ومواضيعه وبعض صيغه، يذكر بعضهم بمقترحات سبق وأن عمموها منذ سنين، ويناشد البعض الآخر الشباب، باستحضار عظمة المغرب ونظامه منذ الاستقلال أو منذ بداية الألفية الثالثة….واستنكف آخرون عن الخوض العلني في المقترحات المطروحة.
وحظيت الرسالة المفتوحة المنشورة في 8 أكتوبر 2025 بتعامل خاص تميز باعتبارها:
- ركوبا غير مقبول على الحراك الشبابي واستنكار هذا الأمر؛
- تستبق حوارا وطنيا مطلوبا حول ما تعنيه وما يمكن أن توحي به مطالب الحراك؛
- تصعيداً غير مقبول وإقحاما لملك البلاد في القضايا المثارة.
قبل أن أعود لهذه الملاحظات وقد سبق أن أشرت لبعضها في نقاش رد فعل الصديق “يوسف اغويركات”، أشير إلى أن بعض ردود الأفعال دخلت في نقاش ومعارضة التفاضل اذي وضعه الشباب وأبرزه العديد من المغاربة منذ سنوات، بين توجيه استثمارات عمومية ضخمة جداً لمشاريع كبرى مثل الملاعب الكبرى عوض تخصيصها للمستشفيات العمومية والتعليم العمومي، معتبرة أن كل هذه الاستثمارات ستعود بالخير والنماء على المغرب والمغاربة…..أي أنها، ولو بدون رغبة منها تفاعلت مع ما طرحته الرسالة ويطرحه الشباب وعدد من المناضلين.
جيل “زي” طرح قضايا عامة تهم كل المغاربة
وبالعودة إلى المؤاخذات المتكررة الأخرى، وأولاها “تهمة” الركوب على حركة شباب “جيل زاي المغرب”، إضافة إلى أنها تهمة لا سند لها في الرسالة، إلا إذا حاكمنا نوايا أصحابها! فإنها تطرح أيضا مسألة التعامل مع كل الحراكات، فإذا كانت تهم قضايا عامة لكل المغاربة، فإن حق المغربيات والمغاربة في رفعها وإعادة صياغتها والدفاع عنها بأسمائهن وأسمائهم، حق غير قابل للتصرف أو لإذن أحد، والحال أن المطالب هي نفسها المطالب الجوهرية التي يرفعها المغاربة منذ 1956.
إضافة على أن التقاء المطالب الشبابية مع مطالب فئات أخرى يغني ويقوي النضال من أجل تحقيقها.
نقاش جارٍ ويجري دون إذن ولا طقوس ولا لجان
وثانيها مسألة استباق حوار وطني وسأعيد هنا ما قلته لصديقي “اغويركات”: ” الرسالة التي هي في الواقع مساهمة في “حوار وطني جامع” لكنها لم تحترم التقاليد المرعية، انها إسوة بمبادرة الشباب، التي لم تنتظر حتى تستدعيها “لجنة عليا أو موسعة أو تعددية مثل “لجنة تقرير الخمسينية” أو “لجنة النموذج الجديد للتنمية” أو غيرها من المنتديات المتزنة العاقلة التي لا غد لخلاصاتها و”توصياتها” ولم تساهم في حل معضلات البلاد المزمنة.” ولعل هذه خاصية أخرى ترى في كل قضية، الشكل التقليدي عوض الموضوع وتحاكمها على هذا الأساس.
لكن السؤال المطلوب هو: هل ساهمت هذه الرسالة في النقاش الذي يدور؟ وهو نقاش بالمناسبة، جارٍ ويجري، دون إذن ولا طقوس ولا لجان، سواء في الشارع والمقهى أومنتديات الفضاء الأزرق. وما تفاعُلُ منتقدي الرسالة إلا دليل آخر على أنها فعلا ساعدت على فتح الشهية للنقاش ودعت إليه دون شكليات.
الدستور الذي يحكنا لا يمنع مخاطبة أية مؤسسة من المؤسسات
وثالثهما التوجه المباشر لملك البلاد وأجيب عنه بأنه فاعل ومؤسسة قائمة لها، حضور يمكننا مناقشته ونص الدستور وهو القانون الأسمى الذي يحكمنا الآن، لا يمنع مخاطبة أية مؤسسة من المؤسسات، بالأسلوب الذي يجعلها واضحة تتوفر على الحد المطلوب من اللياقة والاحترام. بل إن أصحابها لهم الأمل في أن يتم “تلقي الرسالة كمبادرة مخلصة غايتها الدفع ببلادنا إلى الأمام، دون عتبٍ ولا إقصاء…وفتح الطريق نحو مصالحة حقيقة …تضمن لأطفالنا ما يهتفون به : كرامة، حرية، عدالة اجتماعية”.
هناك اعتراض أكثر جدية سأعود إليه في تدوينة لاحقة لم يعبر عنه بشكل علني ولكنه قائم هو تناقض المخاطبة في الرسالة مع مطلب “الملكية البرلمانية”.
طبعا لن أجيب على من يحفرون في أعراض الموقعات والموقعين وولاءاتهم الأجنبية وأجنداتهم المفترضة وغيرها.