
لهذا احتج الصحافيون/ات أمام البرلمان
تحرير: جيهان مشكور
في مشهد يختزل أزمة عميقة بين السلطة الرابعة ومن يفترض أن يحمي استقلالها، احتشد العشرات من الصحافيين والناشرين اليوم أمام البرلمان بشارع محمد الخامس بالرباط، في وقفة احتجاجية حملت أكثر من مجرد شعارات مهنية، بل صرخة وجودية ضد ما وصفوه بـ«محاولة تدجين المهنة وإخضاعها لوصاية السلطة التنفيذية».
جاءت الوقفة التي دعت إليها الهيئات النقابية والمهنية للصحافة والنشر، رفضاً لمشروع قانون جديد للمجلس الوطني للصحافة، وصفه المحتجون بأنه «مشروع تراجعي ينسف المكتسبات الديمقراطية التي راكمها الجسم الصحافي المغربي منذ عقود».
ففي الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون عن “تحديث الإطار القانوني للمهنة” ، يرى الصحافيون أن المشروع لا يعدو أن يكون غطاءً ناعماً لمحاولة إعادة هندسة المشهد الإعلامي تحت عين الحكومة وبإشرافها المباشر، بمعنى آخر على مقاس السلطة، لا على مقاس المهنة.
اللافتات تفضح عمق الجرح المهني
من بين الشعارات التي صدحت بها الحناجر:
«لا للمسّ بتمثيلية النقابات المهنية»،
«ضرب مبدأ الانتخاب هو ضرب للديمقراطية»،
وحتى نداءات من الهامش الإعلامي المهمل: «الصحافة الرياضية تحتضر، فهل من منقذ؟».
كانت الرسالة واضحة: الأزمة لم تعد فقط في النصوص القانونية، بل في التوجه العام الذي يسعى إلى تكميم ما تبقى من صوت حرّ داخل مهنة يفترض أنها حارسة للديمقراطية.
مشروع قانون أم مشروع وصاية؟
من جهتها شددت النقابات والهيئات المهنية المشاركة، و من بينها “النقابة الوطنية للصحافة المغربية” و”الفيدرالية المغربية لناشري الصحف” و”الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال”، على أن مشروع القانون الحكومي “يضرب في العمق فلسفة التنظيم الذاتي للمهنة” ، تلك الفلسفة التي تأسست على مبادئ “الانتخاب، التعددية، والتمثيلية”.
وأضافت أن تمرير هذا المشروع بصيغته الحالية سيحوّل المجلس الوطني للصحافة من مؤسسة مستقلة إلى” جهاز إداري تابع للسلطة التنفيذية” ، في تناقض صارخ مع روح الدستور الذي يقر بحرية التعبير واستقلال الإعلام.
من التنظيم الذاتي إلى التنظيم الوزاري
يبدو أن ما يُسمّى بـ«التنظيم الذاتي» بات مهدداً بأن يصبح «تنظيماً وزارياً» تحت غطاء «الإصلاح».
فالمشروع الجديد – بحسب المهنيين – تم إعداده في غياب أي “مقاربة تشاركية” ، حيث لم تُستشر فيه النقابات ولا الهيئات الممثلة للصحافيين، مما يثير تساؤلات حول نوايا الحكومة الحقيقية: هل تسعى فعلاً إلى تقوية المجلس الوطني أم إلى تحييده وإضعاف صوته الرقابي؟
بين خطاب الإصلاح وواقع السيطرة
المفارقة المؤلمة أن الحكومة ترفع شعار” تعزيز حرية الصحافة” بينما تدفع بقانون يفتح الباب أمام تعيينات غير منتخبة داخل المجلس الوطني، أي إلغاء الإرادة المهنية لصالح الوصاية السياسية.
وفي بلد تشير فيه تقارير “مراسلون بلا حدود” إلى تراجع ترتيب المغرب في مؤشر حرية الصحافة، من المرتبة “135 سنة 2022” إلى “144 سنة 2024” ، يبدو أن المشروع الجديد ليس سوى خطوة إضافية في مسار تضييق الخناق بدل توسيع الهامش، وفق ما ذكرت الهيئات المحتجة.
بالأرقام والواقع: مهنة على حافة الانهيار
وراء هذه المعركة القانونية تكمن أزمة أعمق، فبحسب أرقام رسمية صادرة عن وزارة الاتصال، يعيش أكثر من 60% من الصحافيين المغاربة في وضعية هشّة، بينما تُغلق العشرات من الصحف الورقية والإلكترونية أبوابها سنوياً بسبب تقلص الدعم العمومي وضعف الإيرادات الإعلانية وغياب استراتيجية وطنية واضحة للإعلام.. ليجد الصحافي نفسه بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان التضييق التنظيمي، ما يهدد بانقراض مهنة طالما اعتُبرت سلطة رابعة وضميراً جماعياً للمجتمع.
أما المجلس الوطني للصحافة نفسه، الذي يُفترض أن يكون ضمير المهنة، فقد عاش منذ تأسيسه في دوامة من التجاذبات، بسبب ضعف موارده واختلاف الرؤى حول صلاحياته، ما جعل أي تعديل قانوني يثير مخاوف من “تأميم” استقلاله بدل إنعاشه.
من أجل تنظيم ذاتي حرّ لا وصاية عليه
تحت شعار مركزي واحد: «جميعاً من أجل تنظيم ذاتي لمهنة الصحافة والنشر، مستقل، منتخب، وديمقراطي»، عبّر المحتجون عن رفضهم أن تتحول المهنة التي تراقب السلطة إلى مهنة تخضع لها.
ويتسأل المحتجون، هل يمكن الحديث عن صحافة مستقلة حين يُصاغ قانونها في كواليس الوزارات؟
وهل يمكن لبلد أن يبني ديمقراطيته على إعلام منزوع الدسم والجرأة؟
الجواب بدا واضحاً في ملامح الصحافيين الواقفين تحت شمس الرباط:
الكرامة قبل الكراسي، والاستقلالية قبل القرارات الجاهزة..
وإن كان مشروع القانون هذا “إصلاحاً”، فربما حان الوقت لنسأل: إصلاح من؟ ولصالح من؟