الرئسيةثقافة وفنون

جوني ديب يتصدر نسخته المظلمة من «ترنيمة عيد الميلاد»

يبدو أن السينما الهوليوودية على موعد مع محاولة لاستعادة واحدة من أكثر وجوهها إثارة للجدل: جوني ديب.. النجم الأميركي الذي شهدت مسيرته نجاحات كبيرة وانحداراً إعلامياً لاحقاً، على وشك أن يتبوأ مركز البطولة في إعادة تصوير لرواية تشارلز ديكنز الشهيرة «ترنيمة عيد الميلاد»، في عمل يحمل عنوانًا جديدًا «إبنزر: ترنيمة عيد الميلاد»، من إنتاج «باراماونت بيكتشرز» وإخراج تاي ويست.

الممثل العالمي جوني ديب

مشروعٌ يحمل وزناً مهنياً ورمزياً

تكتسب مشاركة ديب في هذا العمل بعدًا رمزيًا واضحًا.. إذ يأتي المشروع بعد سنوات من الإقصاء النسبي إثر الاتهامات التي طالت حياته الشخصية، وما تبعها من محاكمة تشهير علنية أثرت بشكل كبير في صورته أمام الجمهور والصناعة.

على مستوى مهني بحت، يمثل هذا العرض فرصة لاستعادة مكانته على شباك التذاكر وفي عيون النقاد، لكنه في الوقت نفسه مخاطرة لا تخلو من تحدّيات: الجمهور منقسم وتاريخ القضايا الشخصية يظل عاملًا مؤثرًا على التسويق وقبول الشاشات الكبرى.

بين الفضائح والمحاكم: سياق لا يمكن تجاهله

لا يمكن قراءة هذا المشروع بمعزل عن السجل العام الذي رافق ديب منذ اتهامات الإساءة العائلية التي أثارت جدلاً واسعاً، خاصة بعد مقال عام 2018 وما ترتب عليه من انعكاسات مهنية، وصولاً إلى محاكمة التشهير العلنية في 2022 التي قطعت مسارات واضحة في التعامل الإعلامي والجماهيري مع قضايا النجوم والخصوصية والمسؤولية.. لذا يحتمل أن يكون اختيار شخصية سكروج —التي تتقاطع سماتها مع موضوعات الذنب والاعتراف والتحول— خطوة متأنية ومحمّلة بدلالات إعادة بناء الصورة أكثر من كونها مجرد عمل فني تقليدي.

تاي ويست: دمج الرهبة النفسية مع التقاليد الديكنزية

اختيار المخرج تاي ويست ليرأس المشروع يضيف عنصرًا آخر من التعقيد: مخرج اشتهر بمعالجات سينمائية ذات بُعد نفسي مظلم في ثلاثيته المعاصرة.. هذا يقود إلى احتمالين لتوجه العمل الفني؛ إما الاحتفاظ بالدفء التقليدي للرواية مع لمسات بصرية معاصرة، أو تحويل القصة إلى قراءة أكثر قتامة وتركيزاً على الجوانب النفسية لسقوط سكروج وقيامه، فيما تشير المصادر المتداولة إلى أن الفيلم لا يزال في طور التطوير الفني، وأن نسخة ويست قد تدمج الشعور «الديكنزي» التقليدي مع عناصر توتر وغموض تناسب بصمته الإخراجية.

تشكيلة مثيرة للجدل على شباك الانتقادات والإعلام

هذا و يضيف انضمام الممثلة البريطانية أندريا رايزبورو إلى صفوف البطولة طبقة إعلامية إضافية: فهي ممثلة معروفة بأدوارها المركبة وبحضورها القوي في موسم الجوائز، لكنها أيضاً لم تخلُ مشاركاتها من جدل مؤثر على صورة الأعمال التي تشارك فيها.. بين محاكاة هذا التلاقي بين أسماء تثير الجدل —ديب ورايزبورو— يضمن للفيلم ضجة إعلامية مبكرة، وربما اهتمامًا مزدوجًا من ناحية المديح والنقد قبل بدء التصوير حتى.

توقيت تجاري واستراتيجية عرض واضحة

تهدف «باراماونت» وفق ما يرد في التداولات الأولية إلى وضع العمل ضمن موسم أعياد الميلاد، مع استهداف نوفمبر كموعد إطلاق يضمن الاستفادة من ذروة الطلب على الأعمال المرتبطة بالمناسبة، هذه الاستراتيجية التجارية منطقية: إعادة نسخ كلاسيكية عن موسم الاحتفالات غالبًا ما تحقق حصة سوقية مهمة، لكن نجاح مثل هذا التكتيك لا يعتمد فقط على توقيت العرض، بل على قدرة النسخة الجديدة على تقديم رؤى مميزة تجذب جمهورًا معاصرًا لا يكتفي بإعادة إنتاج محبب للتقليد.

مخاطر فنية وجماهيرية على الطريق

الرهان هنا متعدد المخاطر: أولاً، تحول النهج الإخراجي إلى ظلال قاتمة قد يبعد شريحة تقليدية من جمهور «ترنيمة عيد الميلاد» الباحثة عن دفء القصة وروحانياتها.

ثانياً، الضجة المحيطة ببطلي العمل قد تعمل كسيف ذي حدين: تسهم في تسويق واسع لكن قد تصرف الانتباه عن القيمة الفنية للفيلم وتربطه بالمزاج العام حول حياة نجميه.

ثالثاً، نجاح إعادة تأهيل صورة ممثل في نظر الجمهور لا يتحقق فقط عبر أداء واحد، بل عبر سلسلة أعمال وصورة متسقة، لذلك فإن رهان ديب على هذا العمل وحده قد لا يكفي لإعادة مكانته بالكامل.

ماذا يعني الدور لديب؟

من الناحية الدرامية، يسمح دور سكروج لديب بالغوص في رحلة داخلية تتيح للممثل مزاحمة الظلال الداخلية للشخصية: الندم، الذنب، الذاكرة، ثم الفداء. ومن زاوية رمزية، قد يرى البعض في أداء ديب محاولة لتطهير الصورة العامة أو على الأقل لإثبات قدرته على التقمص المسرحي العميق.. سواء نجح المشروع في تحقيق ذلك أم لم يفلح، سيبقى اختبار الجمهور والنقاد هو الفيصل في تحديد ما إذا كانت هذه «عودة» حقيقية أم خطوة واحدة في مسار أطول لإعادة البناء المهني.

بين الجرأة والاحتياط

إعادة تصوير أي عمل كلاسيكي تحمل معها مسؤولية تاريخية وثقافية، لكن عندما يلتقي هذا التقليد برغبة صناعية في «إعادة تأهيل» نجم مثير للجدل، تصبح المهمة أعقد، «إبنزر: ترنيمة عيد الميلاد» الذي يقوده تاي ويست وبطولة جوني ديب وأندريا رايزبورو، ليس مجرد فيلم قادم إلى موسم الأعياد —بل تجربة سينمائية واختبارًا اجتماعياً لمدى استعداد الجمهور وقطاع الإنتاج لمنح فرصة ثانية لوجه سينمائي طالته العواصف.

فالسينما، كما يعرفها المتابعون، تختبر دوماً قدرة الفن على التغيير؛ وهنا سيُقاس قدر ذلك على شاشة كبيرة، أمام نقد وتوقعات لن تكون رحيمة أو متساهلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى