نقاش دستوري هادئ .. المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان في ميزان دستور 2011
قبل البدء
أتذكر عندما استدعتني اللجنة المكلفة باعداد الدستور تحت رئاسة الأستاذ عبد اللطيف الماموني، من أجل الاستماع إلي حول مقترحاتي بخصوص الدستور القادم للمملكة، وقد ارتكزت مداخلتي (ولازلنا في زمن الانتظار نشر التسجيلات الصوتية والسمعية البصرية، والاعمال التحضيرية لهذه اللجنة)، والتي دامت 45 دقيقة، على ثلاث مستويات، ملاحظات أولوية عبارة عن قراءات سياسية لمغرب ما قبل 2011، وتحليل دستور 1996، وأخيرا تقديم مقترحات تعديلات.
ومن الملاحظات التي قدمت، إحداها تتعلق بتعيين محجوب الهيبة مندوب وزاري مكلف بحقوق الانسان بظهير ملكي، وإنشاء المندوبية بمقتضى مرسوم، فركزت مداخلتي على أننا أمام ثلاث مجالات، إما أننا أمام تعيين وزير في حكومة عباس الفاسي وبالتالي يقتضي تعديل حكومي بما يقتضيه الفصل 24 من دستور 1996، أو أننا أمام إنشاء مؤسسة معنية بحقوق الانسان وبالتالي ضرورة إصدار قانون خاص بها، أو أننا أمام إدارة تابعة للوزير الأول مما يحتم أن يكون التعيين بمرسوم وليس ظهير، ولكن إنشاء مندوبية بمقتضى مرسوم وتعيين رئيسها بظهير بمقتضى الفصل 19 من الدستور، فإن خلل ما هنا.
الامر الذي أدى بي إلى استنتاج أن الفصل 19 من الدستور، يجب تعديله، لانه فصل سامي وعالي على باقي مقتضيات الدستور وعلى باقي القوانين، فبناء عليه يمكن للملك أن يعين متى شاء ومن شاء وكيفما شاء، كما أنه بناء عليه يمكن أن يشرع متى شاء وكيفما شاء، فكان مقترحي أن يتم تقسيم الفصل 19 إلى فصلين، فصل خاص بالملك كأمير المؤمنين يمارس به اختصاصات دينية حصرية ولا علاقة له بالمجال المدني، وفصل خاص بالملك كرئيس الدولة يمارس اختصاصاته بناء على ما خوله له الدستور صراحة ذلك.
وكما قلت ننتظر نشر الاعمال التحضيرية ونشر المداخلات، فقد كان من بين الحضور من قال أشياء مناقضة تماما لما يقوله في الشارع العام.
عود على بدء
نشر في الجريدة الرسمية عدد 6735 بتاريخ 17 دجنبر 2018، ثلاث ظهائر تعيين، الأول يتعلق بتعيين أحمد رضى الشامي رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والثاني بتعيين أمينة بوعياش رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الانسان، والثالث بتعيين أحمد شوقي بنيوب مندوبا وزاريا مكلفا بحقوق الانسان.
الظهائر الثلاث يلاحظ أنها لا تحمل أي إحالة دستورية أو قانونية باستثناء رقم الظهير وتاريخه، رغم أن القوانين المنظمة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الوطني لحقوق الانسان تنص صراحة على تعيين الملك لرئيسي هذه المؤسستين، مما اقتضى والحال الإحالة على مواد الدستور وأيضا على مواد القوانين.
وتبقى الملاحظة المركزية في المقالة هاته، وهي تعيين شوقي بنيوب مندوبا وزاريا، مما يعيد النقاش الذي سبق طرحه مع محجوب الهيبة ما قبل دستور 2011، يعاد من جديد.
بالعودة إلى دستور 2011، فإن اختصاصات الملك أصبحت محصورة صراحة بما يخوله له الدستور نفسه بمقتضى الفصل 42 منه “يمارس الملك ھذه المهام، بمقتضى ظھائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور.”
والدستور أعطى للملك التعيين في ثلاث حالات:
الأولى: المنصوص عليها صراحة بمقتضى الدستور، تعيين رئيس الحكومة والوزراء بناء على الفصل 47، التعيين في الوظائف العسكرية (الفصل 51)، تعيين السفراء (الفصل 55) ويوافق على تعيين القضاة بظهير (الفصل 57)…
الثانية: التعيين في المؤسسات الدستورية التي نصت قانونها على ذلك.
وأخيرا: التعيين في المناصب السامية، وفق القانون التنظيمي رقم 02.12 ، المعدل والمتمم بالقوانين: القانون التنظيمي رقم 12.14، القانون التنظيمي رقم 23.16، القانون التنظيمي رقم 21.17.
فمن خلال الصلاحيات المخولة صراحة للملك بمقتضى الدستور، يطرح سؤال حول السند الدستوري والقانوني لتعيين السيد أحمد شوقي بنيوب بمقتضى ظهير رقم 1.18.102؟
فالمندوب الوزاري المكلف بحقوق الانسان، لا ينتمي للجهاز الحكومي وبالتالي عدم تفعيل الفصل 47 من الدستور عليه، كما أنه لا يمثل مؤسسة دستورية أو وطنية، وإنما تشتغل المندوبية بمقتضى مرسوم رقم 2.11.150، الذي نص على اختصاصات الكاتب العام ولم يذكر بالمطلق صفة المندوب الوزاري.
وأخيرا، فإن المندوبية غير خاضعة لمقتضيات القانون التنظيمي للتعيين في المناصب السامية بالتعيين بعد التداول في المجلس الوزاري باقتراح من رئيس الحكومة وباقتراح من الوزير المعني، كما أنه غير مدرج في الملحق الأول من لائحة المؤسسات والمقاولات الاستراتيجية والعمومية المنصوص عليها في القوانين ذات الصلة.
فهل عاد الفصل 19 السابق بصيغ جديدة غير مرئية، تعيين مندوب وزاري، اصدار قرار تقاعد بنكيران بناء على توجيهات ملكية، إصدار قرار مشترك بين وزير التربية الوطنية ووزير المالية بخصوص تعاقد رجال التعليم بناء أيضا على توجهات وجهات ملكية؟؟؟!!!!!