مجتمع

” الرقابة والعقاب”.. أو الأحكام في حق نشطاء الريف استفزت الرأي العام بدل أن تردعه..

لا يمكنني  الخوض مباشرة في ” قراءة” القرار بتأييد الحكم الصادر ضد مناضلي الريف قبل التماس تبرير من مبدع الكتاب بنفس العنوان” ميشيل فوكو”. فهو إذ سلط الضوء الفلسفي  على السياسات الجنائية لفرنسا قبل الثورة ليس فقط بحافز إعادة كتابة تاريخ قطاعي فظيع،  وإنما أيضا  لإعادة توجيه الوعي الفلسفي نحو المناطق المغمورة  التي تعج بالألم الإنساني .. وأبرزها سياسة العقاب .. أزعم أني أتحرك ضمن نفس الأفق وإن تعلق الأمر بفضاء تاريخي مختلف  لا زال حيا بين ظهرانينا  حتى لو  اعتبره  فوكو قصة  فظيعة من الماضي…

وأهم من يسعى إلى قراءة القرار بخلفية قانونية  /مهنية  بالاحتكام إلى هذا النص القانوني أو ذاك  والبحث في مدى مطابقته لوقائع النازلة.. وذلك لانعدام الركن المعنوي  أصلا فالحراك بالريف حركته حوافز تنمية منطقته وتأهيلها اقتصاديا واجتماعيا وهو حافز لا يمكن تصنيفه جرميا، وإن تخللت مجرياته أفعال بلطجية يجهل مصدرها،  أو في الأقل حصيلة نفسية لسياسة التهميش يفترض أن تكون الدولة أو بالأصح من يدبرها مسؤولا معنويا  عنها، أي مشاركا فيها.

كان يفترض من عدالة حقيقية أن تبحث تمهيديا  عن  مرتكبي أفعال التخريب وتقديمهم للمحاكمة بهذه الصفة، لا أن تجعل منها مبررا لمحاكمة المناضلين السلميين واعتبارهم مسؤولين معنويا عما حدث من تخريب… وأما بخصوص الخطب والتصريحات الصادرة عن بعض متزعمي الحراك، فالفصل 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي صادقت عليها الدولة المغربية تضمنها وتحميها،  وبالتالي لا يمكن أن تكون مسوغا ” مسكوت عنه ” للمتابعة والإدانة.

المهم من هذا القوس الحقوقي هو أن ” الإله الخفي ” الذي ألهم القرار القضائي يمكن أن يكون كل شيء إلا القانون . لست ممن يذهب إلى أن القرار مبني على تعليمات لان الأمر يتعلق بنظام متكامل تتوافق أجنحته الواعية بمصلحتها في قراءة الحدث وتتويجه بما يحمي مصالحها .. استقلال القضاء هو خرافة ليبرالية تخفي الطابع الطبقي لمن يسيطر على أجهزة الدولة.

لنعد بعض هذه التوضيحات المنهجية إلى منطوق الإدانة.. وما تعنيه عشرون سنة من السجن النافذ،  علما أن باقي مدد المحكوميات هي من أجل التأثيت القضائي، فما يهم هو الدرجة القصوى من جميع الظواهر .

لعل المتتبع لاحظ أن الأحكام استفزت الرأي العام ..بدل أن تردعه . لم يسبق أن خرجت تظاهرات وطنية وجهوية  ضد أحكام قضائية  إلا في هذه النازلة ..هل معنى ذلك أنها مسيسة كما يطيب للبعض أن يتهم ؟ إذا كان المقصود بالتسيييس أن المتضررين يحتجون سلميا للفت انتباه من يباشرون تسيير وتخطيط مصالح الشعب ..فهو كذلك وهو يعني أيضا أن المدرسة السياسية التي تقوم على النضال السلمي بالاحتجاج والتظاهر قد نجحت في إقناع المعنيين برؤيتها، وبالتالي فالمحاكمة والإدانة لم تطل  الفاعلين المباشرين فقط وإنما مست أيضا توجها سياسيا يعمل في إطار المشروعية لكنه يحصد الإدانات الفلكية .

كل مدرسة النضال الديمقراطي السلمي مدانة بهذه الأحكام علما أن بعض المدانين بالإرهاب لم تتجاوز محكوميتهم أصابع اليد الواحدة أو أقل .

لكن ما دلالة عشرون سنة من السجن النافذ ؟ بغض النظر عما تحتمله هذه الأحكام من تصحيح  سياسي مباشر،  فإن المدة تعني  أن النظام غير مستعد لفتح النقاش حول القضايا  التي حركت النضال بالريف قبل عشرين سنة من الآن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى