رأي/ كرونيكسياسة

ملاحظات تفاعلية مع مسودة عناصر استراتيجية الحد من الإفلات من العقاب *

مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للدمقراطية والامن
في سياق التشخيص  لا مناص من التأكيد على أن تداخل مجالات السياسة والقانون وحقوق الانسان، جعل قضية الإفلات من  العقاب تأخذ طابعا ممنهجا. الأمر الذي جعل تسوية الانتهاكات خارج المؤسسة القضائية، وهو ما يبرر  طبيعة القرارات التأسيسية لهيئة التحكيم المستقلة، مع استثناء طفيف  للتوفيق  الذي اعتمدته هيأة الإنصاف والمصالحة التي  منعت إثارة المسؤولية الفردية ولكن أوصت باستراتيجية الحد من الإفلات من العقاب  .

في باب التوطئة:  مقاربة الموضوع من زاوية إرساء ضمانات عدم التكرار،  أي النظر  استباقيا واستشرافيا إلى المستقبل،  ولكن  التمييز المنهجي المفترض بين  مطلب مساءلة  انتهاكات  الماضي  وخروقاته  وبين مطلب  وضع استراتيجية  الحد من العقاب، لا يعني  سوى  أن عدم إثارة المسؤوليات الفردية، خلال فترة اشتغال هيأة الإنصاف والمصالحة كلجنة للحقيقة،  لم  يكن إلا بهدف  ونية  تمكين  بعض المتورطين  المفترضين  من فرصة  للتعاون،  في مجال  تقديم  المعطيات المفيدة  لبلوغ  الحقيقة، التي من شأنها الكشف عن مصير  حالات الاختفاء القسري، وإنقاد حيوات مجهولي المصير، وذلك مقابل  الاستفادة من أعذار مخففة  أو أسباب للتبرير، أو الصفح أو العفو، حسب كل حالة .

ومن  باب الاستنتاج الأولي  تجدر الإشارة إلى أن  العمل على تحسيس  موظفي الدولة،  في مجال إنفاذ القانون واستثباب الأمن، يرسخ لدى الجميع  بأن حفظ النظام  العام و تكريس هيبة الدولة  لا يمكن أن يتم  إطلاقا  على حساب المغالاة في التمسك بالمصلحة  العامة،  لأن هيبة الدولة من هيبة القانون  وسيادته، من هنا أهمية  إعادة النظر في مفهوم النظام العام،  الذي لم يعد يواكب  التحولات العالمية في مجال حقوق الإنسان،  ولم يعد  مجديا  ربط مفهوم سلطة الدولة بالنظام العام بل يقتضي الأمر  ربط هيبة الدولة وقوة سلطتها  العمومية  بمدى حرية المجتمع، التي تضمنها في منأى عن تعسف وشطط موظفيها  كامتداد  لسلطتها؛ فرغم أن الدولة والأجهزة القيادية الأمنية نجحت في امتحان  التحرر من  اتهام الماضي، حيث لم تعد بالضرورة كل الانحرافات دولتية وتبعا كل المسؤوليات عنها مرفقية؛ بل أغلبها شخصية؛ والاعتقاد  بان من شان تعسف الموظفين وبطشهم تقوية وتعزيز موقعهم داخل هرم السلطة بعلة أن امتياز السلطة يمر عبرهم، وبالتالي وجب الوعي بان انتهاك الحقوق الإنسانية يعدا إجراما جسيما يسقط الحق في الحماية أو الحصانة .

ولابد من التذكير أنه بالنسبة للمرجعية  ينص الدستور المغربي في  الفصل 6  على مايلي : “
القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة. ليس للقانون أثر رجعي “.
وكخلاصة اساسية : لا يمكن فصل الاستراتيجية عن مطلب دمقرطة السياسات العمومية في مجال الأمن، وعن مطلب الحكامة الأمنية، من جهة، ومن جهة ثانية  ينبغي التركيز على عدم  تقادم  الجرائم  وعدم رجعية القانون فيها: ترسيخ استقلالية القضاء كسلطة  متحررة من  تمثلات الماضي، ومتصالحة مع المجتمع ومع أدوارها  الدستورية الجديدة، باعتبارها حامية لنظام المشروعية في تاريخ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان .
لكن كيف يمكن تفعيل هذه الاستراتيجية دون المصالحة مع المكلفين بالأمن وإنفاذ القانون ؟ خاصة القضاة المطلوب منهم ليس فقط تطبيق القانون،  ولكن  قوله والتكلم به بعد تمثله، ولا مصالحة دون حوار، وبذلك   فلا  روح  للإصلاح دون  تقويم منهج الحوار، لأن المدخل  هو هذا، تواصلنا المعرفي  المؤكد لرباطنا مع القضاة  والسلطة القضائية.

من هنا وجب التأكيد على أن  علاقتنا مع القضاة والقاضيات علاقة موضوعية ودستورية، لن تكون زبونية بتاتا، قد تتعمق إنسانيا،  واكن دون نزوات مصالحية، والعلاقة امتداد للعلاقة مع القضاء، كسلطة مستقلة عنا وعن السلطات الدستورية الأخرى، كما نحن مستقلين عنها كمحامين وحقوقيين، ولا اعتقد أن التفكير في تفعيل مبدأ الاستقلالية قد استنفذ وقته في التأمل  الفردي وبالأحرى التداول الجماعي، والعقل الجمعي  لأهل  البت والإنصاف، وصناعة الحقيقة القضائية،  منزه عن العبث وبريء من الوحي أو الإيحاء، ولا يعقل أن يفتح، مجرد مبادرة   متسرعة   بنفحة سياسية، باب السجال غير المنتج للحقيقة الوطنية.
  فلكل مقال مقام ولكل مقام مقال، فالقاضي مواطن، والقضاء رسالة تكليف وتشريف، وكالة وتوكيلا،  كما القوة العمومية، هما في ملك المواطنين يفوضونها  دستوريا، عبر الاستفتاء إلى  المؤسسات المختصة، ووفق إرادة الأمة، مما يستدعي عدم السقوط في فخ التوظيف السياسي أو المذهبي،  والاستعمال والسخرة، هذه روح مبدأ الاستقلالية، استقلالية وظيفية ونسبية، لأن معركة الجميع هي مناهضة الظلم  والشطط، في أفق إقرار العدل، والتمهيد لها بتصالح  السلطات والمؤسسات مع  المجتمع ومع نفسها والقانون.
  سيعاني المشهد الحقوقي من كثير من  الانفلاتات العابرة، ثمنا لأي تمرين ديمقراطي  ولأن خير  الخاطئين التوابون، مادام الخطأ  في الممارسة، وليس في المبدأ، ولينطلق ورش  استكمال ورش الإصلاح المؤسساتي، في زمن إسهال انتقال الانتقالات، وليس يقابل الحرية  سوى الحق .

* ملاحظات مصطفى المنوزي  على هامش ورشة منتدى الحقيقة والإنصاف  .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى