كاميرا خفية توقع بسياسيين تونسيين وتثير أسئلة أخلاقية
أثار برنامج الكاميرا الخفية “شالوم” موجة انتقادات واسعة وغضباً سبق البدء في بثه أول أمس، وبلغ أوجه أمس إثر عرض حلقته الثانية التي تم فيها “الإيقاع” برئيس حركة “وفاء” المنشق عن حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية” في 2012، عبد الرؤوف العيادي.
وتقوم فكرة الكاميرا الخفية على دعوة سياسي أو رياضي أو فنان ليجد نفسه في مواجهة عرض مالي مغر ووعد بالدعم من أجل إقامة حفلات في “إسرائيل” أو دعمها في فتح سفارة لها في تونس، مستعينة في ذلك بممثلين يؤدون دور حاخام وسفيرة.
تقوم فكرة الكاميرا الخفية على دعوة سياسي أو رياضي أو فنان ومواجهته بعرض مالي لإقامة حفلات في “إسرائيل”
عرض البرنامج على إحدى القنوات الخاصة، ولكنها رفضت بثه، ولما تحدث معده وليد الزريبي عن ضغوطات تمارس على الفريق للتراجع عن بثه، أصدرت القناة بياناً أكدت فيه أنّ البرنامج أقل من الجودة المطلوبة، فالتجأ المنتج إلى قناة خاصة أخرى شرعت في بثه ليلة أول أمس بحلقة كان بطلها المدرب مختار التليلي الذي قبل عرض تدريب إحدى الفرق الإسرائيلية شرط الإقامة في رام الله قبل أن يكتشف وقوعه في فخ، في حين عرضت الحلقة الثانية ليلة أمس ووقع في شراكها السياسي المعروف عبد الرؤوف العيادي الذي يعرف بتصريحاته ومواقفه المعادية للكيان الإسرائيلي وللموساد الذي يؤكد في كل مرة أنه اخترق تونس.
ترفيه أم ذبح معنوي؟
الكاتبة والباحثة التونسية آمنة الرميلي دونت على صفحتها على “فيسبوك” تأصيلاً لمفهوم الكاميرا الخفية والغاية منها قائلة: “الكاميرا الخفية” في بعدها الفني شكل تعبيري مشهدي قوامه “الفخّ” أو “الحيلة” وهدفه الإضحاك والترفيه ولا شيء غيرهما. يبنى الفخّ على “سوء الفهم” ما بين طرفين هما “متحيّل” تتواطأ معه عين الكاميرا و”متحيّل عليه” لا علم له بالتواطؤ القائم بين المتحيّل وكاميراه. وقد يكون الفخّ بسيطاً جدّاً لا يتجاوز حركة أو كلمة، وقد يكون مركّباً يتطلّب ديكوراً وممثّلين”.
وبينت الرميلي شروطاً ينبغي أن تحترم فيها كرامة الموقع بهم، من دون إلحاق إساءة بهم: “إذ ليست الغاية من الكاميرا الخفية غير أخذ الجمهور إلى لحظة من التلقائية والصفاء الروحي تترجمها الضحكة الجماعية أمام التلفزة. وأمّا أن تصبح “الكاميرا الخفية” وسيلة للتشويه والذّبح المعنوي وتصفية الحسابات السياسية والأيديولوجية فهي لعبة قذرة”.
إعلام فقد البوصلة!
من جهتها، استهجنت الكاتبة والباحثة والمناضلة النسوية التونسية رجاء بن سلامة برنامج الكاميرا الخفية، موجهة انتقاداً لاذعاً لقطاع من الإعلام ترى أنه “فقد البوصلة”. فكتبت تدوينة تتساءل فيها: “إلى أين سنصل بالإثارة؟ إلى أين سنصل بإعلام التّلاعب بالنّفوس والعقول؟ ليست هناك أخلاقيات وحدود حمراء يقف عندها الإعلام؟ ما معنى كاميرا خفيّة لا يقصد منها الإضحاك، بل المحاصرة والإغراء والهرسلة والشّيطنة؟ من الذي تورّط؟ وهل من حقّ الإعلاميين أن ينشروا فيديو بدون موافقة المتكلّم فيه؟ وما الذي يثبته فيديو رؤوف العيّادي مثلاً؟ ألا يمكن أن يكون فعلاً قد خاف وأراد أن يجامل “الطّرف الإسرائيليّ” لينجو بنفسه؟ وبأي حقّ يستعمل السلاح في سيناريو كهذا؟”.
وأضافت بن سلامة: “هذا الإعلام هو المتورّط. ومتورّط في السّينيزم أوّلاً وقبل كلّ شيء. لا أعمّم، ولكن هناك إعلام فقد البوصلة وفقد احترام البشر، ونسي نفسه ووظيفته”.
الصهيونية التونسية
وأما الباحث التونسي صالح مولى فقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، معتبراً أن هذه الكاميرا الخفية هي “منتوج صهيوني” يقتضي التصدي له. وكتب: “ساقني حب الاطلاع إلى متابعة حلقة “شالوم” المخصصة للعيادي. ما خرجت به دون اجتهاد كبير أن هذا المنتوج لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالكاميرا الخفية ذات المقصد الهزلي الضاحك المعروف في كل بلاد الدنيا”.
وتابع: “هذا منتوج صهيوني بامتياز، والواجب الوطني والقومي والإسلامي والإنساني يقضي بضرورة التصدي له بكل الوسائل. وأما العيادي.. فما عرفته”.
إستراتيجية مشبوهة
الباحث التونسي ووزير الثقافة الأسبق مهدي مبروك اعتبر أيضاً أنّ في البرنامج “إستراتيجية مشبوهة”، وأكد أنّ “خلط الحابل بالنابل في لعبة الكاميرا الخفية وجعل الكل في خانة واحدة إستراتيجية مشبوهة لتشويه الفرز الحقيقي الذي صاغته التجارب التاريخية ومسارات المقاومة الفردية والجماعية إبان زمن القمع وبعده”.
وأضاف: “أختلف مع سي عبد الرؤوف في مواقف عدة، أما أن يتم تشويهه والتحامل عليه فهذا أمر لا يليق. لا تبحثوا عن المطبعين في الكاميرا الخفية بل فقط تذكروا تبجحهم بذلك وهم يرددون أن زيارتهم الكيان الإسرائيلي مفخرة: إعلاميون وفنانون وأكاديميون يطلون علينا يومياً في قنوات إعلامنا بوجوه وأسماء مكشوفة”.
التوظيف الإخواني
وحال بروز الجدل حول البرنامج إلى العلن تلقفته بعض القنوات الإخوانية العربية التي تداولت الخبر وعزفت على وتر “خيانة العرب” وتطبيعهم مع إسرائيل. وقال هشام عبد الله الذي يعمل ضمن الفريق الأساسي لقناة “الشرق” الفضائية الإخوانية التي تبث من تركيا: “شالوم ساهم في كشف بعض السياسيين والرياضيين والكشف عن نفاقهم ومدى تطبيعهم مع الكيان الإسرائيلي”.
وعرضت “الشرق” شراء برنامج “شالوم” المثير للجدل على خلفية الحديث عن خلافات بين المنتج وإحدى القنوات التونسية الخاصة التي رفضت عرضه.
المصدر: عيسى كاتب وباحث وإعلامي تونسي المقال منشور ب الموقع الإعلامي حقريات