طرائف المعتقلين السياسيين… فاطنة البويه “حين علمنا الشمالية تهصر بالعروبية وتغني “شاليني يا بابا”
هم أصحاب مواقف معارضة، قادتهم إلى غياهب المعتقلات السرية، المعروفة منها والمجهولة العنوان.. سياسيون أمضوا سنوات طوال خلف الأسوار والأبواب الموصدة في زمن الجمر والرصاص.. قاوموا العزلة وبرودة السجن، وحاولوا النجاة بإرادتهم من أجواء المعتقل بعدما خلقوا أجواء من الفرح من عمق الألموالتوتر والقلق والكآبة والخوف.. منهم من قضى في السجن، ومنهم من غادر أسواره بأعطاب نفسية عميقة، أضحت لحظات الألم فيها الآن، أو عند كل استدراج للذاكرة عنوانا للتفكر من المرحلة وثقل المرحلة.
في هذه الفسحة، ثمة طرائف للمعتقلين السياسيين، جديرة بأن تُروى، تمكنوا من خلال عفويتها ومواقفها وصناعتها أحيانا، التحرر من قسوة المكان وسطوة السجان.. تعيد “دابا بريس” نشر مروياتهم، التي حكوها ذات ليال رمضانية، للزميلة “هدى سحلي”
ومن بين هؤلاء المعتقلة السابقة فاطنة البويه ، فتحكي مثل كثيرين هنا، كيف انتصرت بمعية زملائها وزميلاتها على ظلمة الزنزانة وتعذيب السجان بسلاح السخرية وصناعة الطرائف المنقوعة من كوميديا المواقف.
المعتقلة السياسية السابقة: فاطنة البويه 2/2
حين علمنا الشمالية تهصر بالعروبية وتغني “شاليني يا بابا”
حين سألنا فاطنة لماذا أخبرت السجانين عن مكان المشط، وعي تعرف مسبقا أنه لم يكن من المفروض أن تعرف ما يحدث داخل الدرب، قالت إنه لم يكن ممكنا السكوت “لأنهم غادي يقولو المشطة داوها المعتقلين اذن غادي يديرو بها شي حاجة، حيت هما محيدين ليهم كلشي، اذن هاديك المشطة غادي تولي مصدر للخطر، فباش نفك الناس من العصا، قلت فين كاينة وكليت أنا العصا”.
وكما “تسلخت فاطنة” في هذا الموقف، جرت على نفسها “سلخة أخرى” بعد أن غسلت يديها في المكان الدي تجلس به بكولوار الدرب، تقول صاحبة “الراس القاسح” في الدرب كنا إذا أردنا الغسل ننادي الحاج، لكن أنا كنت أرفض مناداة السجان بـ”الحاج” فكنت حين أحتاج لشيء أنتظر مروره بمحاذاتي وأصدر صوتا بأصابع يدي، حتة ينتبه إلي، وبما أنه لم يستجب السجان لندائي، غسلت في مكاني، وكليت سلخة أخرى ثاني”.
بقيت فاطنة البويه تنقّل من سجن إلى آخر ثلاثة سنوات، قبل أن تبدأ محاكمتها، حيث صدر الحكم عليها بالسجن خمسة سنوات بتهمة التآمر على أمن الدولة والانتماء إلى منظمة سرية وتوزيع منشورات ممنوعة، ومن الطرائف التي تذكرها فاطنة أثناء المحاكمة، مرافعة محاميها، حين أمسك بيدها وكانت نحيفة، موجها خطابه للقاضي: هل هذه اليد النحيفة.. هل هذه الذراع يمكنها أن تمس الأمن الداخلي لدولة بكاملها؟ وهو الأمر الذي كان باعثا للسخرية والضحك من هكذا محاكمات.
في سجن مكناس، تذكر فاطنة، كيف تحولت هويتها إلى اسم رجولي ورقم “رشيد رقم45″،حتى أن سجينات الحق العام، كن يعتقدن أن السجينات المضروب عليهم الحصار رجال، وكانت ترفض محو هويتها، كامرأة وكمعتقلة سياسية، في وقت قلما تسمع فيه عن امرأة تمارس السياسة، لكن الخوف من القهر والتعذيب الذي أنهكها مسبقا في السنوات التي قضتها مختطفة، جعلها تتعلم أن تكون رشيد وأن تكون رقم 45، حتى لا تجلب على نفسها وبالا رهيبا، لكن بالمقابل حرصت أن تبرز الأنثى فيها، وأن تهتم بنظافتها وأناقتها، فكانت حريصة على الاستحمام ووضع الكريمات وكل ما من شأنه أن يكرس كونها انثى واسمها فاطنة، وتذكر أنه في تلك الفترة حين خرجن من الحصار المفروض عليهم، واستقبلتهن باقي السجينات، اندهشن لما رأوا أنهن فتيات في مقتبل العمر، حتى أن الدمع كان باديا في أعين بعضهن.
بعدها استطاعت المعتقلات، تنظيم حياتهن في الزنزانة، وخلقن لأنفسهن حياة جماعية تجمع بين التثقيف والنضال والحديث النسائي، وكانت تتخلل أحاديثهن بعض المستملحات كأن يضحكن على لكنة كل واحدة منهم، خاصة المراكشية والشمالية، تقول فاطنة وهي تضحك “في حديثنا مع الشمالية، كنا كنشدّو فيها بزاف، وأصرينا على تعليمها التحدث باللكنة التي نتحدث بها “دارجة مدن الداخل..العروبية” حتى أننا لقنّاها الأغنية الشعبية “شاليني يا بابا” ومع الوقت نسيت لكمتها الشمالية، وأصبحت تتحدث بلكنتنا بطلاقة.