رأي/ كرونيك

القفة بين الدين والسياسة

محمد الطالبي

دخلت القفة القاموس السياسي والنضالي المغربي من بابه الواسع، وحققت في رمضان ” البوز” بأرقام قياسية وأكثر مشاهدة في جميع أنحاء العالم، وذلك بعد أن مسها المسخ وتزوير الهُوية، فبعدما كانت سابقا توزع في سرية تامة ومجهولة المصدر، والمستفيدون منها من أبناء المقاومين والمعتقلين والقابعين في السجون في أزمنة الرصاص والإعدامات، وكانت وسيلة نبيلة لدعم صمود الأسر القابضة على الجمر في السجون وغياهب المعتقلات، وكان مصدرها نظيفا ومشرفا لأنه نابع هو نفسه من سلالة المناضلين الشرفاء والذي لم نجد ذكره حتى في مذكراتهم، لأنه عمل قيمي إنساني، ليس للتباهي بل هو مساهمة وواجب في دفع فاتورة النضال من أجل تحرير البلاد ثم الواجهة الكبرى لدمقرطة الوطن وجعله بكل ما له وما فيه لجميع المواطنين.

إنها القفة النظيفة المناضلة التي ساهمت في تغيير الأوضاع، ولأننا في زمن آخر فقد تحولت القفة من وسيلة للتضامن إلى وسيلة للابتزاز في زمن المسخ السياسي والأحزاب المؤلفة قلوبها، وقد جعل منها حزب المتأسلمين وسيلة ناجعة لضبط المجتمع وجعله أداة رخوة تُستغل في جميع الاستحقاقات، سواء انتخابية أومظاهرات وغيرها، وهو أسلوب متأصل لدى مدعي الإسلام السياسي وليس محلي الصنع، لا في أسلوبه ولا تمويله، لأنه عابر للقارات ومميز أكثر برائحة “نفطستان” ومجرب ونجح في كسر شوكة كثير من الشعوب في هذا العالم …

ويسجل استغلال القفة مغربيا عبر أغلب الأحزاب وأضحت القفة المفترى عليها تشكل برنامجا للأحزاب الليبرالية، ولعل الرأي العام اليوم يتحدث عن أحزاب تمنح المغربي بطاقة الانتماء القسري للحزب والإصرار على تسجيلهم كمنخرطين داخله بعد الاستيلاء على صورهم ومعلوماتهم الفردية بطريقة تدليسية واحتيالية، ولعلي هنا أتوجه إلى وزارة الداخلية للتدقيق في منخرطي الأحزاب وستكون المفاجأة حينئذ، لأن عدد المنخرطين أكبر بكثير من أفراد الشعب المغربي، باعتبار أن المنخرطين المفترضين ينتمون أو سبق وانتموا لأغلب الأحزاب المرخصة في السوق العام للسياسة في بلد دستور 2011، وبالتالي فهذا النوع من الأحزاب والتي تمتح من أطروحة” النظرية الزروالية” نسبة إلى المفكر ولد زروال، لا تجد حرجا في تسويق نفسها وصية على شعب مقهور، ولعل صناديق الاقتراع في المغرب تستحق الطعن في نتائجها لأن ” المتحزبين” من حاملي بطاقة القفة لا يظهر أثر لأصواتهم …

وبعد، إن النهوض بأوضاع الفقراء والمعوزين واجب تضامني يجب أن يؤدى من طرف الدولة التي تجبي الضرائب وتدير ثروات البلاد والعباد، ولايجب أن نترك مغاربة عرضة للذل والمهانة من طرف أحزاب تدعي الحداثة والديمقراطية وهي تستعبد الناس وتهين كرامتهم، بل وتزيد في إهانتهم عبر تسخير وسائل إعلام عمومية وخاصة لنقل المأساة عبر الصوت والصورة، ألا نخجل من وجود طوابير تنتظر قفة مسيسة هي أصلا منهوبة من طرف أصحاب الريع ومرتزقة الاقتصاد والمال والمنتفعين من الأراضي الفلاحية والثروات بمختلف أصنافها، ويبقى على الجميع محاربة الظاهرة عبر رفض الصدقة الرشوة ورفع شعار الجوع ولا المذلة.
إلى إشعار آخر ستبقى القفة وسيلة للإذلال بيد تجار الدين والسياسة … يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى