مجتمع

متاهات حقوقية في ذكرى رحيل بنزكري 3/1

عزيز إدامين الفاعل الحقوقي

تحل الذكرى الثانية عشر لوفاة أحد رموز الحركة الحقوق المغربية، الراحل إدريس بنزكري، واضع اللبنات الأولى لما سمي بـ”العدالة الانتقالية” بالمغرب.

وهي محطة للوقوف على مدى تقدم تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وأيضا للوضع الحقوق بشكل عام، خاصة بعد السنوات الأخيرة التي عرفت تراجعات كثيرة وبلغة الحقوقيين سنوات “الردة الحقوقية”، وسنوات “الرصاص” والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان” ولكن بصيغ ومقاربات جديدة.

نشير منذ البداية أن منظومة حقوق الإنسان لم تضع بعد معايير نموذجية لقياس درجة تقدم أو تراجع وضعية حقوق الإنسان في بلد ما، وكل من يتحدث عن مؤشرات، فهي منطلقات ذاتية ووجهة نظر شخصية، بما فيها كاتب هذه المقالة، ومع ذلك اجتهدت بعض الممارسات الفضلى في تبيان تشخيص عام للواقع الحقوقي في كل بلد انطلاقا من التزامات الدولة الدولية وتعهداتها الطوعية أمام هيئات الأمم المتحدة.

وإن كانت منظومة حقوق الإنسان مرتبطة بمحددات أساسية وهي الممارسة الاتفاقية والبنية التشريعية والآليات والتدابير الحمائية، والسياسات العمومية ذات الصلة، وأخيرا الممارسة الميدانية، فإن المقالة ونظرا للحيز الضيق ستركز فقط على بعض المحددات، وسنؤجل الحديث عن المحددات الأخرى في مقالات لاحقة.

أولا: سمة “التأخر” في الممارسة الاتفاقية

تحاول الدولة كل مرة تسويق نموذج تفاعلها الإيجابي مع هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، وذلك عبر قنواتها الرسمية سواء وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان أو المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهي بروباغندا يفندها الواقع.

تشتغل هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان بعدة آليات، وخاصة منها الآليات التعاقدية المنبثقة من الاتفاقية الدولية أو الإجراءات الخاصة أو الاستعراض الدوري الشامل.

  • لجن المعاهدات

فيما يتعلق بلجن المعاهدات، وعددها تسعة لجن، فإن الحكومة المغربية تعلن في كل مرة أنها تتفاعل وتقدم تقاريرها الوطنية بشكل دوري ومنتظم أمام هذه اللجن، إلا أن القاعدة العامة والممنهجة في تعاطي المغرب مع هذه الآليات هي “التأخر” على المواعيد المحددة، وهو ما انتبهت إليه لجنة حقوق الإنسان في تقريرها الختامي حول التقرير الوطني السادس للمغرب بتاريخ 16 دجنبر 2016، أن المغرب “تأخر عن موعده بسبع (7) سنوات” (الفقرة 2 من التقرير).

كما أن الدولة المغربية تلجأ في كثير من الأحيان إلى اعتماد ما يسمى بالتقارير الجامعة لثلاث أو أربع دورات كمثال على ذلك التقرير الوطني الجامع للتقريرين الدوريين الثالث والرابع المتعلق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 2008، والتقرير الجامع للتقريرين الدوريين الثالث والرابع المتعلق باتفاقية حقوق الطفل سنة أكتوبر 2014.

أما اليوم فإن المغرب متأخر كثيرا في التزاماته الدولية، إذ أنه لم يقدم تقاريره الرسمية أمام هيئات الأمم المتحدة منذ سنوات، وتتعلق بـــ:

  • -تأخر التقرير الوطني أمام لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، حيث كان من المفروض أن يقدمه بتاريخ 24 يوليوز 2014.

  • تأخر التقرير الوطني أمام لجنة القضاء على جميع اشكال التمييز العنصري، حيث كان من المفروض أن يقدمه بتاريخ 17 فبراير 2014.

  • تأخر تقديم التقرير الأولي أمام لجنة حماية الافراد من الاختفاء القسري، حيث كان من المفروض أن يقدمه بتاريخ 14 يونيو 2015.

  • تأخر التقرير الوطني أمام لجنة حماية العمال المهاجرين وجميع أفراد أسرهم، حيث كان من المفروض أن يقدمه بتاريخ 13 شتنبر 2018.

الملاحظ أنه من أصل ثماني تقارير مبرمجة فإن المغرب متأخر إلى الآن على أربع مواعيد دولية، فأين هذا التفاعل الإيجابي؟

إن هذا التقييم متعلق فقط بمدى احترام الأجندة الدولية، دون الحديث حول الالتزامات والتعهدات التي قبلها المغرب طوعا في محطات سابقة، هل تم تنفيذها أم لا؟

  • التعامل “المزاجي” مع الإجراءات الخاصة:

ما فتئ الناطقون الرسميون باسم الدولة المغربية يتحدثون عن استقبال المغرب منذ سنة 2011 إلى الآن حوالي 12 إجراء خاص، من مقررين وخبراء مستقلين وفرق عمل.

وإن كان هذا المعطى إيجابيا، إلا أنه يجب التذكير بكون المقرر الخاص المعني بحماية وتعزيز حرية الرأي والتعبير سبق وأن قدم طلبه لزيارة المغرب منذ سنة 2013، وقام بإعادة طلبه بشكل مكتوبة سنة 2015، وكل سنة يذكر في تقاريره السنوية الموجهة للأمين العام للأمم المتحدة بهذا الطلب.

كما عرف المشهد الحقوق المغربي مؤخرا سوء التواصل بين المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين الذي ألغى زيارته قبل أيام معدودة من موعدها بسبب عدم التواصل الجيد مع الحكومة المغربية، إذ أن ترتيبات زيارته التي سطرها ووضعها المغرب كانت مقيدة لعمله حسب البلاغ الذي نشره.

وأخيرا، فإن ردود الفعل الصادرة من الدولة المغربية على إثر التصريح الذي قدمه الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي حول توفيق بوعشرين، بتوزيع توصيفات وصلت إلى حد تجريح الفريق وخبرائه، يبين المزاجية التي تتعامل بها الحكومة المغربية مع نظام الإجراءات الخاصة، فتارة تعتبرها مرجعا حقوقيا وآلية استراتيجية في منظومة حقوق الإنسان، وتارة تعتبرها مجرد هيئة استشارية لا قيمة لها.

  • “تجزيئ” الاستعراض الدوري الشامل

  •   

يتذكر الجميع الردود الرسمية بخصوص الملاحظات والتوصيات الصادرة في استعراض الدوري الشامل للتقرير الثالث للمغرب في شتنبر 2017، حيث وزعها على أربع أصناف، توصيات مقبولة وتوصيات في طور الإنجاز وتوصيات مرفوضة وتوصيات مقبولة جزئيا، فإن كانت التصنيفات الثلاث الأولى جار بها العمل، فإن التصنيف الأخير لا قيمة قانونية له بل معارض لمبادئ حقوق الإنسان، وخاصة منها أن الحقوق غير قابلة للتجزيء، فالقول بقبول جزء من التوصيات ورفض جزء آخر منها هو بمثابة رفض للتوصية من الأساس بشكل لبق، مما يجعل أن التوصيات غير المقبولة أكبر بكثير مما هو مصرح به أي فقط 44 توصية.

وللإشارة فإن المغرب مقبل في نونبر من هذه السنة، على تقديم تقريره النصف الدوري الشامل الرابع، وهي عملية تتم في سرية تامة ودون إشراك مكونات المجتمع المدني في إعداده، مما يخالف مقتضيات القرار رقم 60/251 الصادر في 15 مارس 2016 (الفقرتين 6 و9)، والذي بموجبه تحولت لجنة لحقوق الإنسان إلى مجلس حقوق الإنسان، وهو القرار الذي وضع حزمة من آليات تتبع تنفيذ الالتزامات الدولية، وعلى رأسها الاستعراض الدوري الشامل، إذ ألزمت الدول المستعرضة إعداد تقاريرها “الوطنية”، التي حلت محل  اسم التقارير “الرسمية”، بالتشاور والتنسيق مع مكونات المجتمع المدني. (الفقرة 15 من الوثيقة رقم  A/HRC/RES/5/1 الصادرة سنة 2018).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى