مجتمع

تقرير: صلاة التراويح من إيران إلى المغرب.. 9 قرّاء مشاهير قد لا تعرفهم

قبل 14 قرنًا من الزمان، كانت الأراضي الإسلامية تربو من مشرقٍ غاب وامتد، إلى مغربٍ حيث كان الأندلس يومًا ما، ولطالما سيطر على المسلمين شعائر روحانية واحدة في شهر رمضان ما زالت باقية إلى اليوم مهما اختلفت وتطورت من زمانٍ لآخر؛ فصورةُ العائلة حين تجتمعُ قبل أذانين، أحدُهما لتوديع الجوعِ، والآخر للاستعداد له، وصورةُ البيوتِ حين تربطها خيوطُ الزينة المُتشابكة التي تمتدُّ بطولِ الشارع، وترتفعُ من الطابق الأول وحتى الأخير، ولا تُداعبها سوى نسمات الهواء، ونظرات المارّة.

لكنّ المشهد الأبرز في شهر الحب – كما يُسمّيه الهائمون به -، هو صورة دُخَان البَخورِ المُعتّق حين يختلطُ بروائح الثيابِ العَطِرة في الجامعِ الكبير؛ وصورةُ الصفوف التي تؤكد معنىً مقدسًا من معانِي الشريعة لدى المسلمين، وصوت الهمسِ الذي في السجود، وتلك الصلوات -التراويح والقيام- التي تنتهي عند مطلع الفجر.

هذه السطور تأخذك في جولة خارج حدود مدينتك بعد صلاة العشاء، حيث صلاة التروايح في 10 بلدان بعيدة لأعلامٍ قد لا تعرفهم، ولربما تهيمُ شوقًا بأصواتهم بداية من إيران الجمهورية الشيعية وحتى المغرب الملكية السُنيّة.
1- يونس أسويلص.. مزمار آل داوود في المغرب
في مدينةٍ صغيرة غرب المملكة المغربية تُسمّى «سلا»، يسكنُ شيخٌ أربعينيّ لم ينل حظه من الشهرة إلا بعدما خطّ الشيبُ جنباتَ لحيته، وتناثر البياضُ على شعر رأسه؛ فقط كان ذائع الصيت في حي «الانبعاث»، حيث الساحة الرمضانية الكبيرة التي تستقبل المئات من محبيه الذين جاؤوا من أطراف البلدة وضواحيها لسماع صوته «الشجيّ» المُغلَّفِ بالحزن والباعث لمن خلفه على الدموع والتنهدات.
لكنّ حياته تغيرت في إحدى ليالي شهر رمضان عام 2011؛ وقف يونس أسويلص كعادته تحت خيمته البيضاء التي تُذكّرنا بفتوحات جيش طارق بن زياد الذي مرّ على تلك البلاد، لكنّ أحدهم يضع كاميرا نقلت الصلاة فيما بعد لأكثر من 2.5 مليون عربي على يوتيوب؛ يقول «أسويلص» عن نفسه: «تفاجأت من الشهرة الجديدة، لإنني لستُ من أباطرة القراء، وكل ما حدث أنني صليتُ ثم عُدتُ إلى بيتي ولم أعلم أنّ المقطع سينتشرُ، وإن كان لي تفسير لما حدث، فهي بلا شك النفحاتُ التي تضعُ الإنسان في مراتب الله وحده هو أعلم بها»؛ أيضًا لا يُمكننا أن ننسى من المغرب القارئ «عُمر القزابري»، صاحب الصوت الطروب.

2- هَزّاع البلوشي.. صوتٌ عُمانيٌ يُشبه نسماتِ الفجر
على خلاف العادة، يخرج من المدينة العربية البعيدة عن السياسة والأضواء «عُمان»، شيخٌ شاب تجاوز العشرين بقليل، أصبح فيما بعدُ أهمَّ قارئٍ في المدينة، اشتهر هزاع البلوشي عام 2013، عندما نشر له أحد أصدقائه مقطعًا بصوته ليصبح الطالب الذي يدرس السياسة والاقتصاد بجامعة السلطان قابوس أحد القُراء الخليجيين ذائعي الصيت.
وصاحب الصوت الذي يُشبه نسمات الفجر، يُؤم المصلين في صلاة التراويح بمدينته منذ أربع سنوات، متنقلًا بين المسجد الذي بدأ فيه أولا بحفظ القرآن وحتى أكبر مساجد المدينة التي وُلد فيها بولاية «لوى»، قبل أن يتنقل بين البلدان الخليجية وحتى الأوروبية؛ ورغم أنّ هَزّاع حصل على إجازة شرعية في القرآن من مكة والمدينة بالمملكة السعودية إلا أنه حتى الآن لا يمتلك تسجيلًا بصوته للقرآن الكريم كاملًا.

3- أحمد أبو القاسمي.. عصفورٌ إيرانيٌّ يشدو بعيدًا
على مقام النهاوند يُبدع الشيخُ الإيراني أحمد أبو القاسمي في تلاوة سورة الضحى بصوتٍ غارق في العذوبة والجمال، وهو أحد أشهر قراء إيران وأعلامها في المسابقات الدولية، تصفه المواقع الإيرانية بأنه يُكرّس حياته للقرآن الكريم، إذ سافر القاسمي لأكثر من 100 جولة دعائية في 30 دولة حول العالم، وهو أحد أهم أسلحة إيران لانتزاع الألقاب والمراكز في المسابقات القرآنية من السعودية ومصر، وإثبات أنّ الدولة الشيعية أكثر إسلامًا من الدول السُنيّة.
ولا يمكن أن نتوقف في تلك السطور عند الشيخ أحمد أبو القاسمي، فإيران تزخر بعددٍ كبيرٍ من الأصوات التي تخطف القلوب والآذان، ومنهم سعيد طوسي، المُقرب من المرشد الأعلى، ونجاد شاكر الشاب الصاعد، وكريم منصوري صاحب المقدمة القرآنية لمسلسل يوسف الصديق.

4- أحمد النفيس في الكويت.. المُستغيثُ المُنكَسِر
الشهرة التي نالها الشيخ الكويتي مشاري بن راشد العفاسي، كانت كالشمس التي حجبت معظم الُقراء الكويتيين، وإذا كنت من أهل الكويت، فأنت حتمًا تعلم أنّ الشيخ مشاري راشد يُنافسه في الشهرة عددٌ من المشاهير وعلى رأسهم الشيخ أحمد النفيس إمام الجامع الكبير بالكويت، صاحب الصوت الممزوج بالخوف والرجاء، لا يعلو صوته إلا لينخفض، كالموجٍ حين يرتفع ثم يهدأ، ولا يستغيثُ إلا بصوتٍ مُنكسر.
يقول النفيسُ عن نفسه: «حفظتُ القرآن في سنّ 10 سنوات، وتقدمتُ الناس في سنّ الرابعة عشر، وتعلقت أذناي بشدة بالشيخ مصطفى إسماعيل، المهندس العبقري في تلاوته، والشيخ محمد صديق المنشاوي، الطائر الحزين، والشيخ محمود خليل الحُصري.. كل هؤلاء أثَّروا في قراءتي».

5- رعد الكُردي.. خُشوع الصوتِ الأخَنّ
لطالما ظل الأكراد مجهولي الهُوية والنسب بالنسبة لأكثرية الشعوب العربية، زاد من فجوة ذلك الاعتقاد عهد الشتات الذين يعيشون فيه بتعاقب الأجيال على تخوم أربعة دول (إيران وتركيا والعراق وسوريا) دون أن تكون لهم دولة مستقلة؛ وحين رُفع العلم الإسرائيلي في إقليم كردستان العراق الذى يسعى للانفصال، اعتقد الجميع سهوًا أو خطأً أنّ هذا هو الصوتُ الأوحد لسكَّان تلك البلدة.
من داخل مسجد الإمام الشافعي بكركوك، يصدح الشيخ رعد محمد الكردي بصوتٍ أخنّ لا يخلو من جمالية التلاوة، واشتهر بقراءته السور المكيّة -نزلت بمكة- التي تتميز بعبارتها الموجزة وألفاظها القوية، وهي ما تتناسب مع نغمات صوته الأخنّ الذي يُشبه قرع الطبول المتواصل على أوتار القلوب، ورغم شهرته الواسعة داخل الإقليم إلا أنّ الباحث عنه في الفضاء الإلكتروني لن يجد له مقاطع كثيرة.

6-عبد الله كامل.. الكفيفُ الذي أبكى
كان الشيخُ الكفيف عبد الله كامل – 33 عامًا – مجهولًا لدى المصريين حتى ظهر على شاشة قناة الناس الفضائية عام 2009، وبعدها ازدادت شهرته بمشاركته في مسابقة «المزمار الذهبي» وحصل فيها على المركز الأول، ثم بدأت رحلة صعوده المدعومة بجمال صوته الرخيم المصحوبة بنغمة الترعُّد في التلاوة التي ما زالت تجذب حشود المُصليين وراءه، حيث ما زال يُصلي التراويح بمحافظة الفيوم، شمال صعيد مصر.
والشيخ الضرير لديه واقعة شهيرة مع الشيخ أحمد عيسى المعصرواي، شيخ عموم المقارئ المصرية السابق، فقد كانت له مداخلة هاتفية أثناء تواجد المعصراوي في إحدى القنوات الفضائية، حيث هاجم «كامل» المسابقة التي حصل فيه على المركز الأول قائلًا: «لقد ابتليتُ كما ابتُلي شيخُنا المعصراوي بالمشاركة في تلك المسابقات»، وكان سبب هجومه الحاد استخدام القائمين للمقامات الصوتية والألحان في قراءة القرآن، وهو ما تسبب في النهاية ببكاء شيخ عموم المقارئ المصرية على الهواء.

7- عبد الرشيد صوفي من الصومال.. الهمسُ الحزين
هو ابن مُفتي الصومال وأشهر قرائها، وُلد الشيخ عبد الرشيد الصوفي لأسرة دينية مُمتدة لها باعٌ كبير في نشر القرآن وتعليم أحكامه في البلاد، ولم يكن هذا سبب شهرته الواسعة؛ فهمسه الحزين الذي يُشبه مناجاة آخر الليل إضافة إلى إتقانه علم التجويد، وحصوله على إجازة في القراءات العشر موصوله بسندٍ صحيح عن النبي محمد.
وهو حاليًا مقيمٌ في قطر ويحمل جنسيتها، ويؤم المُصلين في صلاة التراويح بجامع أنس بن مالك بالعاصمة القطرية، وله تسجيلات كاملة للقرآن الكريم بستّ قراءات هم (حفص عن عاصم، وأبي الحارث عن الكسائي، والدوري عن أبي عمرو، والسوسي، وخلف عن حمزة، وشعبة عن عاصم).

8- منصور السالمي.. بَكّاءُ بلاد الحرمين
يحظى قُرّاء السعودية بشهرةٍ عالمية نظرًا للخصوصية الدينية التي تحتلها المملكة في العالم العربي والإسلامي، مثل الشيخ ماهر المعيقلي وعبد الرحمن السديس، وسعد الغامدي، إلا أنَّ هناك بعض القُراء المحليين الذين يتمتعون بشهرةٍ داخلية كبيرة، وعلى رأسهم الشيخ البكّاء منصور السالمي.
وهو أحد أشهر الدعاة السعوديين، اصطدم مع المملكة أواخر عام 2016، فمنعته من السفر، وهو حاليًا يعمل أستاذ تربية إسلامية بإحدى مدارس جِدة، كما أنه إمام وخطيب مسجد الفاروق، معظم قراءاته حزينة وممزوجة بالشجن دائمًا.

9- وديع اليمني.. صوتٌ يصدحُ بعيدًا عن الحروب
منذ دخل الشهر الكريم اليمن، وأهله لم ينعموا بصلاةٍ هانئة حتى الآن؛ فالحوثيون منعوا مكبّرات الصوت أثناء صلاتي التراويح والقيام، كما هددوا باعتقال كل من يخالف أو يعترض، وهو ما خلق تخوُّفًا عامًا لدى اليمنيين -السُنّة- من إقدام جماعة الحوثي -الشيعية- على إلغاء صلاة التراويح لأنهم يرونها بدعة جاءت من الخليفة عمر بن الخطاب، وليست من الرسول، بحسبهم؛ لذا كان من الطبيعي أن تصدح الأصوات الجميلة بعيدًا عن الحروب.
والشيخ وديع اليمني، في صوته حظٌ من اسمه، فالآياتُ تجري كالماء على لسانه ترنيمًا حزينًا، وهي عادته ووتيرته التي حافظ عليها منذ انتقل إلى الكويت لإمامة مسجد أبي بكر الصديق، وهو حاصلٌ على بكالوريوس دراسات إسلامية في كلية الآداب، جامعة العلوم والتكنولوجيا.
المصدر: عن الموقع الإعلامي ساسة بريست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى