تواكب “دابا بريس” حدث عيد العرش بحوارات ودراسات وغيرها، وفيما يلي الحوار الثاني، الذي أجرته “دابا بريس: مع الفاعل السياسي والنقابي خالد فضيل، ، والذي قدم فيه وجهة نظره في العديد من القضايا والإشكالات التي ترتبط بمرور 20 سنة على ماسمي بالعهد الجديد، أو 20 سنة من حكم محمد السادس، في هذا الحوار يتحدث فضيل، عن ما اعتبره إرهاصات إرادة إعادة النضر في الحكم والتي ابتدأت بالنسبة له في عهد الحصن الثاني عام 1995، ثم يتحدث عن عهد محمد اسادس والبداية التي ستستمر بالنسبة له حتى 2007، وسيتحدث عن النخبة وغياب قوى دفع، سواء قوى اجتماعية أو سياسية، وسيتحدث عن الاختلاف ما بين حركة 20 فبراير، والاحتجاجات التي ستأتي فيما بعد حراك الريف، جرادة…الخ
وفيما يلي نص الحوار:
هل ترى أن مرحلة البدايات الأولى لمرحلة محمد السادس، كما يقال، اصطدمت فعليا بضعف وعدم قدرة المشهد السياسي على مواكبتها ؟ ام انها هي نفسها كانت تحمل عناصر فيها ستجعلها فيما بعد تفقد عنصر الجادبية لانها عجزت أن تقطع مع ماضي نظام سياسي فيه أعطاب بنيوية؟
تجدر الإشارة أولا، من وجهة نظري المتواضعة طبعا، أن إرهاصات إرادة إعادة النظر في الحكم و الانتقال نحو الديمقراطية قد بدأت منذ 1995 و قد حكمتها ثلاث معطيات بالغة الأهمية.
الأمر يتعلق بالتقرير الطبي حول الوضع الصحي للملك و تقرير البنك العالمي حول الحالة العامة بالبلاد، و اقتناع الملك بانتهاء المنازعة في الشرعية التاريخية و السياسية للمؤسسة الملكية في خطاب و ممارسة معظم القوى المؤثرة. في هذا السياق سيأتي دستور 1996 و حكومة التناوب التوافقي و حالة من الانفراج التي لا يمكن إلغائها من التحليل إن كنا نبتغي الموضوعية.
بمجرد وصول الملك محمد السادس للحكم ، أقدم على الكثير من المبادرات القوية على كافة الأصعدة (المفهوم الجديد للسلطة-الإنصاف والمصالحة-خطاب الجرف الأصفر حول النقابة المواطنة و المقاولة المواطنة – مدونة الأسرة-مدونة الشغل- الأوراش التنموية- المبادرة الوطنية للتنمية البشرية-مقترح الحكم الذاتي …) ، مبادرات أعطت انطباعا عن توجه آخر في الحكم جعل المغرب ضمن تجارب الانتقال نحو الديمقراطية المرغوب فيه من داخل الدولة، في هذا النوع من السياقات تكون الإرادة المعلنة من فوق هرم السلطة في حاجة إلى قوة دفع داخل المجتمع، لأن الإكراهات تكون كبيرة و إرث أخطاء السياسات و المشاكل و الأزمات ثقيلة، وتكون لوبيات مناهضة التغيير مناهضة شرسة، لكن للأسف و باستثناء رؤية الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي و محيط الفقيد إدريس بنزكري للأشياء ، قوة الدفع هاته افتقدناها لأننا كنا أمام خطابين للنخب: خطاب الاكتفاء بالانبهار، و خطاب التشكيك ووضع الشروط دون أدنى إدراك لصعوبات مراحل الانتقال
لذلك أعتقد أن بدايات حكم محمد السادس كانت حبلى بفرص إقلاع ديمقراطي و تنموي حقيقية لم تتوفق القوى السياسية و الاجتماعية من استثمارها في اتجاه انتقال ديمقراطي حقيقي و حجز مكان ضمن نادي الدول الصاعدة.
شكلت مشاريع وأوراش ما سمي العهد الجديد مادة نقاش بل وتبلورت معها قراءات ونتجت عنها ممارسات وقناعات ورؤى . مشاريع ليس فقط اقتصادية بل حقوقية سياسية…كيف تقرؤون باختصار هذا المسار؟
باختصار شديد جدا ، الأوراش التي فتحت منذ 30 يوليوز 1999، وعلى كافة الأصعدة تتحدث عن نفسها، أنا لست ناطقا باسم الدولة و أنتم تعرفون ما أعانيه مع الأجهزة حتى الآن،.مازال اسمي مثار ريبة و هذا موضوع آخر سأفاتح فيه الرأي العام قريبا جدا.على أية حال ، من زاوية القراءة الموضوعية للأشياء يمكنني القول إن مغرب ما بعد 1995 ليس هو مغرب ما قبل 1991 و مغرب مابعد 1999 ليس هو مغرب ما قبل 1999. هنالك الكثير من المنجزات و الخطوات نحو التنمية و الديمقراطية و حقوق الناس، لكن علينا كذلك أن نكون واضحين في مقاربة ما حصل منذ 2007 من أخطاء و مؤشرات تهدد انتقالنا نحو الديمقراطية، لعل أبرزها وضع الناتج الداخلي الخام للمغرب و التدخل في المشهد السياسي و عدم الاهتمام الكافي بقضية العدالة الاجتماعية، التي بدونها لن يكون هناك أي معنى لأي شيء.
و اسمحوا لي أن أعود لأوجه اتهامي لنخبنا التي تقاعست في منعطف تاريخي عظيم، التي أظنها قد باتت جزءا من المشكل و لم تعد جزءا من الحل.
أخيرا بعد 20 فبراير بعد حرك حراك الريف بعد انتفاضات المغرب العميق هل استنفدت إجابات ما سمي بالعهد الجديد إمكانياتها للتعبئة؟
يجب الفصل، في رأيي الذي يحتمل الحق في الخطأ قبل الصواب ، بين حركة 20 فبراير، التي جاءت في سياق انتفاضات الشارع العربي ضد الفساد و الاستبداد و وضعت نقطة نظام في مسار المغرب برفع مطالب سياسية أدت إلى اتفاق حول ضرورة إحداث إصلاحات جوهرية في ظل الاستقرار
و أفضت ، ضمن ما أفضت إليه ، إلى دستور يوليوز 2011 , و بين الاحتجاجات الاجتماعية التي تنامت وتيرتها منذ 2007 بحكم انتظارات المواطنين وبلغت حد انتفاضات من حجم ما حصل بالريف و جرادة ، هذه الاحتجاجات التي لا ترفع مطالب سياسية بل تسائل انتقالنا نحو الديمقراطية عن العدالة الاجتماعية و المجالية و تعكس حالة من الفقر و الهشاشة و التفاوتات الاجتماعية لا يمكنها إلا أن تكون مقلقة.
أعتقد أن قضايا التعليم و الصحة و العطالة و الفقر يجب أن تعالج برؤية فيها ترتيب للأولويات و جدولة الحلول المستعجلة و المتوسط المدى و الاستراتيجية للقضايا المطروحة، فلا يمكن الركون إلى التعاطي الأمني الصرف حتى و إن تم في احترام كامل للقانون لأن القضية ليست قضية هل تم احترام مقتضيات القانون في زجر المحتجين أم لا ، بل القضية هي لماذا يحتج الناس.
أمامنا الآن عجز النخب و حتى الحكومة و المؤسسات المنتخبة عن تحمل مسؤولياتها إزاء الوضع الاقتصادي و الاجتماعي في العديد من مناطق البلاد، ما عليكم إلا أن تتجولوا بالجهة الشرقية ، مثلا ، لينتصب أمامكم اختناق اقتصادي ستكون له بكل تأكيد تداعياته الاجتماعية.أين التوقع و الاستباق و اقتراح الحلول .أسئلوا النخب و المنتخبين و السلطات عن ذلك لعلها تملك أجوبة يستعصي علينا إدراكها.