
تقييم 20 سنة من حكم محمد6 بعيون دراسة أمريكية السياسة الخارجية..الصحراء..العلاقة مع أمريكا..الصين..4/4
في تقرير مطول، أو مرصد سياسي في جزئيين، نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تقييما للتطورات الرئيسية في عهد الملك محمد السادس، الجزء الأول بحث في السياسة المحلية، فيما الجزء الثاني تعرض بالبحث في قضايا السياسة الخارجية.
بدأت الدراسة، المنجزة من طرف، سارة فوير مساعدة في معهد واشنطن، و رضا عيادي، الذي عمل مساعداً باحثاً في الفترة 2018-2019، بتقديم جاء فيه أن الملك محمد السادس، الذي يحتفل بعيد ميلاده خمسة وخمسين عاماً، و بمرور عشرين عاماً على توليه العرش، بأنه ورث في عام 1999 مملكة من ثمانية وعشرين مليون مواطن كانوا يواجهون تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة.
انخراط قوة عظمى
على الصعيد الاقتصادي، وقّعت واشنطن والرباط اتفاقاً للتجارة الحرة في عام 2006، وهو الاتفاق الوحيد من نوعه بين الولايات المتحدة ودولة أفريقية. وشكّل الاتفاق خيبة أمل بعض الشيء بالنسبة للمغرب، إذ أن العجز التجاري مع الولايات المتحدة ما فتئ يزداد. ومع ذلك، كان للاتفاق تأثير ثانوي كبير في الدلالة على وجود مناخ استثماري مؤاتي. ونتيجة لذلك، التزمت شركات أمريكية كبرى، مثل “بوينغ”، بمشاريع في المملكة.
في معرض تقيمها للعلاقة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، أشارت الدراسة الأمريكية، الصادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ذكرت أنه ومع كل تحول يحدث في هذه العلاقة، هذا لم يحل دون تعامل المغرب مع خصوم الولايات المتحدة، وعلى رأسهم الصين. فقد أدّى اجتماع العاهل المغربي مع الرئيس شي جين بينغ عام 2016 إلى إبرام عدد كبير من الاتفاقات التي تغطي قطاعات السياحة والتعليم والبنية التحتية.
أشارت الدراسة التقيمية ل 20 سنة من حكم محمد السادس، في محور السياسة الخارجية، أنه وفي وقت سابق من هذا الشهر، أي شهر غشت، وافق كل من “البنك المغربي للتجارة الخارجية” (BMCE) وشركة “تشاينا كوميونيكيشنز كونستركشن كومباني” (“شركة الصين لبناء الاتصالات”) المملوكة للدولة على بناء مدينة متطورة بالقرب من طنجة، التي إذا ما اكتمل تشييدها قد توفر 100 ألف فرصة عمل وتجتذب استثمارات تُقدّر بنحو 10 مليارات دولار. بيد، تعثرت صفقة سابقة في عام 2017، مما أثار الشكوك حول ما إذا كانت الاتفاقية الجديدة ستُترجم إلى استثمارات فعلية على أرض الواقع.
الصحراء العنيدة
قالت الدراسة، إنه ومن بين جميع أهداف العاهل المغربي المتعلقة بالسياسة الخارجية، كان الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على الصحراء أكثرها تقديراً وصعوبة للتحقيق. ففي عام 2006، أي بعد خمسة عشر عاماً من شروع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مراقبة منطقة عازلة تفصل الإقليم الخاضع للسيطرة المغربية عن الجزائر وموريتانيا، قدّمت الرباط خطة حكم ذاتي تَحكم فيها الصحراء نفسها تحت سيادة المملكة. وبينما أيّدت فرنسا هذا الاقتراح، اعتبرته الولايات المتحدة “جاداً وواقعياً ويتحلى بالمصداقية”. إلّا أن جبهة “البوليساريو” رفضت الخطة وهو الأمر بالنسبة للجزائر، التي تدعم الجبهة منذ وقت طويل، وهكذا تلاشت محادثاتهما اللاحقة مع المغرب إلى حد كبير في عام 2012.
استرسل المصدر نفسه التأكيد، أنه ومنذ ذلك الحين، استمر محمد السادس في التماس الدعم لاقتراحه المتعلق بالحكم الذاتي أينما استطاع. على سبيل المثال، عكس جزء كبير من تواصله مع إفريقيا حسابات بأن هذا التواصل لن يحقق فوائد اقتصادية فحسب، بل تقدماً دبلوماسياً أيضاً. وقد نجح هذا النهج في بعض النواحي – فمنذ أواخر التسعينيات، سحبت عشرون دولة في جميع أنحاء العالم اعترافها بـ “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، وما زالت خمسة وثلاثون دولة إفريقية لا تعترف بها. وعلاوة على ذلك، أدمجت مبادرات السياسة المحلية مثل برنامج “الهيكلة الإقليمية المتقدمة”، الصحراء الغربية في هياكل الحوكمة القائمة في المغرب، محوّلة بذلك الواقع لصالح الرباط.
ولكن في جوانب أخرى، لم تُحقق الجهود الدبلوماسية للعاهل المغربي فيما يتعلق بالصحراء الغربية هدفها، كما يتضح من التوترات القائمة مع أوروبا في أعقاب قرار محكمة العدل الأوروبية بشأن التجارة، وإصرار الاتحاد الإفريقي على السماح بمشاركة “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” في مؤتمرات القمة. وقد لمّحت واشنطن بشدّة عن خيبة أملها من الوضع الراهن، حيث عبّر مستشار الأمن القومي جون بولتون عن معارضته لبعثات حفظ السلام المفتوحة، وبالتالي تواجه الرباط ضغوط من قبل الأمم المتحدة للعودة إلى طاولة المفاوضات. وفي الوقت نفسه، ظلت علاقات المغرب بالجزائر عدائية إلى حد كبير، مما يحول دون حل النزاع الإقليمي. ومع ذلك، يعود الكثير من الفضل على الأرجح إلى محمد السادس في منع تصعيد حدة التوترات في الصحراء وتحوّلها إلى عنف واسع النطاق.
اعتبارات لواشنطن
كشفت الدراسة التقيمية، أن توجهات السياسة الخارجية للمغرب في عهد الملك محمد السادس، أدت إلى تعزيز المصالح الأمريكية إلى حد كبير، وأثبتت البلاد أنها حليف موثوق به في منطقة لا تفتأ تزداد تقلباً. ومع دخول الملك عقده الثالث من الحكم، ينبغي على واشنطن التأكد من أن الرباط تملك الوسائل اللازمة لمواصلة تسهيل الاستقرار الإقليمي.
فيما يشبه النصيحة، أو المشورة السياسية، إن شئنا الدقة، تؤكد الدراسة ، أنه وتحقيقاً الغاية، إثبات أن نظام محمد السادس حليف موثوقا به مع أمريكا، على صانعي السياسة العمل على إيجاد السبل التي تعزّز القيادة الأمريكية في إفريقيا، فبدعم أكبر من واشنطن، يمكن لـ “القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” (“أفريكوم”) أن تبني على النجاح الأخير للمشاركة العسكرية ومكافحة الإرهاب الذي حققته مع المغرب، وأن تكون بمثابة مركز لتعاون أوروبي أكبر مع الرباط فيما يخص التحديات المتعلقة بالهجرة، وأن تشجّع التنسيق الأمني المغربي مع الجزائر (وهو ما قام به مسؤولو “أفريكوم” بصورة غير علنية وفعلوه بصورة بناءة في الماضي).
تعود الدراسة للتأكيد، وبشكل متكرر، أنه ينبغي على واشنطن أيضاً النظر في توجيه المزيد من مساعداتها الثنائية للوكالات المغربية المسؤولة عن إدارة تدفقات الهجرة، التي لا تتحدى استقرار المملكة فحسب، بل استقرار حلفاء أمريكا الأوروبيين أيضاً. وأخيراً، وتضيف ومرة أخرى بشكل متكرر، أن المصالح المتداخلة الكثيرة بين الحكومتين تتطلب اتصالات واضحة ورفيعة المستوى، وهذا حسب الدراسة، لا يمكن لا يمكن أن يتتحقق إلا إذا أرسلت واشنطن سفيراً إلى الرباط.