ثقافة وفنوندابا tvميديا و أونلاين

فيلم العراب فيه الكثير من الحقيقة..ما لا تعرفه عن عصابات المافيا الإيطالية(فيديو)

عصر يوم 23 مايو صيف عام 1992، خرجت من مطار باليرمو الدولي في جزيرة صقلية الإيطالية سيارة مصفحة من نوع «فيات كروما»، تشق طريقها نحو مدينة باليرمو الجنوبية. تحمل بداخلها القاضي المكلف بمحاربة عصابات المافيا الإيطالية جيوفاني فالكونه وزوجته وسائقهما، يرافقهما ثلاثة رجال أمن مكلفين بحماية القاضي الأقوى على الإطلاق في محاربة الجريمة المنظمة في البلاد.

بعد قرابة ربع ساعة من القيادة، على مشارف بلدة «كاباشي» سجلت أجهزة الرصد الزلزالي والمسح الجيولوجي المحلية هزة أرضية خفيفة عند الساعة الخامسة و57 دقيقة. لتأتي الأخبار سريعًا تُطمئن المواطنين أنه لم يكن زلزالًا، بل هزة أرضية خفيفة ناجمة عن انفجار 400 كجم من المتفجرات زرعت في أنبوب لصرف مياه المطر تحت الطريق السريع «A29»، وأودت بحياة القاضي وجميع من كانوا معه.

مشهد من فيلم العراب الذي يحكي قصة عصابات المافيا

                                                                 دون كورليوني من فيلم العراب

مساء ذلك اليوم رفع سلفاتوره رينا -زعيم عائلة كوروليوني ومافيا كوزا نوسترا الأشد ترويعًا في إيطاليا ذلك الوقت- كأسًا من الشمبانيا الفاخرة أمام جمع صغير من الحضور، لكنه مهم، في أحد مخابئه قائلًا: «مرحي! لقد قتلناه! نخبكم جميعًا». يبدو المشهد مألوفًا في حياة عصابات المافيا، لكن بعد هذه الجريمة تحديدًا لم يعد النشاط المافيوي كما قبلها، ولم يعد هوليوديًّا كما اعتدنا رؤيته في الأفلام. دعنا نقص عليك جانبًا من قصة تطور عصابات المافيا في هذا التقرير.

«مافيا».. هنا كان عرب صقلية

يشكل الأصل اللغوي لكلمة مافيا لغزًا مثل طبيعة التنظيم الذي لا يُعرف إلا النزر اليسير عنه حتى وقت قريب. تعددت الروايات حول أصل التسمية. ففي الوقت الذي تعيد إحدى الروايات التسمية إلى وقت الحكم الفرنسي لجزيرة صقلية في القرن الثالث عشر، إثر اغتصاب أحد الجنود الفرنسيين فتاة صقلية؛ إذ خرجت أمها تركض في الشارع تصرخ مستنجدة باللهجة الصقلية «ma ffia ..ma ffia» أي «ابنتي.. ابنتي».

تعيده رواية أخرى مرتبطة بفترة الاحتلال الفرنسي إلى شعار رفعه السكان المحليون ضد الفرنسيين في القرن الثالث عشر كان يقول: «Morte alla Francia. Italia anelea»، أي الموت لفرنسا، إيطاليا إلى الأمام. يتبنى داعمو هذه النظرية فكرة أن الحروف الأولى من كل كلمة شكلت مفردة «مافيا» التي أصبحت النداء السري للمقاومين لإعطاء الإشارة لمهاجمة الفرنسيين.

رواية مشابهة حول أصل الكلمة تقول إن الكلمة تعود لنداء أطلقه ماتزيني، أحد قادة توحيد إيطاليا: «Mazzini Autorizza Furti Incendi Avvelenamenti»، إلى المجموعات المناوئة لحكم الملكية وسطوة البابوية في جزيرة صقلية مطلع القرن التاسع عشر لبدء الهجوم، إذ عنى الشعار «ماتزيني يأذن: اسرق، احرق، سمّم الإقطاعيين»، والحروف الأولى لكل كلمة تشكل كلمة مافيا.

لكن بعيدًا عن ربط أصل الكلمة بأحداث معينة، فهناك مختصون لغويون يعيدون التسمية إلى أصول لغوية عربية. فقد كانت الجزيرة تحت حكم العرب المسلمين لقرنين ونصف من الزمان من عام 827م حتى عام 1091م. وتناوب على حكمها مسلمون من بني كلب، والأغالبة والفاطميين. وهذا الوجود ترك تأثيره في اللهجة الصقلية آنذاك؛ فأعطاها وأعطته.

لهذا فإن بعض علماء أصول الكلمات يربطون كلمة مافيا بجذور لغوية عربية مثل محفل أي مكان الالتقاء، أو مهياص وجذرها هيص (هاص الشيء أي مارس العنف عليه)، ومنهم من يعيدها إلى اسم إحدى القبائل العربية التي توطنت صقلية. آخرون رأوا أن الكلمة تعود إلى كلمة (Miseria) بمعنى البؤس والفاقة في اللهجة التوسكانية التي تعتبر أم اللغة الإيطالية المعاصرة.

أما في اللهجة الصقلية فالكلمة تحمل معنيين: أحدهما سلبي للإشارة إلى أصحاب الجنح القضائية ومفتعلي المشاكل، بينما المعنى الآخر إيجابي للإشارة إلى الشخص المتأنّق والقوي. إلا أن الكلمة استقرت مع الوقت على المعنى الإجرامي الذي تحمله ونعرفه اليوم. وقد وثق الباحثون ظهور كلمة مافيا لأول مرة بمعنى الشخص المجرم في عمل مسرحي عرض عام 1863 بعنوان «مجرمو فيكاريا».

 النشأة: صراع عصابات المافيا الشعبية ضد مافيا السلطة

تشير الدراسات إلى أن نشأة عصابات المافيا ارتبطت بعاملين مهمين، هما الأرض والسلطة. ففي القرن السادس عشر كانت القارة العجوز لا تزال تقبع تحت براثن النظام الإقطاعي الذي يقوم على السيطرة على الأرض في ظل غياب سلطة الدولة المركزية سياسيًّا؛ لذا فإن الأراضي في المناطق البعيدة عن سلطة الدولة المركزية كانت دائمًا تحت سيطرة الإقطاعيين في المجتمعات الريفية التي تعيش على زراعة الأراضي عن طريق التعاون المشترك بين الناس، كما كان الحال في جزيرة صقلية.

مُلّاك الأرض، من طبقة النبلاء الصقلّية، في عهد مملكة الصقلّيتين (نابولي وجنوبها وجزيرة صقلّية 1816- 1861)، كانوا يعطون الأراضي للفلاحين ليعملوا بها مقابل حصولهم على نصف إنتاج الأرض في نهاية الموسم. وبسبب عيش النبلاء بعيدًا عن أراضيهم، ظهرت حاجة مع الوقت لنوع من الحرّاس لحماية أراضيهم، ولنوع من الجباة لضمان التزام الفلاحين بالاتفاقات مع أصحاب الأرض وتحصيل الضرائب التي كانت تعرف باللهجة الصقليّة المحلية باسم «Gabella»، والمأخوذة من الكلمة العربية «قَبِلَ، مقبولة».

كان اختيار هذه الشخصيات يعتمد على معرفتها للأرض وسكانها وعاداتها ولهجاتها. بحسب الدراسات، فإن هذين الشكلين الوظيفيين (الحرّاس والجباة) تطورا وظيفيًّا تحت سلطة الإقطاعيين حتى وصلا إلينا مع الوقت بصورتهما الحالية.

في فترة تشكّل عصابات المافيا هذه، مارس الحرّاس والجباة سيطرة شديدة على الأراضي، ومارسوا أشنع أنواع الامتهان والاستغلال لسكان الجزيرة، فانتفض السكان بوجه البارونات وملّاك الأراضي مرات عديدة. ما دفع لظهور مجموعات «روبنهودية» كانت تسرق من الأغنياء والإقطاعيين وتعطي الفقراء، تعرف في الدراسات المختصة «بالمافيا الشعبية».

هذه المجموعات التي وفّر الصقلّيون لها حاضنة اجتماعية نظير شهامتها ودفاعها عنهم، تبنّت مطالب ثورات الفلاحين والفقراء في الجزيرة بهدف تحرير الأراضي الزراعية، وفرض نظام ملكية للأراضي أكثر عدالة. ولم تتردد تلك المجموعات في عقد المحاكمات الشعبية لرؤوس الإقطاع والمتعاونين معهم، وإنزال أشد العقاب عند إلقائها القبض على أحد منهم.

بسبب ذلك وبسبب الثورات الفلاحية المتكررة التي كانت تطالب بالإصلاح الزراعي، وإلغاء التجنيد الإجباري، والتخلص من الإقطاعين، والأهم أنها كانت تطالب بتقسيم الأراضي، عمد الإقطاعيون إلى تشكيل قوات شرطية غير رسمية ضمت طيفًا غير متجانس من المنتسبين لهذه القوات، سمّاها المختصون «مافيا السلطة». شملت بعض أبناء العائلات الغنية، والنبلاء، وحتى المجرمين وقطاع الطرق. كان هدفها هو التخلص من المجموعات التي تدافع عن السكان، وتأديب الفلاحين الثائرين وإجبارهم على العمل بالسخرة، مقابل منح أفراد هذه القوات بعض الامتيازات لقاء خدماتها.

قانون التطور «المافيوي».. كيف تبدّل عصابات المافيا جلدها؟

واحدة من أهم سمات المافيا كما يصفها القاضي أنتونيو كابونيتّو، قاضي واحدة من أهم محاكمات عصابات المافيا التي عرفت باسم «antimafia pool» في ثمانينيات القرن الماضي، هو سعيها المتواصل للتقرب ممن بيده السلطة، وتغيير ولائها بسرعة كبيرة، والقفز على ظهر الحصان الفائز دائمًا.

بينما لاحظ «مركز التوثيق الصقلّي» المختص بمحاربة المافيا، أن أهم سماتها هو قدرتها على التكيّف مع الظروف التي تحيط بها بهدف ضمان استمراريتها. فلا مشكلة لدى عصابات المافيا في تغيير كل أساليبها، وتحالفاتها، وأدواتها، في سبيل ألا يتأثر مقصدها الأساسي؛ وهو استمرار تدفق الثروة، والأهم ضمان حصة من أي مصدر جديد للثروة يأتي به التقدم البشري.

البداية من وصول جيوش الوحدة الإيطالية عام 1863 من الشمال الصناعي المتقدم إلى الجنوب الزراعي المتأخر، كان إيذانًا بعصر جديد للدولة الإيطالية، وعصابات المافيا، على حد سواء. البلاد التي كانت عبارة عن مجموعة من الممالك خضعت لسلطة مركزية، وصار لها جيش موحد، ودولة تقدم خدماتها مقابل ضرائب مفروضة.

هذه الدولة الناشئة حديثًا لم تصطف إلى جانب مطالب الفلاحين، والمجموعات المقاتلة التي كانت تدافع عنهم. بل على العكس رأت أن من مصلحتها عدم الاستجابة لأن في ذلك تقسيم أكبر للأرض والثروة والسلطة الذي يعد في غير مصلحتها.

لذا بحلول عام 1866، كان قد تم القضاء على المافيا الشعبية وسحقها على يد جيوش الوحدة. في المقابل فإن عصابات المافيا التي نعرفها اليوم باتت جزءًا من المشهد السياسي الجديد في إيطاليا الذي سيطر عليه الصناعيون الشماليون، وأباطرة الزراعة الجنوبيون؛ إذ صار الإقطاعيون جزءًا من نخبة النظام السياسي الجديد، الذي في سبيل بسط سيطرته على أراضي الجزيرة، أبقى على امتيازات العائلات الإقطاعية.

رأت الدولة الجديدة أن هذه العائلات حافظت على نظام معين في الجزيرة بسبب حماية العائلات المافيوية لهم. ومن جهة أخرى، رأت أن المواطنين وبالرغم من قسوة الظرف إلا أنهم متكيفون مع الوضع القائم بصورة أو أخرى. لذا لم ترغب الدولة الجديدة بالإخلال بالتوازن الاجتماعي القائم طالما أنه في نهاية المطاف يصب في مصلحتها.

تركز النشاط المافيوي في هذا الوضع الجديد منذ الوحدة وما بعدها حتى خمسينيات القرن العشرين على القطاع الزراعي والأرض والسيطرة عليها. ومنها بدأ بتوسيع نشاطه لأول مرة لحسابه الخاص من خلال كل ما له صلة بالأرض؛ لذا فقد فرض النشاط المافيوي سيطرته على تجارة الحمضيات ونقلها وتخليصها، خصوصًا الليمون والبرتقال. التجارة التي أعطته الفرصة لتأسيس العمل الخاص به لأول مرة، بدلًا من العمل لحساب الآخرين.

ومع بدايات مشاريع التكامل الأوروبي في ستينيات القرن الماضي، عمدت الحكومات الإيطالية المتعاقبة إلى إحداث تغييرات هيكلية عميقة في الجانب الاجتماعي والاقتصادي في عموم إيطاليا، والجنوب تحديداً؛ لإلحاقه بركب التحضر والتمدن. تركز إنفاق الدولة آنذاك على مشاريع تحضير المجتمع والمدن الإيطالية، لذلك أصدرت الحكومة الإيطالية قانونين خاصين لتمدين الجنوب الإيطالي وتحديثه عامي 1946 و1950.

الحقيقة التي وجدت فيها عصابات المافيا فرصة ذهبية لمراكمة ثروة أكبر من جيب الدولة وخزينتها مباشرة. لذا فالعصابات المافيوية دخلت على خط المشاريع العملاقة إما مباشرة بإنشاء شركاتها الخاصة، وإما من خلال شركات عقارية قائمة بالفعل للاستفادة من العطاءات العقارية التي طرحتها الدولة، والقروض الممنوحة من مؤسسات الائتمان الكبيرة في إيطاليا لغايات تنفيذ تلك المشاريع.

وجدت العائلات المافيوية نفسها في سبعينيات القرن العشرين وقد تحصلت على ثروة ضخمة راكمتها عبر السنين السابقة من خدمتها للإقطاعيين، والسيطرة على التجارة الزراعية في الجنوب الإيطالي، ومن التغلغل في مشاريع الدولة العقارية. فكان لزامًا عليها إيجاد حل لهذه المعضلة حتى تستطيع استغلال هذا المال، واستخدامه في تنمية ثروتها بشكل قانوني.

وجدت عصابات المافيا الإيطالية الحل في النظام المالي العالمي. كون النظام المالي العالمي غير واضح جدًا، وتشوبه الكثير من حالات الغموض في ما يخص تعاملاته المالية التي سهّلت اختلاط رأس المال القانوني، بغير القانوني. بالتالي سهل على هذه العصابات عملية تدوير أموالها من خلال قنوات رسمية في الاقتصاد المعولم، وقوانين حرية انتقال رأس المال، وفي دول الملاذات الضريبية الآمنة، وفي قوانين سرية، وخصوصية العملاء في البنوك حول العالم تحت بند السرية المصرفية.

«وراء كل حظ عظيم جريمة». *لوشانو المحظوظ، موحّد عائلات المافيا الإيطالية الخمس في نيويورك وزعيمها

لا بد وأن مشهدًا سينمائيًّا واحدًا على الأقل عن عصابات المافيا قد صادفك في أحد الأفلام. أو أنك شاهدت فيلم العرّاب وشكلت صورة ذهنية ما عن عالم هذه العصابات. لا تكذب هذه الأفلام عندما تتناول مسألة القيم العائلية، ولا تبالغ أبدًا على أي نحو تصوره. لذلك تجد أن العمل لدى المافيا الإيطالية تحديدًا يحتاج للرعاية تمامًا مثل العائلة، وتحميه كما تحمي عائلتها حتى لو تطلب الأمر القتل والنار. وبحكم تكوينها ونشأتها فإن لديها فلسفتها التي لا غنى عن إدراكها لفهم سلوكها.

فيلم العراب

عائلات المافيا التاريخية ولدت في بيئة قاسية اجتماعيًّا وطبقيًّا، في فترة كانت القوة بكل أشكالها هي السبيل الوحيد لاقتطاع لقمة العيش. لذا فهي تؤمن بأن لها الحق في نصيب من الثروة بغض النظر عن مصدرها (الأرض والزراعة والسخرة سابقًا، العطاءات والعقارات والصناعات الإنشائية والأسواق المالية لاحقًا)، وترفض بناءً على ذلك تركيز السلطة، بيد جهة ما تحتكر مصادر الثروة (زعماء الإقطاع قبلًا، والدولة والشركات الرأسمالية لاحقًا).

لذلك فالعائلات المافيوية تعتبر كل من يقف في طريق تحصيل نصيبها من الثروة عدوًا لها يجب التخلص منه على قاعدة: «Nothing personal, it is just business»، أو لا شيء شخصي، إنه فقط العمل، كما كان يقول رجل المافيا أوتّو بيرمان.

قد تكون موجة اغتيالات عصابات المافيا الإيطالية لشخصيات عامة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي إثر ملاحظة السلك القضائي في إيطاليا أن ظاهرة العصابات المافيوية متغلغلة في المجتمع ومفاصل الدولة أكثر مما كان يتخيل؛ أخر عهد المافيا الإيطالية بهذا النوع السينمائي من الإجرام. فقد أدى ذلك إلى فتح عيون مؤسسات المجتمع المدني والناشطين إلى جانب الدولة على نشاطات هذه المنظمات، وتعاظمت مع الوقت الاحتجاجات عليها.

وآخر شيء تريده المافيا هو أن تكون تحت الأضواء الإعلامية والحقوقية. والحال كذلك، فإن عصابات المافيا الإيطالية بدأت تتعقل من هذه الناحية، وصارت أكثر حرفية في إدارة علاقاتها. فلماذا تقتل شخصًا بينما تستطيع شراءه، أو شراء رئيسه، أو حتى شراء المؤسسة التي يعمل بها. خصوصًا أن الرسالة من وراء تلك الاغتيالات قد وصلت إلى الجميع، والهدف منها قد تحقّق.

من طرائف زعيم عائلات المافيا الإيطالية لوشانو المحظوظ قوله ذات مرة إن «وراء كل حظ عظيم جريمة»، أثبتت هذه المقولة المخيفة قوتّها وصحتّها دائمًا. تلك هي الحقيقة المرعبة التي توصّل القاضي جيوفاني فالكونه إلى تجليّاتها في إيطاليا، فكانت سببًا في نهايته. اكتشف المحققون أن المافيا ترتبط بعلاقات سرية مشبوهة مع سياسيين، وأحزاب سياسية. لم يصل تأثيرها فقط حدّ أنها أوصلت نوابًا وأحزابًا بعينها إلى البرلمان الإيطالي لخدمة مصالحها، بل إن الاكتشاف الأكبر كان علاقة عصابات المافيا برأس الدولة جوليو أندريوتّي رئيس الوزراء الإيطالي لثلاث دورات بين عامي 1972- 1992.

زعيم عائلة كورليوني- مشهد من فيلم العراب

تبيّن للشعب الإيطالي أثناء محاكمة رئيس وزرائهم في ما عرف في البلاد بـ«محاكمة القرن» في مارس (آذار) 1993، أي بعد عام تقريبًا من اغتيال القاضي فالكونه، أنه كان التقى بزعيم عائلة كوروليني وزعيم عصابة كوزا نوسترا الصقلّية، سالفاتوره رينا، أكثر من مرة لأغراض مصلحية. اتهم المحققون أندريوتي باستغلال منصبه لضمان نجاح مرشحي حزبه في صقلّية عن طريق دعم عصابات المافيا له، واغتيال خصومه السياسيين مقابل حمايته لهم، وتسهيل أعمالهم.

لذلك وفي لقاء معه، عبّر رئيس جهاز مكافحة المافيا في إيطاليا عن رعبه من هذه السياسة المافيوية التي لم تعد تطلق النار، ولم تعد تقتل أحدًا منذ أكثر من 25 عامًا. تمنى الرجل ألا يكون هذا السبات الطويل بسبب أن عصابات المافيا في كل مكان من حيث لا يشعر أحد بذلك.

لا يعلم تمامًا إن كانت المافيا قد تخلت حقيقة عن سياسة الاغتيالات لتغيّر في فلسفتها، أم لأنها وصلت إلى حيث تريد فلا داعي مؤقتًا للعنف. بيد أن خوف الرجل له من التجارب التاريخية ما يبرره، خصوصًا أنه عاش ليرى المستثمر الشاب سيلفيو برلسكوني الذي أثبتت التحقيقات أنه دفع مبالغ طائلة كل ستة أشهر على مدار 20 عامًا للمافيا لحماية مصالحه وأفراد عائلته، قد صار رئيسًا لوزراء الجمهورية الإيطالية من عام 1994 إلى عام 2011 بدلًا من أن يُحاكم.

المصدر: منقول عن الموقع الإعلامي “ساسة بوست” لللكاتب مأمون خلف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى