ثقافة وفنونرأي/ كرونيك

السيتكوم والتخلف الإعلامي بالمغرب

 

بقلم الأستاذ عبد الله المعاوي مراكش

اجتاح المغرب في العقد الأخير من القرن العشرين ظاهرة السيتكوم الدرامي، التي أصبحت تُعَد في هذا العصر من المُقبّلات الفنية التي تغرق الأطباق الغربية كأهم وسيلة للتساكن مع العائلات والأفراد المتشوقين للترفيه الدرامي بعد ساعات العمل الشاقة خارج المنازل .

وقد استطاع الإعلام المغربي الرسمي أن يفرضها بدوره على العائلات المغربية، مستغلا في البداية احتياجاتها للترويح والتنفيس بمناسبة شهر رمضان الأبرك. وبعد ذلك ستصبح مادة استهلاكية يومية للعائلات الملتصقة بأطباق الإذاعات والقنوات التلفزيونية العربية طيلة اليوم. فيساهم الإعلام المحلي المرئي وكعادته في فبركة الجماهير)) الواوية((  في مجال الصورة والصوت، وفي تكوين وتكريس المفاهيم المغلوطة في مجال الدراما التلفزيونية، لتضيفها إلى المفاهيم الخاطئة في مجال السينما والمسرح والأغنية، وخاصة الأشكال الفنية الشعبية منهما.

لكن أهم ما تجب الإشارة إليه في هذا البرولوج التشريحي هو أنه إلى جانب القصور الدرامي الذي أصبح شائعا في الساحة الفنية المحلية يجب إضافة توقف النقد الفني مشدوها في نهاية القرن العشرين أولا أمام الغزو الدرامي التلفزيوني الغربي الذي غزى العقول المهيئة سلفا للاستيلاب  و توقفه ثانيا عن أداء مهمته التي كان يقوم بها بامتياز بجانب الأعمال الفنية الكبرى، التي عرفها المسرح بصفة عامة ومسرح الهواةعلى الخصوص من الستينات الى الثمانينات من القرن الماضي.

لقد كان النقد الفني الممارس على صفحات الجرائد والمجلات آنذاك في مستوى الزخم الفني الذي شهد ربيعهالزاخر على خشبات المسرح وخاصة في الملتقيات الجهوية والمهرجانات الإقليمية والوطنية والعربية.

لكن في المقابل عبّر هذا النقد عن عدم الرغبة  في مسايرة التوجه التلفزي الذي أعلن سلفا عن معاداته للزخم المسرحي منذ البداية،بحكم أن الإعلام الرسمي كان أداة مهمة من أدوات الدولة التي ناصبت العداء لكل ما هو ثقافي جاد في الساحة الثقافية والفنية المحلية.وجعلت هذه الأداة من نفسها جزيرة محمية للأشكال المتخلفة المعتمدة على التهريج والتمجيد فقط. واعتبرت كل ما عداها عدوا تجب محاربته وإغلاق منافذ فرص الوصول عبرها إلى الجماهير العريضة في وجهه. وبلغ هذا الحصار أوجه عندما تحولت دار الإذاعة والتلفزة (بالواضح ) إلى عمالتين تابعتين لوزارة الداخلية. وأصبح الفن بدوره خاضعا الى مقياس ( ما من شأنه)الضارب بعنف لكل ما هو ثقافي بنّاء.

في قمة هذه الممارسة التي رسخت سُنّة التكلاخ والتبليد، ومحاربة خلق الوعي الثقافي والاجتماعي العمومي، تربع شكل السيتكوم على يداالقياد والعمال على البناء الدرامي بتلفزة الداخلية. واستعمله الكاتب  والممثل المأجور وبالتالي المخرج والمنفذ النافذ  لتصوير الوجه المشوه من حياة المواطن .فأعطيت الفرصة للنماذج التراثية المشوهة كالأبله والمعتوه المقتبسين من الجانب المتخلف من الحكايات الشعبية الهجينة . واستخدم اللسان العروبي وصور البادية لتصوير مظاهر التخلف في البادية . وأصبح الممثل بهذه الأعمال المتخلفة وجها حصريا على نماذج متكررة ومستهلكة ،حتى في حالة انتقال العمل من البادية إلى المدينة .لتصور نماذج الشوافات والسحرة والنائحات في مقالب لا تخرج عن اللسان العروبي المتخلف ذهنيا وعقليا .

هذه الصورة القاتمة التي عرف بها المتلقي دراما السيتكوم أو فراجة السيتكوم بالقناتين الرسميتين هي التي أبت بها قناة عربية شرق أوسطية إلا أن تكرس مفهومهابسلسلة (دابا تزيان) التي أتمت مت أعانت عنه بالجزء الأول .فلا السيتكوم في حد ذاته كشكل درامي فرجوي (زيان) ولا حلقاته المتتالية (زيان فيها شي زفتة ) مما يفرض على النقد تحمل مسؤوليته في تفسير ونقد هذا الشكل المغلوط من إلإبداع وتحمل المسؤولية في ّإعادة تقديمه .

وهذا ما سنحاول متابعته في الحلقات المقبلة من هذه السلسلة.

تحول التلفزة إلى أم الخبائث  الإعلامية

إن هذا الرصيد الكبير من السيتكومات التي أتحفتنا به القناتان هو أكثر المنتجات التلفزية الممارسة لخيانة الوطن.فهو يمجد بلغة فجة أشكال التبعية التي تعيد تواجد الاستعمار الغربي والعربي  بالبلد.ويساهم بمنهجية سرطانية في تحبيب الأقفاص للمشاهد الوفي.وينوب عن النخاع الشوكي في إخضاع خلايا عضلات أغلب المشاهدين بصفة عامة والمرأة بصقة  خاصة لعبادة العلبة السوداء الخبيثة. فتحولت القنوات بهذا إلى أم الخبائث المختارة لدى المتلقي الوفي .

إن هذا ما سهل عملية الخراب في المفاهيم الفنية عند المتلقي بصفة عامة وخاصة ما يتعلق منها بالسينما

والتمثيل والمسرح والأغنية (الشبابية) منها.

وبقدر الترويج الذي تقوم به القنوات للسلع الاستهلاكية،أقنعت متتبعيها بأنه شعب ينتمي إلى بلد استهلاكي عليه تقبل المواد الغربية والتركية والميكسيكية على أنها البلدان الأمثل للإنتاج. وأقنعته بأن ثقافته الفنية لايمكنها أن تتجاوز إنتاجه بنفس القدر الذي كان يومن بالنموذج المصري الذي دجنه في زمن سابق. وأقنعته بأنه إذا فكر في الخلق والإبداع فمن اللازم عليه أن يخضع خياله لخلق بشر وعوالم لا يجدها في واقعه اليومي  هو، ولكن عليه اختراعها من تراثه المتخلف ليعيشها من جديد. فوجد ضالته في الإنسان المعتوه وعوالمه القبيحة المحيطة به، وما عليه إلا أن يهرب إلى كل هذا  كمتلق مشلول يمشي بخطوات ثابثة نحو الخراب.

كل هذا وذاك ساهم بشكل منطقي في خراب الذوق الفني .وأعلن بقوة عن سقوط وعي الإنسان المتلقي.

هكذا اخترنا أن لا نتردد لحظة في أن نكشف عن هذه المعطيات التي تحدثنا عنها مجتمعة أو متفرقة ونحن نتابع حلقات (دبا تزيان) حلقة من وراء حلقة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى