بلحاج حارس معبد ناس الغيوان..وحديث عن الوداد الرجاء الطاس وعن الحي المحمدي وأشياء أخرى
أحمد وحمان الملقب ببلحاج تعرفت على هذا الرائع في أواسط التسعينات،عرفته مناضلا متيما بأفكار اليسار مساهما في الحركة النقابية، بحكم أنه كان إطارا في المكتب الوطني للسكك الحديدية، قبل أن أكتشف أن ابن الحي هذا ذاكرة متنقلة تنتقل بك إلى تفاصيل تاريخ العاصمة الاقتصادية، والتغيرات التي عرفتها هذه المدينة الغول، ليعرج بك إلى خريطة الحي المحمدي منذ الإحداث إلى الآن ليفاجئك بدرايته الواسعة بالمجال الفني والرياضي، وأهم الأحداث التي عرفها المجالان.
يحكي بانسياب غريب عن الرجاء والوداد والراك والتبات والنجم وغيرها من الفرق، ليزداد التشويق وهو يتحدث عن معشوقته الطاس، وحين يعرج عن الحركة الغنائية والسينمائية والمسرحية خصوصا على مستوى الدارالبيضاء، تظل مشدودا إليه لأنه لا ينسى التواريخ والسنوات والعناوين والأسماء والأحداث والسياقات، لا حصرلأصدقائه في هذه المجالات وحتى في عالم السياسة والعمل الجمعوي.
رجل أنيق يتمتع بجمال المظهر والقامة اشتغل مبكرا على خلاف أصدقائه لكنه ظل قربهم وإلى جانبهم في نكران عجيب للذات، ما أحببت كثيرا في هذا الرجل وربما هذا هو أقوى ما استفدته منه إلى جانب مولاي الطاهر الأصبهاني نجم مجموعة جيل جيلالة، هو عشق الظل، وهنا لا بد من التأكيد أنه لولا بلحاج لما خرج كل ذلك التوثيق المحقق حول ناس الغيوان والمجموعة الرائدة لمشاهب، فدوره في هذه العملية كان كبيرا، كان مصرا وملحا لأن نقوم بهذا العمل، إذ كان السياق غير السياق الحالي، منه ندرة وسائل الإعلام واحتكار التلفزة، التي كانت تفرض ما تشاء على المتلقي، في كل مرة نلتقي يعاود ذات السؤال ” إذا لم تحفظ جريدتكم ذاكرة الغيوان وجيلالة ولمشاهب وتكادة .. فمن سيقوم بهذا الأمر؟ “.
كان بلحاج على علاقة وطيدة بالمرحوم بوجميع والعربي وعلال وعمر السيد والروداني أحمد وعمر الدخوش ومحمد باطما ومحمد سوسدي والبختي والدمراوي ومفتاح ومحمود السعدي وأغلب أعلام الحي المحمدي من مثقفين ورياضيين وغيرهم، عندما انقطعت علاقة الغيوان بالطيب الجامعي كلفته المجموعة بالإشراف على العائدات المالية للمجموعة من السهرات، مع تدبير إدارة الفرقة، لأن ثقة أفرادها فيه كانت كبيرة، من جهة لأنه صديق حميم، ومن جهة لأنه إطار متعلم ويمكنه تنسيق علاقات المجموعة مع المتعاملين معها، فعلاقته مع بوجميع تعود لسنة 1957 .
ويذكر بلحاج جيدا كيف كان بوجميع يبدع في المخيمات التي يشاركان فيها إلى جانب أقرانهم بكورنيش الدارالبيضا، حاملا الدعدوع ويغني أغاني تمجد استقلال المغرب مع أغاني أخرى لا تخلو من الكوميك والانشراح تمتح من الموروث الفني المغربي الأصيل، ليعرج على نبل الرجل وقوة شخصيته وكيف يحترمه حتى “الصعاصعية ” في تلك الفترة رغم هيئته، فقد كان الرجل يخجلك بقوة لسانه وطريقة معاتبته لمن يعتدي من أصدقائه، فمرة يحكي بلحاج أن صديقا لهم كان عاطلا عن العمل ضرب سيدة كانت مقربة منهم، وعندما جاء بوجميع أخبروه بما جرى بين الصديق وتلك الآنسة، فجلس في ركن وأخذ يردد على مسامعهم بهدوء وهو يمرر يده على شعره “ولاش ما يضربش الكوربة ف المارشي .. ولاش مايضربش السروية بحال الناس ..وعلاش ماينوض يضارب مع الزمان..” ، وظل يعدد من هذه الجمل وهم يستمعون فقط إلى أن اشتد الخجل بالصديق الذي لم يجد بدا من المغادرة حتى يهدأ بوجميع من غضبه.
فقد كان الجميع يخشى ” النكير ديال بوجميع”، كنا نجتمع بشكل مسترسل – يقول بلحاج – في بيت الفنان شفيق السحيمي بشارع مصطفى المعاني بالدارالبيضاء، حيث كانت تجمعه علاقة قوية ببوجميع والعربي باطما، وكانت الثلة تضم باري والعربي قصبة وهو رجل صاحب نكتة، وبين الفينة والأخري تلتحق بنا أسماء أخرى معروفة في الساحة الفنية المغربية اليوم، يحكي بلحاج أيضا عن بوجميع الكوايري الذي مارس في فريق التبات، ويحيلك على قصة اللاعب الكبير الغزواني، الذي سجل هدفا في مونديال 1970 ومرر كرة هدف للاعب حمان، وكيف أقنعه بوجميع بالانضمام إلى فريقه قبل أن يشق طريقه نحو الطاس ثم الجيش الملكي والمنتخب، رغم الصداقة التي تربط بلحاج ببوجميع فقد كان الأخير يتبرم من طلب شيء منه.
فمرة كان بلحاج جالسا بمقهى لاكوميدي ينتظر انتهاء أصدقائه من التمارين بمسرح الصديقي، وكانت الغيوان لم تظهر بعد، جاء عنده بوجميع وقال “بلحلج بغيت 6 دريال لأركب الحافلة “، استغرب من طلبه فبإمكانه مده بكل مايريد، أخرج بلحاج درهما وأعطاه لبوجميع، بعد مدة عاد الأخير وأعد لبلحاج 14 دريال، فسأله بلحاج “آش كدير آبوجمعة؟” فرد عليه” بغيت 6 دريال كون بغيت درهم كون خديت عندك درهم”.
يعود بك بلحاج في جلساته إلى لقاءاته الأولى بالعربي باطما في الستينيات ويذكر كل التفاصيل، ويصر أن يحكي عن احمد الروداني وعمر دخوش والدور الذي لعباه في إبراز إسم العربي، حينما أقنعاه بالانضمام إلى فرقتهما المسرحية الإنارة الذهبية التي كانت تضم أيضا الفنان بنبراهيم وخليفة، وسيلتحق بها أيضا محمد باطما، ويسرد عليك مختلف الأعمال التي قدمتها هذه الفرقة كمسرحية “سوق الرخا” ومسرحية “الدربالة والدعدوع وكركور سيدنا الشيخ” وغيرها من الاعمال التي استمتع بها الجمهور، ويحيلك أيضا على فرقة رواد الخشبة التي كانت تضم بوجميع ومحمد مفتاح وعمر السيد وميلود أوعلا المعروف بعلي وردة والذي لعب للطاس بالإضافة إلى حميد الزوغي الذي كان له الفضل في إلحاق الجميع بمسرح الطيب الصديقي بمن في ذلك محمود السعدي.
بلحاج لم يشتغل فقط مع الغيوان، بل إن محمد سوسدي ومحمد باطما في تقليعة لمشاهب، كان اختيارهما على بلحاج ليكون رفيقا للبختي في تدبير أمور المجموعة حيث سيقوم بعدة جولات مع هذه الفرقة الرائعة إلى أن أخذت مسارها.
كانت إدارة جريدتنا قد قررت الاهتمام بالتوثيق وخلق بنك للمعلومات في شتى النواحي الفنية والسياسية والاجتماعية والحقوقية والرياضية وغيرها، وقد انخرط كل أعضاء هيئة التحرير في هذه العملية، وقدم إخواني وزملائي نجمي والعراقي وعاهد وبهجاجي ولعسيبي والساطوري ومنتسب واجماهري ومصباح والباعقيلي وبنداود وهادن الصغير وحسن نرايس والكباص والبومسهولي ومصطفى المسناوي والبداوي والنحال.. مجهودات كبيرة في هذا الباب، واخترت أنا وحسن حبيبي الاهتمام بالشق المتعلق بالحركة الغيوانية، هنا سيكون معيننا الأول هو هذا الرجل أحمد وحمان بلحاج الذي سهل علينا عدة أمور من خلال مدنا بمعطيات، ويذلل جلساتي أنا شخصيا مع مجموعة من الفنانين والأعلام التي عاشت مسار الأغنية الغيوانية ويركز على التدقيق كأن ينصف فنان جيل جيلالة مولاي عبدالعزيز الطاهري في عطائه الفني مع الغيوان، بل ودوره في تأسيس الفرقة، وكذا دور الباهري احميدة ومحمد في تأسيس لمشاهب، حتى أصبحنا نطلق عليه “البواط نوار” .