رأي/ كرونيكمجتمع

في قضية العفو عن من بتر يد امرأة: بلاغ وزارة العدل التبريري أعذار أقبح من زلة.. مع قصور الوصف

خالد بكاري

بلاغ الوزارة يفتقد للحس الإنساني، إذ يتحدث عن السيدة التي،، ويجردها من صفة الضحية والمتضررة، فإذا كان العفو يفترض أن يكون لدواع إنسانية، فالبلاغ الذي صدر جاء خلوا من أي حس إنساني، قد يقول قائل تلك صياغة إدارية تقنية وظيفية، والحال أنه بلاغ موجه للرأي العام، وليس مراسلة إدارية.

بلاغ وزارة العدل يتحدث على الرجوع لسجلات لوائح العفو، في حين أن المطلوب كان فتح تحقيق جدي ونزيه في النازلة، مادامت أصبحت قضية رأي عام، وقضية غير بسيطة لارتباطها بقرار وقعته أعلى سلطة في البلاد.

بلاغ وزارة العدل يتحدث عن أن الظنين قضى ثلثي مدة عقوبته، وأنه تلقى تكوينات في المؤسسة السجنية، وأنه يتمتع بسيرة حسنة، وهذه المواصفات إن صدقت قد تنطبق على أكثر من نصف الساكنة السجنية، مما يقتضي تبرير لماذا انتقاء هذه الحالة، والإبقاء على حالات كثيرة دخلت بسبب جنح وجنايات لاترقى من حيث الدرجة الجرمية لبتر يد ضحية.

لا يجب أن يفهم من كلامنا أننا من أنصار المقاربة العقابية التي تجعل “الانتقام” أو “التشفي” فوق التهذيب والتأهيل، ذلك أن رقم 5600 الذين تمتعوا بالعفو من ضمن أكثر من 80 ألف، كان يمكن أن يكون أكثر في ظروف هذه الجائحة. الإشكال في آلية الانتقاء أو التدخلات التي تسمح بالعفو عن حالات “مشبوهة” والإبقاء على حالات لا يشكل خروجها أي خطر على المجتمع أو يهدر حقوق ضحايا.

يتحدث البلاغ أنه من حق الضحية أن تتابع موضوع حقها المدني المتمثل في التعويض عن الضرر، لكن هل التفت الذين انتقوا او تدخلوا لصالح الظنين إلى الأمر؟ هل من المعقول العفو عن شخص بتر يد امرأة ولم يعوضها بعد عن الضرر؟

يقول البلاغ إن من أهداف العفو مساعدة السجين على إعادة الإدماج في المجتمع، وهذا مطلوب ويقتضي التشجيع، لكن في هذه النازلة، كيف سنسهل عملية الإدماج إذا كان المجتمع سيتعامل مع المفرج عنه كشخص أفلت من العقاب على حساب عذاب امرأة مبتورة اليد ومصابة بالسرطان وتعاني الهشاشة والفقر؟ كيف سيكون الإدماج والمعني بالأمر مهدد بالعقوبة السجنية مرة أخرى إذا عجز عن تأدية مبلغ التعويض تحت طائلة الإكراه البدني؟.

شخصيا أعتبر الكثيرين من الساكنة السجنية ضحايا، ضحايا سياسات تصنع الهشاشة المادية والقيمية والأخلاقية، ومنهم كذلك ضحايا القانون الجنائي او أحكام القضاء، ولكن لا يمكن سوق هذا التبرير للإفلات من العقاب، فهذه السياسات الفاشلة نستحضرها لفهم ارتفاع معدلات الجريمة وليس لتبريرها.

لو كان الجاني مصابا بمرض مزمن خطير لتفهمنا القرار، ولتفهمته حتى الأم غالبا، وهذا لم يرد في بلاغ الوزارة، لو كانت هناك مفاوضات مع الضحية حاز بموجبها الجاني صفحا جميلا منها لكان الأمر مقبولا، لو كان الجاني قد أدى ما في ذمته من تعويض للضحية لهضمنا هذا العفو، لو كان هناك عفو مقرون بعقوبة بديلة مكافئة لما تبقى من عقوبة لصالح المجتمع خصوصا في هذه الظروف لكان الأمر أدعى للتشجيع.

و للمقارنة مع التساؤل: الصحافي المهداوي قضى اكثر من ثلثي عقوبته، وتابع دراسته إلى حدود الإجازة في الحقوق، وهو الحاصل قبلا على إجازة في الآداب، ولا يشكك أحد في حسن سلوكه وأخلاقه، ولم يؤذ أحدا، وسيرحب الجميع بإطلاق سراحه، كيف يتم الاحتفاظ به بمنطق المواصفات الواردة في بلاغ وزارة العدل مقارنة مع هذا الشخص؟

سيقول قائل، تلك قضية سياسية، فنقول: كيف تغيب صفة المعتقل السياسي في التصريحات الرسمية، لكنها تستحضر في الاستثناء من قرارات العفو؟

إذا كان الزفزافي و المهداوي وباحماد ورفاقهم معتقلين سياسيين فهم يستحقوق إطلاق سراحهم، وإذا كانت الدولة تتعامل معهم على أساس أنهم معتقلو حق عام، فكيف لم ينطبق أي معيار من معايير الحالات الإنسانية والموضوعية الواردة في بلاغي وزارة العدل على أي واحد منهم؟

يختتم بلاغ وزارة العدل بالإشارة أن العفو يشمل الأشخاص المدانين بأفعال جرمية وليس الأبرياء، وهي عبارة شاردة، لأن فلسفة العفو تشمل الإثنين، الذين ارتكبوا أفعالا جرمية لأسباب إنسانية أو تأهيلية، والأبرياء الذين اتضحت براءتهم بعد استنفاد جميع مراحل التقاضي، حيث تظل آلية العفو هي الوحيدة الكفيلة بتصحيح الأحكام القضائية، وفضلا عن شرود العبارة فهي ركيكة تفيد ضد المراد منها، إذ بنيتها التركيبية والدلالية تعني وجود أبرياء في السجون. ولا أعتقد أن هذا مراد من صاغ البيان، ولكنها الركاكة في العبارة كما هي الركاكة في التعبير.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم إخواني
    بعد قراءتي المتكررة للمقال الوارد اعلاه و المنشور عبر جريد دابا بريس، أريد أن أطرح مجموعة من الملاحظات:
    1) ان كاتب المقال عمد الى استعمال أسلوب التعاطف ليشد اليه انتباه القارئ لكنه فشل في بلورة هذه الطريقة على مستوى النص كله.
    2) اسلوب صحفي ضعيف يدل على ان الكاتب اما مبتدأ في الميدان أو مستواه التكويني لابأس به و لم يستطع الإحاطة بموضوع يظهر انه بسيط لكنه من النوع السهل الممتنع.
    3) التكوين القانوني ضعيف بحيث لم يستعن باصحاب البدلة السوداء ليفسروا له ما يلزم. فالملف مقسم الى قسمين، قسم جنحي و قسم مدني. اولهما ان اقصى عقوبة حبسية ممكنة في هذه النازلة هي 15 سنة و حكم عليه ب 12 سنه مراعات لعدم سوابقه، لكن الجانب المدني كان اثقل و هو 30 مليون سنتيم. و في حالة عدم الاداء خلال مدة الحبس ترفع المجني عليها دعوة للمطالبة بالحق المدني آي التعويض و في حالة عدم الاداء يعاد حبسه لدة لا تزيد عن 5 سنوات.
    4) بلاغ وزارة العدل كان مشتملا لكل الاركان التوضيحية اللازمة غير ضعف مستوى الكاتب في الجانب القانوني جعل الامر يختلط عليه و لم يتمكن من فهم جوهر الردٌ.
    5) مسطرة العفو منفصلة تماما عن الملف القضائي، لان السجين قد يستفيد منها كلما اجتمعت فيه الشروط المطلوبة للعفو أو التخفيف من العقوبة، و قد يستفيد السجين من العفو اكثر من مرة(إعدام.. مؤبد.. محدد.. الخ…) يعني هناك مساطر مجردة من العاطفة تجاه المجني عليه.
    5) إن صاحبنا قد اختلط عليه الأمر و طرح مسألة العفو على السجين السياسي. فاوضح له ما يلي:
    @ السجين السياسي او ما يسمى اصطلاحا سجين الحق العام نزاعه مع الدولة أي مع النظام و يجب عليه تقديم ملتمس من أجل ذلك و في المقابل تطالبه الدولة بمجموعة من الالتزامات حتى لا يأخد بالجرم المشهود في حالة العود.
    @ السجين السياسي قد يستفيد من العفو بعد قضائه مدة قصيرة فقط و قد لا يستفيد من العفو بثاثا.
    لقد اختلط الامر على صاحبنا و أهمس في اذنه بعدم الاقتراب من المواضيع التي تفوق مستوى تكوينه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى