رأي/ كرونيكسياسة

في تأبين التفاهة…أو الوزير الذي لم يعد وزيرا

عزالدين بونيت

مسكين هذا الوزير الذي لم يمهله قدره حتى ينظر في “المقترحات” التي قدمها له بعض من استقبلهم من أهل الفن والقلم والرياضة وصناعة الكتاب، كما وعد في تدويناته الفيسبوكية، والبلاغات الصادرة عن وزارته، ويبث فيها بواسع نظره وسديد رأيه. فقد كان له نظر واسع ورأي سديد وقول عنيد خريد…

مسكين، وهو الذي لا يخرج من وقع زلة تواصلية او إدارية أو سياسية،حتى يزل في التي تليها. كان حسن النية في كل شيء، لدرجة انه يتوجه إلى ميكروفون التصريحات دون وجل، ودون أي عناء في تحضير ما سيقول، كان يعرف المعنى الحقيقي لعبارة “اللسان ما فيه عظم” ويطبقه تطبيقا صادقا مخلصا لمعناه الحرفي والمجازي معا.

ما لم يكن المسكين يعرفه، هو أان لسان الحكومة بالذات ينبغي أن يكون مصنوعا من العظام أساسا، وأن يتم تحريكه في الفم سبع مرات قبل النطق بأي كلمة..

في الوقت الذي توالت فيه الأحداث الجسام في بلدنا، كما في باقي بلاد الدنيا، واستعادت الدولة زمام المبادرة الاجتماعية والاقتصادية والصحية، انتبذ الوزير المسكين مكانا قصيا، ولاذ بصمت شبيه بصمت أهل القبور، حتى بات واضحا أن هناك من حذره من الاقتراب من أي ميكروفون في هذا الوقت الحرج.

فقد توقف عمليا عن أداء مهامه السياسية، كما توقفت القطاعات التي يشرف عليها عن الحركة بفعل الوضع الوبائي المهيمن، فلا سهرة ولا محاضرة ولا معرض ولا مباراة رياضية ولا ندوة صحفية ولا جرائد ولا أوراق ولا مكتبات عمومية… لا طير يطير ولا وحش يسير في فلاة الوزير النحرير..

فجأة، وبينما هو ملتزم بحجره الصحي، كأحسن ما يكون الالتزام، وقد قطع له لسانه الحكومي، يهب عليه الخبر كالصاعقة…

أتخيله المسكين، وقد أنهى تمرينه الرياضي اليومي، وأخذ حماما دافئا، يتوجه ببنواره الأبيض، بخطى وئيدة من الحمام إلى أريكة تتوسط غرفة الجلوس، وهو يجفف شعره ووجهه من بقايا البخار المنبعث من جلده، ويهم بتناول كوب عصير البرتقال الذي يقوي المناعة في هذه الأيام الحرجة.. وعلى الطاولة قرب الأريكة رزمة من الملفات الوزارية التي تنتظر الدراسة والبث فيها..

قبل أن يكرع الكأس المنعش، يستوقفه الخبر الافتتاحي لنشرة المساء. يلوح له الملك واقفا في أقصى قاعة الاستقبال، وعلى وجهه كمامة.. يعرف هذا المشهد جيدا، فالأمر يتعلق بتعيينات ملكية.. يحدق جيدا في الشخص الواقف على بعد متر ونصف من الملك، فيتبين من تحت الكمامة وجه رئيس الحكومة. يا الخطب الجلل.. تعيين حكومي… يا ربي السلامة..!!! يسارع برفع صوت التلفاز ويصيخ السمع .. يتناهى إلى سمعه من وراء خفقات قلبه المتزايدة صوت المشاوري وهويصيح خلف كمامته: السيد عثمان فرفرفر (لا يسمع الاسم بوضوح) وزير الثقافة والشباب والرياضة ….. يسقط من يده جهاز التحكم وكأس البرتقال.. يلتفت حواليه مذهولا بينما تلتحق به زوجه والخادمة وكل من في البيت…

أي صدمة تلك واي إحساس بالخزي والخذلان!

أي موقف محرج وثقيل هذا!!

كيف سيكون عليه أن يتحمل الموقف والإحساس وهو في حجر لا يعرف منتهاه.. كيف يخفف من الحرج الناجم عن صورة الملفات الضخمة التي أمر مساعدين أن يحملوها إلى بيته كي يتابع دراستها ويبث فيها ويوقع ويعلم ويوجه فيها بهذا وذاك..؟؟ الوزير زعما…

الوزير الذي لم يعد وزيرا…

كيف سيفسر لزوجته وخادمته هذا الاستغناء المهين عنه، بلا جلبة ولا اهتمام سياسي ولا إعلامي..

لكن ما سيظل راسخا بذهن الوزير المسكين، بكل تأكيد، هو الصورة الغريبة غير المعتادة التي مر فيها اجتماع الملك مع وزرائه بعد مراسيم التعيين . فالجميع كانوا يضعون على أفواههم وأنوفهم كمامات، وهم يخيطون مصيره السياسي… وفي غمرة الاضطراب النفسي والعاطفي الذي تعرض له سيفكر: إنهم يتحدثون عني.. ماذا فعلت لهم؟.. لماذا يكرهونني؟.. ألهذا الحد، تزكم رائحتي ورائحة أدائي السياسي الأنوف؟ ألهذا الحد كنت مضرا بالحكومة وعملها؟ أبهذا الشكل يستغنى عني كما يتخلص من جيفة؟؟

أكيد ان الوزير المكلوم إنما يبالغ في ربط كل تلك الاحتياطات الصحية في أعلى هرم الدولة، بمأساته هو.. وهو معذور في ذلك..

لو أحسن صنعا في عمله الوزاري لقلنا فيه خيرا.. ولذكره الذاكرون بخير… بل لما فكر أحد في الاستغناء عنه.. لكنه اختار أن يكون باهتا في كل شيء.. فحق عليه القول فكان من المدحضين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى