حسين لوني: “الأمازيغية قادرة على خوض غمار أشهر الأصناف الأدبية وأكثرها تحديثا”
الروائي حسين لوني كاتب جزائري شاب، مغاربي الهوى وأمازيغي الكتابة، في رصيده خمس أعمال أدبية تتنوع بين الرواية والترجمة والمجموعة القصصية، وحائز مؤخرا على الجائزة الأولى لأحسن رواية بالأمازيغية بمسابقة “رشيد عليش” التي تنظمها مؤسسة “ثيرڨوا” بمدينة مونتريال الكندية في طبعتها الرابعة عن أخر رواية له “أسباغ”.
إلتقت جريدة “دابا بريس” الإلكترونية بابن منطقة القبائل ذي الأربع وثلاثين ربيعا، وعادت بهذا الحوار حول الأدب بالأمازيغية بالجزائر، ونظرة الكاتب الشاب للأدب الأمازيغي بالمغرب وهل يمكن للأدب أن يجمع ما فرقته السياسة.
لقد نلت الجائزة الأولى لأحسن رواية بمسابقة “رشيد عليش” التي تنظمها مؤسسة “ثيرڨوا” بمونتريال كندا في طبعتها الرابعة عن روايتك “أسباغ”.
– هل يمكن أن تنير معرفة القراء وتحدثنا عن هذه الجائزة والمسابقة الأدبية؟
جائزة “رشيد عليش” لأحسن رواية أمازيغية هي منافسة أدبية مفتوحة للروائيين الذين يكتبون باللغة الأمازيغية، تنظمها سنويا “مؤسسة ثيرڨوا من أجل الأمازيغية ” التي يكمن مقرها بمونتريال كندا، واليوم نتحدث عن دورتها الرابعة. فيما سبق حاز على هذه الجائزة الروائي “اعمر مزداد” في طبعتها الأولى ثم الروائي “عمر أولعمارة” في الثانية و “سالم زنية” في الثالثة. و بهذا أكون رابع روائي تحصل على هذه الجائزة بروايتي الأخيرة “أسباغ” الصادرة عن دار النشر “ريشة الصام”.
– بعد تحقيق روايتك “أسباغ” لجائزة الأدب الأمازيغي المنظمة في كندا، هل يمكن أن تكشف لنا بعض أسرار بناء هذه الرواية؟
أما عن الرواية فهي قصة فنان تشكيلي مستوحاة من واقع الفن و الأدب والفنانين في بلادنا بصفة عامة، و الفنان التشكيلي بصفة خاصة، بطلها فنان تشكيلي باسم “يوبا سين” و ذلك عرفانا و تخليدا لاسم الملك الأمازيغي “يوبا الثاني” المثقف الذي شجع وناصر الفنون والعلوم والآداب حتى ازدهرت مملكته و عرفت عصرا ذهبيا لم يشهد له مثيل لا من قبله و لا من بعده. وقد ذهب بعض القراء بعد ختم الرواية، و ذلك لكون السرد مخالفا للطريقة الكلاسيكية حيث أن الراوي هنا لا يتكلم عن بطلٍ بل يكلمه، إلى طرح تساؤل عما إذا كانت أحداث القصة قد وقعت فعلا وجاءتنا كذكريات يسترجعها “يوبا سين” من بداية القصة إلى نهايتها أم أنها وحي يلقى عليه شيئا فشيئا و هو يجسده في لوحة يسبغها بريشته إلى أن تكتمل اللوحة و القصة معا. و كان هذا التناقض الوجداني من بين النقاط التي ساهمت في اثراء النقاش عن الرواية، و شبهها البعض بروايات الأديب الفرنسي Gustave Flaubert و الروائية النرويجية Hanne Ørstavik و بالأخص من ناحية أسلوب السرد، دون اهمال الجوانب الأخرى بالطبع كالقصة بذاتها و قصص الشخصيات التي شكلت نسيجها، و النقد السوسيولوجي المتجسد في الأفكار و المواقف التي تبنتها الشخصيات البارزة في الرواية.
– بمناسبة الحديث عن الفن والأدب والانتاجات المرتبطة بهما، ماهي نظرتك الخاصة لواقع الادب الأمازيغي بالجزائر؟
لن يصدقني أحد إن قلت أن واقع الأدب الأمازيغي في الجزائر جيد و لن أكون صادقا إن قلت أنه في حالة يرثى لها، فبين هذا و ذاك هناك شعراء و روائيون و قصاصون يكتبون قصائد و روايات و قصصا قصيرة أعتقد أنها من أروع ما كتب لحد الآن عبر التاريخ في المنطقة كما و نوعا و بالأخص في بلاد القبائل أي بالقبائلية، فبالإضافة إلى الإبداعات الطموحة و الرهيبة للشباب في الشعر، تصدر في السنوات الأخيرة بين خمسة و عشرة روايات سنويا و نفس الشيء بالنسبة للقصة القصيرة. شيء قليل جدا مقارنة بما يصدر ببلدان تعادلنا في عدد السكان، لكن لو نظرنا لحداثة الكتابة و القراءة بهذه اللغة لقلنا أن الأمر منطقي. و ذلك بالرغم من قلة النقاد و النقد الذي من بين مزاياه توجيه القارئ إلى كتب جيدة يستمتع بها و تخلق لديه رغبة في قراءة المزيد كي لا يصيب بعض الكتب التي قد تعطيه نظرة سيئة عن الكتاب الأمازيغي و تجعله ينفر منه، و بالرغم من صعوبات الإصدار و نقص الإشهار لما يصدر إن لم أقل انعدامه، فمن غير الشبكات الاجتماعية التي يستغلها بعض الشعراء لنشر قصائدهم مكتوبة أو مسموعة و الكُتاب للتشهير لإصداراتهم، فوسائل الإعلام كالجرائد و القنوات الإذاعية و التلفزية الناطقة بالعربية و الفرنسية لا تهتم اطلاقا لا بالأدب الأمازيغي و لا باللغة الأمازيغية، أما الناطقة بهذه اللغة فلا توجد أية صحيفة أو مجلة بالأمازيغية، و فيما يخص الراديو و التلفزة فالقنوات الإذاعية الثلاثة (الثانية، الصومام، تيزي وزو) قليلا ما تبث برامج أدبية و القناة التلفزية الوحيدة زجت بالأدب في الفولكلور و سنت سياسة الإشهار للرداءة و اقصاء النوعية من الأدب الجيد و الهادف، فعلى سبيل المثال لا تكرس و لو دقيقة لأمثال للروائي القدير “اعمر مزداد” الذي في رصيده ستة روايات وعدة مجموعات قصصية و شعرية و أعمال أخرى بينما تستضاف في عدة حصص “كاتبة” في رصيدها محاولة في التعبير الكتابي من 32 صفحة تسميها رواية.
– سبق أن ترجمت “النبي” لجبران خليل جبران للأمازيغية، إضافة لما يتم عمله من ترجمة نحو الأمازيغية، ألا ترى أنه يجب بذل جهود أكبر للترجمة والتعريف بالأعمال الأمازيغية على الأقل للغة العربية؟
شيء جميل أن يكون هناك تبادل ثقافي و أدبي بين شعوب من ثقافات و لغات مختلفة، و هذا ليس بالجديد في منطقتنا المتوسطية فالأمازيغ ساهموا عبر التاريخ بكثير في اثراء الأدب العالمي و في مجالات عدة، أذكر هنا أفولاي Apulée الأمازيغي الذي كان من السباقين لكتابة أولى الروايات في العالم، و كتب باللغة اللاتينية آنذاك كما كتب من بعده بلغات غير لغتهم كالعربية و الفرنسية و غيرها، فإن اعتبرنا هدف الترجمة هو تعريف الآخر بالتراث و الثقافة في مجتمعاتنا لقلنا أن ما كتبه مولود معمري و أمثاله من روايات باللغة الفرنسية و غيرهم بالعربية ليست في الحقيقة سوى ترجمات لروايات أمازيغية لم تُكتب. في سنة 2017 ترجمت لمولود معمري، الكاتب الأمازيغي، روايتان… إلى الأمازيغية، و هذا مثال لندرك الفراغ الرهيب في المكتبة الأمازيغية و كم نحن في الوقت الراهن في أمس الحاجة إلى الترجمة من لغات أخرى للأمازيغية فللظروف أحكام كما تقول الحكمة، و هذا لا يعني أن نسن سياسة عزلة أدبية فالواقع يقول غير ذلك فقد صدرت في السنوات الأخيرة عدة ترجمات إلى لغات أخرى لما كتبه روائيون بالأمازيغية، فترجم “سالم زنية” إلى الإيطالية و “محمد أكوناظ” إلى الفرنسية و “ابراهيم تازاغارت” إلى العربية. أما فيما يخصني شخصيا فلا أمانع أن تترجم رواياتي إلى أية لغة كانت شرط أن تكون ترجمة حسنة فمن أراد أن يفعل ذلك عن رغبة منه فأهلاً لكني لن أستأجر مترجما لترجمتي كما يفعل البعض.
– ونحن نتحدث عن الأدب وخاصة أمازيغي اللغة والهوية منه، ما الذي يمكن أن تقوله لقرائنا بخصوص الرواية الأمازيغية بالمغرب؟
الرواية الأمازيغية تعتبر حديثة سواء في الجزائر أو في المغرب، غير أن أول رواية بهذه اللغة هي “أسفل” للكاتب القبائلي رشيد عليش ظهرت سنة 1981، و ذلك إن لم نعتبر “لوالي نوذرار” التي كتبها “بلعيد أث علي” في الأربعينات من القرن الماضي رواية كما صنفها بعض المختصين، و في المغرب انتظرنا حتى سنة 1994 لتظهر “أسكيف نينزاذن” أول رواية بالشلحية للكاتب “علي إكن” و بعدها بثلاث سنوات أي في 1997 ظهرت أول رواية بالريفية و هي “أرز تابو أتفاغ تافوكت” لمحمد شاشا. و قد عرفتنا هاتان الروايتان الأخيرتان بحياة المجتمع الأمازيغي في المغرب، بعدها يأتي روائيون آخرون كأب القاسم أو “أفولاي” و “لحوسين أزركي” و”ابراهيم العسري” و “محمد أكوناض” الذي كان أكثرهم اصدارا بالشلحية، أما بالريفية فبالإضافة إلى محمد شاشا كتب محمد بوزكو في 2001 “ثيشري ثام نتساراوث”، كما عرفت الريفية ثاني روائية بالأمازيغية بعد القبائلية “ليندا كوداش” و هي “إجيس نيذورار ناريف” بروايتها “ثسريث نوزرو” الصادرة سنة 2001 كما أصدر الكاتب سعيد بلغربي في 2009 روايته “نونجا”. و تناولت هذه الروايات مواضيع عدة مواضيع كالحب و المرأة والهجرة و غيرها لكن الهوية عادة ما تكون في صميم ابداعات الأدباء فمعظمهم مناضلون عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وكتاباتهم تسعى لتأكيد قدرة الأمازيغية على خوض غمار أشهر الأصناف الأدبية وأكثرها تحديثا، ذلك ما نجد الروائيون يشددون عليه في أغلب حواراتهم، مؤكدين أن دوافعهم للكتابة في الغالب هي رغبتهم في رد الاعتبار للغة الأمازيغية واثبات قدراتها الابداعية، كما يقول السباق محمد أكوناض و يقول محمد بوزكو: “من لا ذاكرة له لا حاضر له ومن لا تاريخ له لا مستقبل له… وقدرنا نحن الأمازيغ أننا ضحايا نسيان التاريخ… بل وتزويره”. و أعتقد أن السنوات القادمة ستكون أثرى بالإصدارات ليس فقط من ناحية الكم بل في الجودة أيضا.
– ونحن نتحث عن الإنتاجات الأدبية، هل في نظرك يمكن للأدب أن يجمع ما فرقته السياسة بشمال إفريقيا؟ وهل من مشاريع (أدبية وفنية مغاربية) في هذا السياق؟
أجل، في نظري المتواضع يمكن للأدب أن يجمع ما فرقته السياسة ليس فقط في شمال افريقيا بل حتى بين الضفة الشمالية و الجنوبية للمتوسط و حتى في العالم أجمع. لكن الواقع يقول غير ذلك فيما يخص الأمازيغ بين الجزائر و المغرب فأقل شيء يمكنه جمعنا هو التواصل لكن كيف يمكن ذلك في ظل حدود مغلقة ليس لغرض آخر في اعتقادي سوى لمنع لم الشمل و تكتل الجهود بين الشعوب الأمازيغية من الجانبين ! و ذلك أن الأنظمة الحاكمة ترى في الإستفاقة الأمازيغية الحالية سيلا جارفا يهدد اديولوجيتها العروبية الإستقصائية وولاءاتها للمشرق و الغرب وجب وضع حد له بأساليب مراوغة. كيف لا و نحن مازلنا نسمى ب”شعوب المغرب العربي” و بلداننا بلدانا عربية تنطوي تحت قبة الجامعة العربية حتى و لو أثبت الواقع و التاريخ و الأركيولوجيا و علم الجينات أننا لسنا عربا ! من هذا و غيره نرى أن ما يجعنا شيء ليس فقط مجرد روايات يقرأها كل طرف للآخر أو مجرد مؤتمرات أو ندوات أدبية يشترك فيها الطرفان، الأمر أعرق من ذلك فدمنا و عرقنا و أرضنا و لغتنا و تاريخنا هي نفسها، لكن المؤسف أن الواقع يقول غير ذلك و أحسن مثال على ذلك ما قاله لي يوما شاب من الريف في المغرب : “أجد في المكتبات المغربية كل كتب الشرق الأوسط و الخليج و لا أجد كتابا واحدا لإخواننا القبائل.” هذه هي الحقيقة فكلا الجانبين أقرب إلى المشرق على الجانب الآخر و ليس هناك أي مشروع في هذا المجال.