اقتصادسياسة

حلقات أكورا.. بنعبدلاوي وعالم ما بعد كورونا وآية انعكاسات على المغرب 3/3

لابد من إعادة النظر في السياسات الاجتماعية بمنطق يقوم على مركزية الإنسان في العملية التنموية، وتكافؤ الفرص والاستثمار على المديين المتوسط والبعيد…

وقع الأستاذ بنعبدلاوي أن تكون السنتان أو الثلاث سنوات المقبلة صعبة على الاقتصاد الوطني،بسبب النقص الحاد جدا الذي قد تعرفه تحويلات المغاربة بالخارج، وهي تحويلات تعتبر من أهم مصادر العملة الصعبة بالنسبة إلى المغرب إلى جانب السياحة… وهو ما سيؤدي إلى أن تكون هناك نسبة غير عادية من التضخم، لأن الحاجة إلى النقد ستكون كبيرة جدا…
كما توقع المتدخل أن تعرف السنتان المقبلتان مشاكل في التشغيل والقطاعات الخدمية الأساسية، وعلى مستوى استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة التي بدأت تتراجع قبل الجائحة…

تغطية علي بنساعود

لابد من إعادة النظر في السياسات الاجتماعية (الصحة والتعليم والتنمية البشرية) بمنطق جديد يقوم على مركزية الإنسان في العملية التنموية، وعلى تكافؤ الفرص والاستثمار على المديين المتوسط والبعيد في هذه القطاعات.

وأضاف المتدخل أن هذا الاستثمار يتطلب فعلا جهدا ماليا كبيرا في مرحلة أولى، لكن موارده مضمونة، لذلك، يجب الخروج من سياسات سياسوية، مؤقتة موظفة للواجهة إلى سياسات موضوعية تتسم بالتخطيط والعمل والتقييم المستدام للأداء…

وبخصوص المسألة الحقوقية، أوضح الأستاذ بنعبدلاوي أننا، خلال وضع الجائحة، لاحظنا أن هناك مقاربتين في التعاطي مع المسألة الحقوقية، خصوصا بعض الوقائع التي أثارت نقاشا عموميا على الوسائط الاجتماعية، مثل اعتداء بعض رجال الأمن أو السلطة على مواطن لا يحترم قانون الحجر الصحي، حيث انقسم المعلقون، على المواقع الاجتماعية إلى فريقين: حيث ذهبت فئة منهم إلى اعتبار هذا المواطن غير واع وليس أهلا للمسؤولية، وبالتالي يستحق الضرب والعقاب بهذه الطريقة المهينة على حواجز الشرطة، بينما دافعت فئة ثانية عن الأطروحة الحقوقية… وما نخشاه، يقول بنعبدلاوي، هو أن نجد أنفسنا، مستقبلا، أبعد فأبعد عن احترام الحريات الديمقراطية…

مشيرا إلى أن المجتمع المدني في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوربا، يشهد راهنا، تخوفا كبيرا من التطبيقات الذكية على الهواتف الخليوية للمواطنين، بمبرر معرفة أماكن تواجدهم ومخالطتهم ولضبط مسارهم وحصر المخالطين في حالة العدوى. وتساءل:

  • هل ستقف هذه التطبيقات فقط عند حدود الجائحة أم أنها ستستخدم لغايات أخرى؟ ألن نكون في وضع خطير جدا، بحيث يتهدد هذا الإجراء الحياة الخاصة للمواطن؟

  • وما هي الضمانات لأن لا تستغل قواعد البيانات والمعلومات المتوفرة لغايات أخرى في فترة لاحقة؟

إذن، هناك تخوف في الغرب وفي غيره من أن تتحول تطبيقات المراقبة عبر الهواتف إلى نوع من الرقابة الإلكترونية التي تتسرب إلى تفاصيل حياة الفرد. وهذا الوضع نفسه لاحظناه في فترة ما بعد الربيع العربي، حيث انقسم هذا العالم إلى “فسطاطين”: أحدهما يرى أن التنمية لن تتحقق إلا بالاستقرار، ولو على حساب الحريات الخاصة والعامة… بينما ذهب اتجاه آخر إلى أن المجتمعات العربية عبرت عن إرادتها في الحرية والكرامة بمناسبة “الربيع العربي”، وأن هذا المطلب أولوي ويجب أن يحظى بالأولوية.. مع العلم أن العلاقة ليست بالضرورة علاقة تقابل بين المقاربتين؛ إذ ليس ضروريا أن نقبل إما الاستبداد مع التنمية أو الحرية مع الفوضى، وهناك متسع في دولة القانون (القانون بالمعنى المدني) لأن يتحقق هذان الشرطان، فتتضايف الحرية مع الكرامة في ظل الضمانات القانونية بما يحقق مطلبي الحرية والتنمية.

بعد هذا، استفاض الأستاذ بنعبدلاوي في الحديث عن آثار الجائحة على المستوى العالمي وتوقع أن العالم في طريقه إلى التعددية القطبية، أما أوربا فهي، حسبه، في طريقها إلى مراجعة سياساتها العمومية خصوصا في المجال الاجتماعي… وتساءل: أين موقع المغرب في هذا العالم المتعدد الأقطاب؟ وهل ينجح في بلورة سياسات عمومية مستقلة قائمة على مبادئ ثابتة تخدم مصالحه؟

وفي جوابه، أكد المتدخل أنه لا حل أمام المغرب إلا إبداع سياسات إقليمية جديدة… موضحا أن مشكلة الصحراء المغربية، تسمم فعلا العلاقات المغربية الجزائرية منذ أواسط السبعينيات، وتشل البناء المغاربي، لكن كما تم خلق وابتكار فرص في عهد الشادلي بنجديد لتهييء الصيغ الملائمة، يمكن اليوم أيضا، إبجاد صيغ ملائمة لتجاوز هذا الوضع؛ إن توفرت الإرادة السياسية لدى جميع الأطراف، لأن هذه الأطراف بحاجة ماسة إلى وضع سياسة إقليمية جديدة… وأوضح أنه دون وجود رديف قوي، من الصعب سن سياسات عمومية تنموية مستقلة…

وفي إجابته على مداخلات المشاهدين وتساؤلاتهم، اعتبر الأستاذ بنعبدلاوي أن الأحزاب المغربية لم يكن من الممكن أن يكون لها دور في إدارة أزمة كوفيد 19 لأن التقليد السائد بالمغرب لا يسمح لها بمثل هذه الأدوار، وأوضح أن دروس كورونا ستكون محدودة في بعض دول العالم، حيث توقع أن تزداد الصين اقتناعا بأن النظام التحكمي هو ضمانة الأمن وسلامة المجتمع، أما في الولايات المتحدة وبريطانيا فهناك هيمنة رهيبة لوسائل الإعلام على المجتمع، وبالتالي فإن سقف اهتمام المواطنين هناك هو التفاصيل والهوامش من قبيل: مناقشة نظام الصحة، نظام التأمين والجريمة ومكافحة المخدرات… مع ذلك، ربما تكون هناك فرصة لإعادة تقييم سياسات المحافظين الجدد، التي تعطي الأولوية المطلقة للسوق على حساب الإنسان! ولربما يُفتح نقاش مصيري حول مستقبل أوربا بسبب تلكؤ الدول الأكثر غنى عن تقديم الدعم والمساعدة لدول جنوب أوربا الأقل غنى والأكثر معاناة حول جدوى الاتحاد الأوربي في ظل غياب الحد الأدنى من التضامن، وأغلب الظن أنه سوف يتم تصحيح هذه السياسات، كما سوف يتم اعتماد مؤسسات اتحادية من أجل مواجهة جماعية للكوارث في المستقبل.

وبخصوص بعض الدول مثل المغرب والجزائر والدول الإفريقية، فالتغيير صعب جدا إن لم نقل إنه مستحيل. لأنه بالإضافة إلى العوائق الداخلية، هناك قوى ضغط خارجية، هي المتحكم الفعلي في السياسات العمومية، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والدول الدائنة بالإضافة إلى انعكاسات انهيار أسعار النفط والغاز، وتآكل الاحتياطيات المالية بالنسبة للدول التي تعتمد على تصدير المواد الطاقية…

فيما يتعلق بدروس كورونا في المغرب، فإن إحدى أكبر الإشكاليات هي أن اللوبيات تعودت أن تنظر للدولة على أنها بقرة حلوب، وأن تأخذ دون أن تعطي. كما أن الأحزاب السياسية عاجزة وغير مؤهلة في ظل السياق القانوني المؤطر، بل ليس لها دور في القرار الاستراتيجي في ما يتعلق بالسياسات العمومية.

فيما يتعلق بمسألة بالانتخابات فإن السؤال الحقيقي في المغرب ليس هو هل ستكون هناك انتخابات أم سيكون هناك تمديد؟ السؤال الذي سيطرح هو: من هي الوجوه التي ستتلاءم مع متطلبات المرحلة؟ هل مازالت هناك حاجة إلى العدالة والتنمية كحزب له بعض الحضور الاجتماعي، ويستطيع المساهمة في احتواء الشارع؟ أم أصبح بالإمكان الاستغناء عن خدماته؟ وهل مازالت الحاجة قائمة إلى الوجوه البارزة داخل “الأصالة والمعاصرة” والتجمع الوطني للأحرار”؟ وما هو الدور الأنسب؟

في رأيي المتواضع؛ منذ حكومة عبد الله إبراهيم لم نر حكومة واحدة لها دور فعلي في تخطيط ومتابعة السياسات العمومية، كما لم نر الشعب المغربي، في مرة من المرات، يصوت على برنامج سياسي قابل للتحقق، أو يزكي برنامجا سياسيا أثبت نجاحه أو عاقب حزبا من الأحزاب على فشل برنامجه السياسي… بل الظاهرة الوحيدة التي يتفق عليها الجميع هي ضعف المشاركة السياسية.

هكذا فإن إبقاء الانتخابات في وقتها أو تأجيلها سيان، كما أنه لا فرق بين حكومة وطنية أو حكومة من تشكيلة حزبية معينة، وإذا وُجدت أية تحالفات فهي مصلحية (بالمعنى الضيق) أو تكتيكية، من أجل استكمال عناصر ومقومات إخراج حكومة قابلة للحياة، وقابلة لنقل رسالة معينة، وليس الهدف مطلقا هو تنزيل أو تطبيق أو تنفيذ سياسات عمومية مختلفة.

لذلك، فإن ما يحتاجه المغرب حقيقة، وهو أمر صعب في الوقت الحالي، هو وعي بأن الديمقراطية ودمقرطة المجتمع والدولة هي الضمانة الحقيقية للاستقرار، هي عودة المواطن إلى المجال العمومي، واستعادة ثقة المواطن في السياسة…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى