ولاء الوطن وولاء الحكومة.. أو في تفسير أسباب رفض المواطن/ة المشاركة في الانتخابات
أعتقد أن توالي الضربات التي يتعرض لها المواطن العربي، في وطنه تجعلنا نبحث عن مفاهيم جديدة، لاستبدال الرائج منها،من قبيل المواطن والمواطنة والدولة الوطنية ودولة الحق والقانون والإدارة في خدمة المواطن إلى غير ذلك من المفاهيم.
من هنا تحضرني مقولتان لأمير الثوار شي غيفارا يقول : ” إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه الى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم هو وطني ” ثم يقول : “علمني وطني بأن دماء الشهداء هي التي ترسم حدود الوطن.” أما الشاعر العربي أحمد مطر يقول : ” نموت كي يحيا الوطن … إن لم يكن كريما ولم يكن حرا …فلا عشنا ولا عاش الوطن .” .
أما مارك توين الامريكي كاتب السخرية الذي توفي 1910يقول : “الولاء للوطن دائم طوال الوقت، لكن الولاء للحكومة يحدث عندما تستحقه”، هذه المقولة نجد قد حسم فيها الفكر السياسي الغربي منذ عصر الأنوار، فالولاء للوطن مسالة ثابتة، أما الولاء للحكومة أو للأشخاص فهو ولاء متغير مرتبط بالإنجازات التي تخدم الشعب في إطار تعاقد اجتماعي .
هذا التمييز نجده غائبا في جغرافية العرب ، حيث نجد خلطا بين الوطن و الدولة و الحكومة، فالحاكم والحكومة غير خاضعين للمساءلة و النقد، يجتمعان في الكارزمائية، و هكذا تتسع دائرة الولاء لتشمل كل محيط الحاكم. صورة الخلط واضحة، بين الدولة و الحكومة ككيانان، وغيرهما من المؤسسات في حلقات، التي تلعب دور العجلات لهاذين الكيانين، تبدو أكثر وضوحا في كل ما يتعلق بفكرة جمع الجماهير للخطابة فيهم، كما هو الحال مع الانتخابات.
فعندما نجد المواطن يسجل موقفه الرافض للممارسة الانتخابية بشكل من الأشكال، ينعت بالتخوين وخدمة أجندة خارجية …أما خطاب التحالف البورجوازي مع أصحاب القرار السياسي يقف عند شعارات يخيف بها الدولة من قبيل: إن كان المواطن لا يرى أن هناك إنجازا حقيقيا فإن هذا لا يهم، لأن المطلوب هو حماية الوطن، وإن كانت لا توجد خدمات، أو لا يشعر المواطن بتحسن في الخدمات المقدمة لا يهم، لأن المطلوب هو حماية الوطن، وإن لم يجد من هو جدير بالانتخاب لا يهم، لأن عدم المشاركة في الانتخابات جريمة في حق الوطن، إذا باسم الوطن تحمى مصالح التحالف الطبقي، وباسم الدين تمرر القوانين وتنفذ المصالح.و في جميع الاحوال وسائل القمع على أهبة الجزر لمجرد ابداء رأي.
فالشارع المغربي على صفيح ساخن وبقوة منذ الربيع العربي مع حركة عشرين فبراير، في زمن حكومة حزب العدالة و التنمية عرف الشارع حركات احتجاجية ومسيرات مستمرة إلى اليوم مع وباء كورونا احتجاجات سكان الدار البيضاء على غلاء فاتورة الكهرباء وفرض أداء شهور لم يحن استهلاكها، تكررت احتجاجات سكان طنجة في السنوات الماضية على شركة امانديس المفوض لها تدبير الماء و الكهرباء . كما عرفت المدن احتجاجات ومسيرات العطش بزكورة ومسيرات الاطباء الداخليين و اساتذة العمل بالتعاقد وتنسيقيات حملة الشواهد ….
تتحول الحكومة إلى مرتبة الوطن، بتحول جميع المؤسسات في مستوى درجــــة الوطن، لإخراجها من دائرة اللامساءلة واللامحاسبة و اللامكاشفة، فالوطن مسالة مقدسة وهنا يحضرالدين، فالمواطن في نظر الحكومة يبقى كائنا يقف صامتا جاهلا يصوت في زمن الانتخابات، و يدفع الضرائب و يقف في طوابير لا منتهية أمام أبواب مكاتب المحاكم و قاعات المستشفيات وجميع الادارات العمومية امام خدمات قد لا تليق بكرامة المواطن.
يقولون المشاركة واجبة مثلالعزاء، والغياب يفسر برفض الوطن. فالمطلوب ببساطة أن تذهب إلى مكاتب التصويت،وأن تتحول إلى رقم وصورة تؤكد على الشرعية المفتقدة. لا يتوقف المواطن الرافض للتصويت عند هذا الحد ولكن يصر على طرح سؤال ما الذي يمكن أن يستقيده المواطن من المشاركة؟ ، ما دام ان المشاركة مجرد واجب عزاء. ثم هناك سؤال اخر هو، ما الذي سيخسره الوطن من تلك المشاركة الشكلية الدعائية التي تشعر المسؤول في كرسيه بالاطمئنان؟ في حين تظل المعاناة من نصيب المواطن.
يقول بعض الظرفاء ان المساهمة في الانتخابات هي من أجل الوطن واستحقاق خريطة الطريق. جميل هذا الكلام، ولكن ما يغيب عن هذه الرؤية، هو منهج التعامل مع فكرة المشاركة بالحضور، التي تتحول إلى حديث التفويض والتأييد، حيث يترتب على المشاركة بالحضور بدون اقتناع أو قبول بالسياسات أو الرضا عنها، تغذية معزوفة العرس الديمقراطي .
تساهم الصفوف الانتخابية في إضفاء شرعية إنجاز غائبة، وفي ايصال رسالة قبول وثقة مشكوك فيها. ولكن إن كان المواطن غاضبا، فمن الطبيعي ألا يشارك وأن يكون غيابه أو مشاركته بالغياب عن التصويت أشد تعبيرا من الأحاديث التنظيرية التي تتحدث باسمه بدون ان تعبرعنه.
قد تتعدد أسباب عزوف المواطنين عن السياسة و الذهاب الى صناديق الانتخابات، هذا العزوف قد تكون له قيمة سياسية، يصر البعض علىتجاوز اسبابها والتركيز على اتهام المواطنين في وطنيتهم ودينهم. في حين ان العزوف الانتخابي له دلالات سياسية مهمة ومتنوعة، بداية من الشك في النظام الانتخابي أو الاحساس بأنه لعبة ديمقراطية ، وصولا للرغبة في إضفاء عدم شرعية الانتخابات.يبدو العزاء الحقيقي واضحا في صورة متداولة للمواطن الذى يبحث عن الدواء والمدرسة والسكن و الشغل و الكرامة ،الكل في انتظار وطن يتسع للجميع ، أكثر عدلا وأكثر حقوقا.