رأي/ كرونيك

كومينة: المغرب يواجه من طرف النظام الجزائري فيما يبدو ليس التمادي في نهج عدائي فقط وإنما تطرفا في تصريفه

لسنا دعاة حرب، وكنا على مدى عقود من الزمن ندعو إلى البحث عن السبل التي تجنب إخوة  الاقتتال وتجعل الأفق  المغاربي مفتوحا على أمل  التعاون والتكافل والتكامل والاستفادة من الإمكانيات التي يتيحها السلم والاستقرار لبناء تنمية مشتركة وللنهوض بمستوى معيشة الساكنة المغاربية التواقة إلى إنهاء  الخلافات والصراعات المفتعلة ومخلفات وإرث الاستعمار.

لكنه يتبين أن النظام الجزائري يرى غير ذلك ويعمل باستمرار ليس على إضعاف جيرانه المغاربيين في الغرب والشرق واختلاق المشاكل والهروب من الحلول والسعي لتخريبها كلما ظهر له أنها بدأت ترتسم في الأفق، وهذا ما لايمكن أن يثير الاستغراب أو  التعجب عندما نعرف أن هذا النظام قام في الأصل على أساس تخريب الثورة التحررية الجزائرية نفسها عندما قام بالانقلاب على الحكومة المؤقتة الجزائرية فيي صيف 1962،  بعد دخول جيش الحدود دخول الغزاة وتصفيته للقيادات الوطنية ودفع عدد من الرموز الاساسية الى المغادرة نحو المنافي.

وكذلك عندما نعرف أن النظام الذي قام على هذا الانقلاب قد فوت على الشعب الجزائري فرصة بناء دولة مدنية ديمقراطية وأقام نظاما عسكريا وأبقى الدولة رهينة له، وخصوصا بعد الانقلاب الثاني سنة 1965 الذي اطاح بأحمد  بنبلة، الوحيد من بين القيادات التاريخية لحركة التحرير الوطني الذي قبل التورط في الانقلاب الاول مقابل الرئاسة، بحيث باتت الدولة في الجزائر هي الجيش والجيش هو الدولة وكل ماعدا ذلك مجرد تغليف وضحك على الدقون.

وعندما نعرف أخيرا أن النظام الجزائري القائم على انقلاب 1962، الذي التحق به عدد من قدماء ضباط الجيش الفرنسي، قد حافظ على عقيدة موروثة عن الجزائر الفرنسية، أي عن الاستعمار، حتى ولو ادعى العكس على مستوى الخطاب، بحيث ترسخ لديه ميل ساذج الى الهيمنة الاقليمية التي تتجاوز في منظوره منطقة المغرب العربي لتشمل جواره في البلدان الواقعة في الصحراء الافريقية،

وهو نفس ميل الاستعمار الفرنسي الذي كان يرغب في البقاء والخلود في الجزائر وألحق بها أراضي  مقتطعة من الجيران الذين كان يستعمرهم، ومنها أراضي  تندوف وبشار والقنادسة وجزء من فكيك رفض المغرب التفاوض مع الفرنسيين بشانها واتفق مع الحكومة الجزائرية المؤقتة قبل الانقلاب عليها على ايجاد حل لها بعد استقلال الجزائر في اطار التضامن المغاربي، ليواجه بعد ذلك غذر وتنكر من احتضنهم في وجدة والناضور ومن عمل على تدريبهم في بوزنيقة ومن كبروا وتربوا وتعلموا في مختلف مدنه وحظوا بعطف واحتضان المغاربة.

وقد كان المغرب مستهدفا من طرف هذا النظام في وحدته الترابية مند استرجاعه لأقاليمه الجنوبية لأنه، وكما قال بومدين بعظمة لسانه، الوسيلة لعرقلة تنمية المغرب وغضعافه وعزله عن جارته موريتانيا وعن عمقه الافريقي التاريخي وبالتالي ثنيه عن طرح المشاكل الحدودية التي لم تحل رسميا الى اليوم.

وفضلا عن الإرث الاستعماري الذي بقي متمكنا من النظرة الجيوسياسية الاقليمية للنظام الجزائري وموجها لسلوكه تجاه جواره، فإن  عقدة التاريخ، انضافت إلى مشاكل الجغرافيا، لتؤجج عداء لم يفلح المغرب في تليينه رغم مبادراته المتعددة لفتح صفحة مستقبلية قائمة على التواصل والتعاون والتكامل بين بلدين وشعبين يجمع بينهما الكثير والمصير المشترك.

ويواجه المغرب اليوم، فيما يبدو، ليس التمادي في نهج عدائي فقط وإنما تطرفا في تصريفه، وذلك بعدما تولى السلطة الفعلية الجنيرال شنق ريحة، عقب تصفية كايد صالح والجناح الموالي له وسط العسكر والمخابرات. وبشكل يتطلب منا هنا في المغرب الاستعداد لكل مايترتب عليه بيقظة دائمة.

ذلك أن شنق ريحة الذي شارك في الحرب ضدنا في امغالا وغيرها وكان في القيادة العسكرية لمنطقة تندوف لردح من الزمن وتحكم خلال ذلك في التوجيه الميداني للانفصاليين وفي تدريبهم وتنظيمهم، وكان أول مسؤول جزائري استعمل صيغة “العدو المغربي” بلا تردد ولا تحفظ، يمكن له بدافع الحقد والارتباط الوثيق بالانفصاليين أن يدفع نحو مغامرات غير محسوبة العواقب، خصوصا وأن  الرجل معروف بضعف قدراته السياسية وطبعه الحاد، ولولا انه كان قد عين من طرف كايد صالح كقائد للقوات البربة لاغلاق الطريق في وجه جنيرالات آخرين لهم ولاء للجنيرال توفيق، وجرت العادة بأن يتولى القيادة العامة للجيش قائد المشاة لما كان قد وقع عليه الاختيار للمنصب الذي يحتله اليوم نظرا لما سبق.

لكن المنصب يتيح له إمكانية التحكم في مفاصل الدولة الجزائرية وفي الرئيس تبون، الذي يبقى أضعف رئيس جزائري امام العسكر والمخابرات، وأيضا  في الانفصاليين الذين يعرفونه جيدا ويعرفهم جيدا بحكم أنه  من تولاهم لزمن طويل.

إن التحركات العدائية المتواترة للانفصاليين بهدف استفزاز المغرب، وأيضا موريتانيا التي تتخوف من آثر  تدهور الأوضاع في منطقة قريبة جدا من شريان اقتصادها (السكة الحديدية لنقل معدن الحديد ومدينة نواديبو) ومن ممارسات انتقامية كما في السابق، لا تعود فقط إلى  رغبة في الهروب الى الأمام بعد التطورات التي عرفتها قضية الصحراء وكانت كلها لفائدة المغرب، وبعد أن اشتدت الأزمة  السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالجزائر وانهيار عائدات صادرات المحروقات، وبشكل يجعل الأفق  مظلما، بل تعود أياض إلى شخص الحاكم الفعلي الحالي الذي يعتبر المغرب عدوا وإلى الضعف البين للنخبة التي وقع عليها الاختيار لتدبير الشان الجزائري وعدم قدرتها على تحقيق أي  استقلالية، ولو في حدود دنيا، عن شنق ريحة ومن ياتمرون بامره.

ان المنطقة في وضع بالغ الهشاشة بسبب التطرف الذي غزا النظام الجزائري ويمكن ان يقود الجزائر نفسها، ذات الحدود المشتركة مع مجموعة دول توجد في حالة عدم استقرار وتواجه خطر الارهاب الاسلاموي، الى كوارث مالم يات ما يحد من ذلك التطرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى