ذاكرة

“ذاكرة 80” تستضيف الاعتراف بملحمة البطل “مصطفى الموغيثى ناصر”

تخليدا لليوم العالمي لحقوق الإنسان، واعتبارا لكون الحق في “الاعتراف/ la Reconnaissance” ، يمثل أشمل وأبقى حقوق الانسان، سواء كان حاضرا أو غائبا…أتقاسم ضمن أدبيات ذاكرة 80، خطاب ووجدان اعترافي بقيمة البطل القديس،مصطفى الموغيثى، عبر نص الكلمة التأبينية،التي ألقيتها في أربعينيته اليانعة باللوعة والمعنى، ذات مساء، أواخر شتنبر 1996، ببيت الأسرة بحي السلامة في سيدي عثمان الدار البيضاء…:

(ونحن نلتقي اليوم في رحاب روح أخينا وصديقنا ورفيقنا مصطفى الموغيثي،في أربعينية غيابه الفاجع، التي لا نريدها محطة ختامية لمراثينا ودموعنا…بطعم وداع ملتبس.. يسبق النسيان والإهمال..!

لا يستحق مشهد وجودك رفيقيى مصطفى.. أن نسدل عليه الستار…فعلى خشبة زمن هذه المدينة،وهذا الوطن، وهذا العالم…يتربع وشم ذاكرة وجسد، أبدا لن ينسى…وعلى عاتقنا جميعا نتقاسم مسؤولية احتضان شعلة روح مصطفى،حتى لا نستحق لعنة مقولة تلميذ النابغة غاليليو أثناء محاكمته الشهيرة،حيث صرخ ملئ الظلم: ( بئيس وتعيس هو الوطن، الذي لا يمجد أبطاله)!!

ولعل مصطفى لا يستحق أقل من البطولة، لكن بميزة الإنسان/ المواطن الشعبي، الأصيل البسيط،المتنور المثقف المتواضع والمتفاني في خدمة قضايا الناس،دون كلل أو ملل أو مباهاة.

فقد كثف مصطفى في تجربته الطلابية القاعدية، ضمن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، كجذر لنضاله الديمقراطي الجماهيري المبدع والمنفتح، و امتدادها اللاحق عبر انخراطه في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نهاية الثمانينات، ومزاوجته لمسؤوليتي كتابة فرع الحزب بسيدي عثمان، ولمهام المنتخب الجماعي كذلك، باقتدار نادر،أقصى درجات التجرد ونكران الذات، والتماهي الصوفي في إنجاز مختلف المهام؛ ويعلم جميع من عرف مصطفى، أنه لم يستفد من عطلة أو إجازة على مدى ثمانية سنوات. وفيا لمسؤولياته في الجماعة والحزب، حتى آخر نبض،دون تنهد أو شكوى أو عتاب…ولم يكن مصطفى في حركيته المتدفقة،مجرد ممارس مندفع ومنفعل، بل كان مساحة فكر نير ومبادر….نهم معرفة بلاحدود، وغريزة وفطرة محبة كل الناس، بطاقة جسد لا يعرف الكسل والخمول.

أستأذن مصطفى في اقتحام مشهدنا،البئيس دونه، من إحدى رسائله القديسة،حين يفك طلاسيم بشارة محبتنا وأبديتها:

( لقد كان واضحا منذ بدايتنا، منذ خلق رابط بيننا، يحارب ويقاوم ويصارع،رابط أحضرنا له أجمل الصور والكلام،لينفض عنا كل الكلمات المكلسة العتيقة، والجامدة،التي لا تزخر بالتناقض، وليستعيد من كل الجذور الصلبة ملمحنا، ومن إشراقة الشمس نظرة كغسق جميل، يطل على بحر يشتهي الأفق والنشوة…
لقد أضحى العمر منسوجا بكيمياء الدمع والجرح، حملناه في ضلوعنا طيبوبة…وفي عيوننا افتنانا…وفي الليل خطوات إقناع، وفي أهدابنا أفقا مشعا، ولكننا طيلة العمر حملنا اليتم…)

هكذا كان مصطفى في جذريته العميقة المتعففة: نبل في الفكر وطهارة في الممارسة، كان مصطفى.. عذاب روح تتوق لمشهد وطن… يتوحد في قوته،بعرق وجهد و عنفوان كل بناته وأبنائه…كذلك كان حلم مصطفى الصافي النبيل، ومنه كان يغترف مواطنته النبيلة و مدنيته الفاضلة التي تستعصي على القولبة والتنميط….خارقة بامتياز هي التجربة العاتية لهذا الجسد الذي أطاح من موقع الممارسة، الحزبي والسياسي والجماعي،بكل ما تحبل به التركيبة المعقدة لمثقفينا ونخبنا، من تعالي و أوهام، ليشق بكدحه وشغفه وبشارته نموذج مواطنة مثلى،محصنة فكريا و سلوكيا، ضد مرض وآفة وإثم الانتهازية والوصولية في العمل السياسي، والنفعية والمصلحية في العمل الجماعي،وظل مصطفى رغم جاذبية الإغراءات والمناصب، مخلصا لبساطته ولأصالته الشعبيةالنادرة،وللباسه الأسود الدائم…كأنه يمارس حداده الصامت، على اشتعاله في لحظة شاحبة…أو يحتمي لنفسه من بدعة تغيير الألوان…!؟

وحدها ابتسامة ثغر مصطفى،كانت تحيل الأسود فرح وجود…. وحدها ضحكته القديسة،كانت تخلخل معاني اليأس والقنوط.. كان الضحك عند مصطفى تعبيرا ثقافيا متحضرا عن فرح الحياة البيضاوي الأصيل،الرابض في جذوة الروح… كما كان الضحك والفكاهة مساحة تسامح مصطفى النبيل مع ظلم وقساوة الزمن،ونبع اغتسال التطهر من الهموم والآلام…..!

لا زال للكلمة بقية، وكل يوم عالمي لحقوق الإنسان، ونحن أكثر اعترافا ببعضنا.

أهدي بالمناسبة ولأول مرة، صورة نادرة تجمعني بمصطفى فترة الثمانينات،زمن الشباب….

لروح مصطفى الخلود في لا متناهي الكون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى