ذاكرة

وثيقة: بمناسبة 6 فبراير ذكرى رحيل الخطابي نعيد نشر وثيقة لمنظمة 23 مارس آنذاك تتحدث عنه وعن تجربته

وثيقة لموقف اليسار الجذري من حرب الريف التحريرية وتجربة القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي، صدرت عن تنظيم 23 مارس الماركسي اللينيني سنة 1976 بمناسبة مرور 13 سنة على رحيل الخطابي، تحت عنوان : محمد بن عبد الكريم الخطابي رائد الحرب الشعبية،، نعيد نشرها كاملة بأمانة بعد مرور 57 سنة على رحيل الأمير ، و 44 سنة على صدور الوثيقة.


محمد بن عبد الكريم الخطابي: رائد الحرب الشعبية:

في 6 فبراير 1963 وافت المنية قائدا وطنيا عظيما، برز لا على الصعيد المغربي والعربي فقط، بل على صعيد كل البلدان التي كانت تناضل من أجل استقلالها، وفي الأوساط التقدمية على الصعيد العالمي، ذالكم هو ابن عبد الكريم الخطابي،
ومع بداية شهر فبراير 1976 هذا تحل الذكرى الثالثة عشرة لوفاته، وبالمناسبة نعرض بعض الملامح المشرقة لثورته، وبعض مواقفه المجيدة، وذلك في إطار التذكير فقط، مؤكدين تقصير التقدميين والثوريين في حق هذا القائد وثورته الرائدة، ملتزمين في المستقبل القريب ببذل المجهود من جانبنا للمساهمة في تجاوز هذا التقصير.

1- عبد الكريم قائد يجسد مطامح الشعب المغربي في دحر الاستعمار:

مع ولادة عبد الكريم سنة 1882 كانت المخططات الاستعمارية تقطع أشواطها الأخيرة للاستيلاء على المغرب، وفي أسرته الصغيرة وقبيلته، حيث كان أبوه قاضيا مناضلا ضد الاحتلال ومن قادة هذا النضال، تشرب عبد الكريم الروح المناهضة للاستعمار، وفي دراسته بتطوان وفاس بدأت تتخذ هذه المناهضة لديه أبعادا متقدمة في الوضوح، بحكم الأجواء الوطنية السائدة في صفوف الطلاب والعلماء المتنورين، وقد اكتمل وضوح أسس الموقف المناهض للاستعمار بعد أن خالط عبد الكريم المستعمرين الإسبان مباشرة في مليلية، وتعرف على أبعاد مطامعهم في ابتلاع ثروات المنطقة الشمالية المنجمية بالأساس.
هكذا إذن توفرت شروط أساسية هيأت عبد الكريم قائدا يجسد مطامح الشعب المغربي في المحافظة على استقلاله: تربية وطنية، واستيعاب للمخططات الاستعمارية ولأساليب الرد عليها اعتمادا على الجماهير، ومعرفة دقيقة بخصائص الجماهير وتقاليدها في تلك المرحلة، وثقافة عصرية واسعة مكنته من تجاوز كل ما هو سالب في هذه الخصائص والتقاليد وتقوية كل ما هو إيجابي فيها.

2- عبد الكريم موحد جماهير المنطقة الشمالية ضد الاستعمار:

لقد تمكن عبد الكريم بفضل تلك المميزات الفذة التي توفر عليها من التقدم في لم شمل القبائل الرئيسية المجاورة للحسيمة عن طريق الإقناع الطويل الصبور، مستعملا خطر الاستعمار عاملا حاسما في الإقناع بالوحدة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية عن طريق العمل الملموس، والبرهان الساطع، وتحقيق الانتصارات المرحلية التي تبقى الوسيلة الحاسمة في تقوية الثقة بالنفس والإيمان بالانتصار بالنسبة للجماهير الواسعة، وهكذا وبعد الانتصارات الأولى في “أغريبن” و”أبران” التي لم يكن رجال عبد الكريم حينها يتجاوزون 125 رجلا، التحقت عدة قبائل بعبد الكريم، وبعد انتصار “أنوال” المدوي كانت أغلبية جماهير المنطقة الشمالية منخرطة في إطار النضال ضد المستعمرين الإسبان تحت قيادته، وبالفعل فقد استطاع أن يوحد المنطقة الشمالية من المغرب، وينظم شؤونها العامة، ويتجاوز بها إلى حد كبير الإطار القبلي، ويفتح أمامها المجال نحو الكيان الديمقراطي سواء في شكل السلطة وفي تكوين الجيش، وفي العلاقات الاجتماعية.

3- عبد الكريم رائد الحرب الشعبية:

لقد كان عبد الكريم أحد الرواد العظام للحرب الشعبية، فقد استطاع بالفعل أن يهيء جيشا نظاميا حديثا تسليحا وأسلوبا، بالاعتماد على الجماهير الفقيرة والإمكانيات البسيطة.
وهكذا فقد كان يركز في نضاله المسلح على التعبئة المعنوية، المعتمدة على عدالة القضية، وعلى النقاش الديمقراطي الواسع في تخطيطه للمعارك، والاستفادة إلى أبعد الحدود من معرفة البيئة عامة والأرض خاصة، وتجنب المجابهة الحاسمة، والاقتصاد المذهل في الذخيرة، والاعتماد على المفاجأة في الهجوم، وسرعة الحركة والتعقب والمطاردة، هذا بالإضافة إلى معرفة العدو وخططه وتناقضاته ونقاط ضعفه، واستغلالها بشكل جيد.
وبعبقريته العسكرية الرائدة، استطاع عبد الكريم بمقاتلين قلائل لم يتجاوزوا في النهاية 600 رجلا، إن يحقق أروع الانتصارات ضد الاستعمار في عشرينيات هذا القرن، وذلك في أنوال سنة 1921، التي قتلت فيها القوات الوطنية بقيادة عبد الكريم 18000 من أفراد الجيش الإسباني، من بينهم الجنرال سيلفيستر قائد الحملة، وأسرت 1100 من بينهم الجنرال نافارو مساعد قائد الحملة، كما غنمت 16504 بندقية و 352 رشاشا و 129 مدفعا، وعند تحرير مدينة شفشاون سنة 1924 تمكنت قوات عبد الكريم من القضاء على الجيش الإسباني أثناء انسحابه الذليل، فقتلت حوالي 17000 من الجنود وجنرالا و 6 كولونيلات و 8 كوموندانات و 125 ضابطا آخر، بالإضافة إلى 600 ضابطا جريحا.

4_ حياة كلها نضال وطني ديموقراطي:

منذ نعومة أظفاره وحتى آخر يوم من حياته، ظل عبد الكريم ذلك المناضل الوطني الديمقراطي الفذ، فقد كان موقفه من “معاهدة الحماية” هو الرفض المطلق، وقيادة الجماهير لتشطيبها، ورغم العروض المغرية التي عرضها عليه الاستعماريون الإسبان والفرنسيون مقابل الصلح، فقد كانت شروطه واضحة في هذا المجال: “لا صلح بدون الاستقلال”، في هذا الإطار صرح لأحد الصحفيين سنة 1925 بقوله:
“إننا نطلب أولا وقبل كل شيء السلام والحرية في العمل، وإننا لنتمنى لإسبانيا قبل أية أمة أخرى أن يعم السلام بيننا وبينها، وأن تتصرف معنا إذا أمكن تصرف الصديق والحليف، لكن لنا بعض المطالب الجارية كشروط للصلح، وإن أول هذه الشروط وأكثرها أهمية هو: وجوب انسحاب جميع الجنود الإسبانيين من المغرب، ومن حدود الأطلنطي حتى تخوم الحدود الشرقية، إلى موقع الحاميتين الموجودتين في سبتة ومليلية، أو إلى إسبانيا مباشرة، ولن يرضينا شيء أقل من استسلام الحماية الإسبانية المطلق، ونحن نطلب ذلك باسم الأمة المغربية بأسرها، لأن الحماية الإسبانية قد حملت إلينا، ولم يعد في يسرها أن تحمل إلى شعبنا غير الشقاء والخراب، والحماية لا تحمي شيئا، حتى إنها لا تحمي الجنود الإسبانيين أنفسهم، فإذا ما تنازلت إسبانيا عن مناداتها بهذه الحماية الزائفة غير الشرعية، فإننا على استعداد للدخول في مفاوضات السلام. ”
ورغم نفيه وغربته الطويلين، فقد رفض جانبا مساعدة النازيين الألمان في العودة إلى الوطن عن طريق إحدى غواصاتهم، قائلا:” لن أعود بمساعدة ذلك الرجل”.
ومنذ تمكنه من الفرار إلى مصر سنة 1947 واصل نضاله مع أخيه رئيسا ل” عصبة الدفاع عن شمال إفريقيا”، وبعد حدوث خلاف بينه وبين أعضائها ذوي الميولات غير الجذرية في النضال، انسحب من العصبة، واستمر في تدعيم الوطنيين والمناضلين.
وكان موقفه من اتفاقية إيكس ليبان سيئة الذكر موقف الرفض الجذري، على اعتبارها لا تصفي بالكامل الوجود الاستعماري في المغرب، وظل يرفض العودة إلى الوطن مادام الاستقلال الكامل لم يتحقق.
وفي التصويت على أول دستور ممنوح دعم موقف المقاطعة له، الذي كان يحمله آنذاك الاتجاه التقدمي في الحركة الوطنية، المتمثل في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
إنها مواقف مشرقة تؤكد عظمة عبد الكريم كمناضل وطني ديمقراطي فذ.

5- موقف المخزن:

لقد كان من الطبيعي أن يقف أذناب الاستعمار من ثورة عبد الكريم العظيمة موقف العداء المطلق، وهكذا بالإضافة إلى الحرب غير المعلنة التي شنها السلطان يوسف ضد ثورة عبد الكريم عن طريق عملائه وكهانه قبل عام 1925، فقد أصدر بلاغا رسميا في 25 يونيو 1925 يدين فيه تمرد بعض القبائل الجبلية، ويندد بثورة عبد الكريم، ويدعو لمحاربتها، وقد أمر السلطان بقراءة بلاغه الملعون في كل المساجد، كما أن موقف النظام الحالي العدائي واضح من عبد الكريم، ومن تراثه العظيم المحظور على الأجيال الصاعدة دراسته رسميا.

6- الأهمية الكبرى لثورة الخطابي:

رغم إجهاض ثورة الخطابي، وذلك لعدة شروط، منها على الخصوص: ضعف النضال الوطني في المناطق الأخرى من المغرب ومن المغرب العربي، ومنها مواجهة قوتين استعماريتن في وقت واحد، بالإضافة إلى موازين القوى آنذاك على صعيد العالم.
رغم ذلك فقد كانت ثورة الريف من العوامل الحاسمة التي ألهبت المشاعر الوطنية في كل أرجاء المغرب والعالم العربي والشعوب المضطهدة، وفي خلق الحركة الوطنية المغربية الحديثة، واستندت على خبراتها الغنية الحركة المسلحة لجيش التحرير في الشمال والجنوب، وعلى صعيد المغرب العربي.
كان تأثيرها أيضا أساسيا على الأوضاع الإسبانية، حيث مهدت للجمهورية الشعبية في الثلاثينيات، وأبرزت باكرا وبالملموس وحدة الشعوب المضطهدة والطبقة العاملة في الدول الاستعمارية.
كما كانت دروس ثورة عبد الكريم نبراسا وقادا لأكثر من قائد، وأكثر من شعب، ونذكر في هذا الإطار الاعتراف الثمين من قبل هوشي منه وتشي غيفارا لعبد الكريم بالريادة في الحرب الشعبية.
وعلى ذلك، فيحق للشعب المغربي أن يفتخر بعبد الكريم وثورته، ويستلهم دروسها العظيمة في نضاله من أجل الثورة الوطنية الديمقراطية.

وثيقة لتنظيم 23 مارس بتاريخ 6 فبراير 1976

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى